قلب وقلم

شباب الناشرين

عبد الهادى عباس
عبد الهادى عباس

لا يوجد أفضل من أغلفة الكتب الدافئة لتكسر برودة شتاء يناير وفبراير القارسين، ولتكون واجهة حقيقية لمصر الحضارة والريادة، التى علّمت العالم كيف يقرأ ويُفكر ويُبدع؛ ورغم الألق المضيء الذى ملأ به الأجواء معرض القاهرة الدولى للكتاب فإن هناك صراعًا حقيقيًّا يواجهه شباب الناشرين هذه الأيام العجاف مع سُعار أسعار الأوراق والأحبار وكأنها الغول الذى يلتهم مستقبلهم دونما هوادة أو رحمة.


الحجّ إلى معرض الكتاب واجبٌ مُقدس عند المثقفين الذين يرون فيه الرئة الحيّة للوطن، ومهرجان لا داعى منه عند الجاهلين الفارغين الذين تسكنهم الأرقام وتعمى عيونهم عن القيمة المعرفية للوطن ودور الوعى والتنوير فى رسم ملامح المستقبل؛ ورغم هذا فإن الزيارة وحدها لا تكفي، إذ لا بد من شراء الكتب لتكتمل البهجة، ولكن البهجة هذا العام لم تكتمل، لأن الأسعار مضاعفة ومن كان يشترى عشرة كتب بألف جنيه كل عام، فإنه لم يشتر بها سوى كتابين أو ثلاثة هذا العام؛ وإذا كانت المكتبات ودور النشر تقدم تخفيضات كبيرة فى المعارض السابقة فإنها لم تملك تلك الرفاهية هذا المعرض، إذ تُحيط بها الأفواه الفاغرة من تسديد الإيجارات وتكلفة الطباعة والأحبار ومصروفات النقل من وإلى المعرض وأجور العاملين، وغيرها من المصروفات التى تلتهم الجنيهات القليلة التى يحصلون عليها طوال خمسة عشر يومًا من الجهد المضني.


ورغم هذا فإن معرض هذا العام كان مليئًا بالإيجابيات، من الندوات الأدبية إلى شباب المتطوعين الذين قاوموا الهواء باردًا بقلوبهم الدافئة وبسمة لقائهم التى تردّ الروح الغائبة؛ يدلون التائهين إلى أماكن الصالات ويبحثون فى تليفوناتهم عن مواقع المكتبات بدقة متناهية، يحملون الكتب عن كبار السن وذوى الهمم، ويُعطون الأطفال بعض الحلوى والبالونات، كما يُلزمون من يرفع صوته أو يتجاوز فى الألفاظ بالمعايير الأخلاقية للمعرض؛ مئتان وخمسون شابًّا وفتاةً تطوّعوا لخدمة الكتب والناشرين وزوار المعرض، مجموعة عمل متناغمة متكاملة تعمل بسعادة كاملة ونظام كبير للتنسيق مع الناشرين لإسعاد الزوار ومساعدة الناشرين فى عرض الكتب وترتيبها فى بداية المعرض ثم جمعها فى نهايته؛ وهؤلاء الشباب الذين يتنافسون فى العطاء هم الأيقونة الحقيقية لمصر كلها، وهم الكتاب الخالد للوطن على مرّ التاريخ.