بعد الخسائر القياسية.. هل تنجح خطوات مصرف لبنان في إنقاذ الليرة؟

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

تراجعت الليرة اللبنانية بشكل قياسي في الساعات الماضية، وبلغت مستوى 93 ألف ليرة لكل دولار في السوق السوداء، لينعكس ذلك سلبا في البلاد. وعليه قرر مصرف لبنان المركزي التدخل في السوق بائعا للدولار الأميركي، في محاولة مكررة منه لكبح الانهيار الحاصل للعملة الوطنية، وفقاً لـ سكاي نيوز.


وصرح مصرف لبنان بـ أنه ابتداءً من 2 مارس 2023، سيتدخل بائعا للدولار الأمريكي، وشاريا لـ الليرة اللبنانية للأفراد والشركات، على سعر 70 ألف ليرة للدولار وذلك عبر منصة "صيرفة" المعتمدة في المصارف اللبنانية، وحدد المركزي سقفا بقيمة مليار ليرة شهريا كعمليات شراء للأفراد و 10 مليارات ليرة شهريا للشركات.

وعند إعلان مصرف لبنان عن قرار التدخل في السوق كـ بائع للدولار بسقوف كبيرة، تراجع سعر صرف الدولار في السوق السوداء الى مستوى قريب من 80 ألف ليرة لبنانية، وذلك بعد أن لامس مستوى الـ 93 ألف للدولار، قبل دقائق من إعلان القرار.


-انخفاض مستمر لقيمة العملة


ومن خلال تحديده سعر 70 ألف ليرة للدولار على منصة "صيرفة"، يكون مصرف لبنان قد قام مرة جديدة بتخفيض قيمة العملة اللبنانية بشكل كبير، فـ المنصة كانت وقبل ساعات من إصدار القرار، تبيع الدولار على نطاق ضيق جدا بسعر 45 ألف ليرة، وبالتالي يكون مصرف لبنان قد أقر من جديد بانخفاض قيمة العملة.


وتعاني لبنان من مشكلة تعدد أسعار الصرف، فسعر الصرف الرسمي، فـ يبلغ اليوم 15 ألف ليرة، وسعر الدولار الجمركي 45 ألف ليرة، وسعر دولار منصة "صيرفة" يبلغ 70 ألف ليرة، في حين يفوق سعر الدولار في السوق السوداء مستويات الـ80 ألف ليرة حاليا.


ويحاول مصرف لبنان، امتصاص الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية الموجودة في السوق، والتي وصل حجمها إلى 97 تريليون ليرة في نهاية عام 2022، والتي يؤكد معظم الخبراء أنها السبب الأساسي للانهيار الكبير للعملة الوطنية، حيث يتم استخدام هذه الكتلة الضخمة، في عمليات المضاربة وشراء الدولار من السوق السوداء.


-سيناريو يتكرر مع كل انهيار


الإجراء الذي قام به المصرف المركزي ليس بجديد، بل إنه سيناريو يتكرر في كل مرة تنهار فيها العملة اللبنانية إلى مستويات قياسية، إذ حدث قبل نهاية عام 2022 بأيام عند تسجيل الليرة مستوى 48 ألف ليرة لكل دولار، وهو ما اعتبر حينها انهياراً كبيرا للعملة، إلا أن المركزي اللبناني لم يتمكن من الصمود بقراره، معلنا التراجع عنه بعد أيام قليلة، بعد أن قام بضخ أكثر من مليار دولار، لم تثمر سوى تراجع محدود في سعر الصرف.


ويرى الخبراء أن الأمر الخطير هو اعتراف البنك المركزي اللبناني، بأن الوضع بات خارج عن سيطرته، وأنه بات مضطرا أن يلحق بالسعر الذي تحدده السوق السوداء وليس العكس.

و رأى نيكولا شيخاني الخبير الاقتصادي، أن رفع سعر شراء الدولار عبر منصة صيرفة من 45 ألف إلى 70 ألف ليرة، يعني أن المصرف المركزي لم يعد يضع في حساباته أي تراجع للسعر عن هذا المستوى، وأنه بات هناك أمر واقع بأن الليرة متدهورة لأكثر من مستوى 70 ألف.


ويرى شيخاني، أن منصة صيرفة استحدثها مصرف لبنان، لمحاولة ضبط سعر الصرف في السوق السوداء، إلا أن ما حصل الآن، أظهر أن المركزي لم يعد قادرا على ضبط الوضع، وأن المنصة باتت هي التي تلحق بالسوق السوداء.

و يشير شيخاني، الى أن الناس ستقوم الآن بشراء الدولار من منصة "صيرفة" على سعر 70 ألفا، ليقوموا ببيعها في السوق السوداء على سعر 80 ألفا وتحقيق أرباح من فارق السعر، إذ أن هذا الإجراء يكبد مصرف لبنان، المزيد من الخسائر التي ستظهر عاجلا ام آجلا عند إجراء إعادة هيكلة للمصرف، مشددا على أن ما يحصل سيدفع ثمنه في النهاية الشعب اللبناني.


وتابع شيخاني، إن السياسية النقدية لمصرف لبنان، أثبتت أنها غير صالحة، وأن التعاميم التكتيكية والتضخمية التي يصدرها، تكبده خسائر، مشيرا إلى أن هذا التوجه يجب أن يتوقف لأن الخسارة تتراكم، فالاقتصاد باتت يتدولر أكثر وأكثر، حيث أن لا ثقة بالليرة التي تسلك طريق التدهور.


وأكد شيخاني ضرورة استبدال التعاميم التكتيكية، باستراتيجية نقدية، وسياسة نقدية متساوية مع سياسة مالية وضرائبية، يقوم البنك المركزي والسلطة بوضعهما سويا لإعادة هيكلة الاقتصاد واستعادة الثقة به.


-دورة الدولارات


إن سبب فشل تعاميم مصرف لبنان تعود لسبب أساسي وهو عدم امتلاكه للدولارات، فالمركزي اللبناني يعمد إلى شراء الدولارات من السوق السوداء بسعر مرتفع، ليعود ويبيعها للمواطنين بسعر منخفض عبر منصة "صيرفة"، في حين يقوم المواطنون ببيع هذه الدولارات في السوق السوداء وتحقيق مكاسب من فارق السعر، وفقاً لـ الخبراء.

ومن هنا فإن عملية سحب الكتلة النقدية الضخمة من العملة اللبنانية من السوق يكون مصيرها الفشل، فالمركزي ورغم امتصاصه للكتلة النقدية بالليرة من السوق عبر بيع الدولارات في المصارف، إلا أنه يقوم في الناحية الأخرى بضخ مبالغ كبيرة من الليرة، لشراء الدولارات من السوق السوداء، وهو أمر اثبتته محاضر التحقيق الذي أجريت في الآونة الأخيرة، مع عدد كبير من صيارفة السوق السوداء، الذين أكدوا أنهم يجمعون الدولارات من السوق لصالح مصرف لبنان.


ويرى عدنان رمال عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، إن القرار الأخير لمصرف لبنان، سيؤخر ارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء، مشيرا إلى أنه تدخل إيجابي ولكن بكلفة مرتفعة جدا، حيث تتوقف مدى فعاليته على مدى قدرة المركزي على الاستمرار في تنفيذه.


وتابع رمال، أنه علينا أن ننتظر لنرى ما مدى قدرة المصرف على الصمود بقراره، ومدى قدرته على ضخ الدولارات في الأسواق، مشككا باستدامة هذا القرار لفترة طويلة، ومتوقعا أن نعود لمشهد ارتفاع سعر الصرف في المستقبل، وتدخل مصرف لبنان للجمه.


وكشف رمال، أن ارتفاع سعر منصة "صيرفة" من 45 ألف إلى 70 ألف ليرة، هو إجراء ستكون له بعض الانعكاسات السلبية على المواطنين، خصوصا مع وجود العديد من فواتير الخدمات، التي يتم تسعيرها وفقا للسعر المعتمد على المنصة، مثل فواتير الهاتف الخلوي وبعض الرسوم الأخرى وهو ما سيؤثر ارتفاعا في الكلفة على معيشة المواطنين.

 

اقرأ أيضاً: حاكم مصرف لبنان: «أسواق موازية» سبب ارتفاع أسعار الدولار