نزار السيسي يكتب: تفاوُت القِيم

نزار السيسي
نزار السيسي

بقلم: نزار السيسي

..ثمة قيمٌ إنسانيةٌ سامية يتفاضل فيها الناس فيما بينهم، قيمٌ هي كالقمم لا يطولها إلا البر الحكيم الذي وفقه الله من بين أهله للارتقاء والتزكية والعبور فوق المادي والمسير صوب الروحي‎! 
نحن نشترك جميعًا في البصر لكننا نختلف في البصيرة، نتقاسم السمع ذاته ولكننا نختلف في الوعي والاستيعاب والفقه، لدينا أدوات النطق نفسها، ولكننا نختلف في أساليب التعبير والكلام ونتمايز حتى في درجات الصوت ونغماته!

كلٌّ يسعى ولكنّ الثلّة القليلة من الأنقياء والصالحين هم من يصل إلى مرضاة الله ورضوانه. وهبنا الله تعالى منذ الولادة حرّية اختيار المسار وكيفية استخدام الأدوات للتعامل مع النفس البشرية في

قوله عزّ وجلّ:
{ونفسٍ وما سوّاها،فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها، وقد خاب من دسّاها}

سيفلح من يزكّي النفس ويطوّرها وينمّيها، أمّا من يدسّها في التراب ويخفيها فسيخيب، ثمّ تأتي التنمية البشرية لتخبرنا كيف نستخرج ما دسسناه في التراب بعيدًا من أي ارتباط بالبارئ والخالق، وبعيدًا من أي دين..غير أن الإنسان لا يستطيع أن يستخرج مكنونات هذه النفس وطاقاتها وإبداعاتها وقدراتها بعيدًا ممن ألهم هذه النفس تقواها وفجورها..!
كلنا نستطيع أن نقدم ونبذل، ولكن من منّا يبذل في رضا لله ومن منّا يبذل في سخطه؟!

‏يتقدم بنا الزمن فمنّا من يتقدم معه ومنّا من يتقادم، ولطالما سمعت هذه الجملة تتناقل بين الناس (الزمن تغيّر) 

ويقصدون بذلك الاختلاف الحاصل بين الأجيال،في حين لو فكر المرء بحصافة لوجد أن الزمن هو الزمن، والأيام هي الأيام والحياة هي الحياة، وما تغيّر شيءٌ مثل تغيّر الناس أنفُسَهم وفي أنفسِهم وتبدل أحوالهم وأفكارهم ومبادئهم!

{لا يُغيّر الله ما بقوم، حتى يُغيّروا ما بأنفسهم}.
‏إنّ القيم المثلى تتساقط مع أوراق الخريف إلا ما رحم ربي من النزر اليسير من الناس، أولئك المرابطون على أخلاقهم ومثُلهم وعاداتهم ومبادئهم!

حين يصبح العالم قريةً صغيرة، كلٌ يرى ويسمع ويشاهد فيها ما يحدث هنا وهناك، فإن التأثر بشكلٍ تلقائي وربّما لا شعوريًّا حاصلٌ لا محالة،! خاصّةً عند من لا يملك الوعي اللّازم لاستيعاب مايرى ويسمع ويحدث في هذا العالم الواسع والصغير بنفس الوقت.

قد تهتزّ النفوس وتتغيّر وتتمايل، ولكن صاحب الأصول الراسخة لا يعلق بها، ولا يعميه ضبابٌ واهم، ولا يشتتهُ غبار العالم، بل سينجذبُ لكل ما هو كل رفيعٍ وسامق وسامٍ، وأما ما يزكم الأنوف ويندي الجباه فيصرفه الله عنهم، لأنهم جاهدوا في التمسك بحبله حق الجهاد.