أمنية

مصر الماضى والمستقبل

محمد سعد
محمد سعد

نتفاخر دوما أننا مهد الحضارات وأرض لجميع الأديان، ربما تشعر بعض شعوب الأرض بالغيرة تجاهنا فنحن أمة لها ماض عظيم وحاضر يفرض نفسه على أرض الواقع، وهذا ليس حديث إفك أو كلاما رجما بالغيب.


منذ أيام تقابلت مع صديق رحل منذ الصبا إلى إحدى الدول الأوروبية واكتسب جنسيتها من سنين عدة، ومن الوهلة الأولى حاول صديقى أن يظهر إن لكنته العربية ليست على ما يرام، وطوال جلستنا التى امتدت ساعات، حاول جاهدًا إن يبرز سلبيات مجتمعنا ويعقد المقارنات تلو الأخرى مع شعوب أوروبا التى أصبح ينتمى إليها، وفى كل مرة كنت اقابل ذلك بابتسامة فاترة حتى ألهب ذلك مشاعر رفيقي، وبادرنى أن هذه الابتسامة تستفزه.


قولت له استمع ياصديقى من حقك أن تزهو بالرقى والتطور الذى تعيش فيه لكن مجتمعك دأب ولايزال أن يدس لنا السم فى العسل، يقولون كفاكم تفاخرا بحضارة مر عليها آلاف السنين، يضحكون بسخرية مما وصلنا إليه، يظنون بجهلهم أننا عفا علينا الزمن ولا يعلمون أن الذهب كلما مرت عليه السنون زادت قيمته،لهم عذرهم فكما قال المثل القديم (من لا يعرفك يجهلك).


من حقنا أن نتفاخر بماضينا فهو وثيق الصلة بحاضرنا، بل أن الماضى هو أساس الحاضر والدليل على ذلك كثير مثل المهندس المصرى الذى بنى هرما حير علماء الدنيا حتى هذه اللحظة، قد أنجب أحفاده المهندس هانى عازر الذى صمم وأشرف على أكبر محطة قطارات فى أوروبا والتى يفتخر بها الشعب الألمانى بين شعوب العالم، والجراح المصرى القديم الذى أجرى أول عملية طرف صناعى وتوصل لعلم التحنيط الذى مازال لغزا حتى الآن، خرج من صلبه نابغة العصر مجدى يعقوب.


والفلكى المصرى الذى رسم حركة النجوم واكتشف علوم الفلك فى وقت كانت الدنيا ترقد فى ظلام، حفيده فاروق الباز شارك فى استكشاف جيولوجيا القمر، والمصرى القديم صاحب أول تقويم فى التاريخ ومن حدد بدقة أيام السنة وساعات اليوم، استكمل ولده أحمد زويل المسيرة ليكتشف أصغر وحدة قياس للزمن حتى الآن، والكاتب المصرى القديم الذى ألف واحدة من أوائل القصص فى التاريخ قصة سنوحى عام ١٨٧٥ قبل الميلاد، انتقل إبداعه لحفيده نجيب محفوظ صاحب نوبل فى الآداب، والجندى المصرى الذى حقق النصر فى معركتى مجدو وقادش وحرر أرضه من الهكسوس قبل بدء التاريخ، انتصر فى أكتوبر ١٩٧٣ على من حاول أن يدنس أرضه.


ياصديقى الأمثلة كثيرة ويمكن أن أعدد لك الكثير والكثير حتى تنصرف من حيث جئت فاذا كان المصرى القديم صاحب حضارة فإن أحفاده الآن يساهمون فى صنع تقدم ورقى الدنيا كلها، هذه هى مصر، دائما فتية قوية بأبنائها جيلا بعد جيل، لا ينضب خيرها ولا يقل علمها ولن يجف نيلها، فهى وجدت قبل التاريخ.