علاء عبدالكريم يكتب: «يصدقوا عشان يرتاحوا»

علاء عبدالكريم
علاء عبدالكريم

..كلاهما واحد ينتميان إلى ماضي عفن لن يعود، انتهت صلاحيته من قرون، نعم كليهما يكون عندنا على درجة واحدة من الرجعية المنحطة والتخلف؛ فـ عصابة المقطم والمتسلفة يريدوننا حبيسي المقدس، لا نعرف طريقًا للتطور، نعيش عيشة أهل الكهف إذا تقلبنا ذات اليمين وذات الشمال ارتطمت رؤوسنا بالحائط أو بأجسادهم الثقيلة، تحسبنا المجتمعات الحضرية التي يعيش فيها الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي والعلمي، أيقاظا، وفي الواقع نحن رُقُود، يفرضون علينا دراما الأصولية الدينية التي تروج للموت والنار، والفوز كل الفوز لو كان هذا الموت استشهادًا مزعومًا في سبيل قتل البشر باسم الله، والظفر بالعين الحور، رغم أن الأمل، والعمل لصالح الوطن، ومواجهة الفكر الخرافي، والمعرفة، والكتابة، هي الحيل الوحيدة الناجحة في مواجهة الموت، أعلم حتمية الموت مهما تحصنا «أينما تكونوا يُدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة»، ولكن في الواقع هم يريدوننا أن نكره أنفسنا وحياتنا، يريدون مجتمعًا مضطربًا وغير مستقل، يُعلي قيمة التطرف والتعصب على قيمة الانتماء للوطن، أن تصل رسالتهم لنا «إن آخر وجه من وجوه الإسلام السياسي هو «داعش».

ومن يواجههم بصوت المنطق والوسطية يصيحون، ويتصاحيون – وما أنكر أصواتهم – ويصرخون، ويتسابقون نواحًا وضجيجًا وعويلًا وعجيجًا؛ صحيح صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي حين قال بملء الفم: «إن الإرهاب في مصر فشل وأصبح من الماضي، لافتًا إلى أن الدولة دفعت ثمنًا كبيرًا من دم أبنائها للخلاص منه»، لكن تبقى مشكلتنا في الشرق المسلم كله، أننا دائمًا نتعايش مع الأفكار خاصة السلبية منها بحجة «أنهم بتوع ربنا»، وكما قال لي المفكر الليبرالي إسماعيل حسني؛ «هو عايز يصدق عشان يرتاح»، ولو سألت بيعملوا أيه بتوع ربنا لأجابوك «احنا بندعي في المساجد ونصلي ونصوم»!، أي دعاء هذا يقربني من الخالق دون عمل؛ فرغم ما كتبه الكاتبون، وبحثه الباحثون، وأرخه المؤرخون، وشرحه الشارحون عن عصابة المقطم وما ارتكبته من إرهاب وتدمير واغتيالات وسفك للدماء على مر تاريخها الأسود والعريق في الإجرام، واستخدامها الخطاب المراوغ وفق مقتضيات وظروف كل مرحلة، من البنا إلى قطب، الذي كشف زيف الوسطية والاعتدال الذي يتشدقون به ويعيدون انتاجه من وقت لآخر ويخدعون به العالم، وأن أمثال القرضاوي والعوا وعمارة وهويدي والقائمة طويلة ممن يُطلقون على أنفسهم دعاة ومفكرين إسلاميين ممثلين للدين الوسطي؛ لم نجد واحدًا من هؤلاء يومًا أدان بوضوح عملًا إرهابيًا جبانًا ارتكبه تيار الإسلام السياسي.

عندما قامت ثورة يوليو 1952، أصدرت الجماعة الإرهابية بيانًا عبرت فيه عن فرحتها لنجاح الحركة المباركة لضباط الجبش، وبعدها بشهور قليلة فوجئ قادة الثورة بطلب المرشد العام للجماعة حينئذ حسن الهضيبي عرض القرارات التي يتخذونها على مكتب إرشاد هذه الجماعة للنظر فيها قبل إصدارها، وعندما رفض رجل يوليو القوي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر هرائهم؛ أطلق محمود عبد اللطيف عضو الجماعة الإرهابية ثماني رصاصات لم يصب أي منها جمال عبد الناصر خلال إلقائه خطابًا في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر سنة 1954.
هل عرف المسلمون الاوائل الأصولية...؟!

الحقيقة التي لا مراء فيها أن هذا المصطلح لم يعرفه التاريخ الإسلامي يومًا، فقط وجدناه في كتب التراث القديمة، في وصف رجل دين مثلًا بأنه كان «أصوليًا مفسرًا»، أو للتعريف بجماعة أو حركة إسلامية لا تعترف بالحداثة، ويستقون أحكامهم من كتب التراث الديني، رغم أن الحركة الأصولية تأتي جذورها من داخل الكنيسة التي تتمسك بأساسيات الإيمان المسيحي، ومعها ظهرت محاكم التفتيش في أوروبا منذ بداية القرن الثالث عشر واستمرت حتى القرن الثامن عشر تقريبًا، ويقال أن الذين قتلوا نتيجة لهذا التعصب الأعمى يتجاوز عشرات الألوف في كل انحاء العالم المسيحي، وتحكي كتب التاريخ أن من أشهر الذين ماتوا حرقًا المصلح التشيكي المشهور «جان هسّ»، عندما رأت فيه الكنيسة الكاثوليكية خطرًاعليها فأصدرت فتوى بتكفيره بتهمة، الزندقة، وخرجت بعدها أوروبا من عصور الظلام بفضل فلسفة العربي ابن رشد الذي أحرقت مؤلفاته في قرطبة واتهم بالكفر، فمات في الشرق المسلم، وصار حيًا في الغرب المسيحي، وعدنا نحن لفكر ابن تيمية نطبع مجلداته التي تؤسس لفقه العنف والتطرف، وصار الملهم لشيوخ الدم والتعصب الديني الذين يصدرون فتاوي شن الحرب وقطع الرؤوس لفرض أحكام الشريعة الإسلامية، وملاحقة الكتاب والمفكرين بدعاوى إذدراء الدين، وكأنهم نواب السماء يحتكرون وحدهم دين الإسلام ويوزعون صكوك الغفران على العباد.

في فيلم للضاحك الباكي نجيب الريحاني «سلامة في خير» وفي آخر مشهد في الفيلم يمتدح الفنان محمد كمال المصري نجيب الريحاني ببيت شعر بعد ظهور براءته حسب أحداث الفيلم حين قال له: «وأحسن منك لم تر قط عيني، وأجمل منك لم تلد النساء»، ورغم أن هذا البيت هو بيت شعر من أشعار حسان بن ثابت قيل للمدح في الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، لم نسمع وقتها أن الرقابة منعت الفيلم من العرض، ولا حدثت ثورة من الأزهر عليه.

فـ لازلت عند يقيني أن إرهاب 11/9 لم يكن إرهابًا لحظيًا بل هو نقطة فارقة في أفكار هؤلاء السلفيين، أصحاب «الانسداد التاريخي»، تأكدوا ايها المتسلفة أن فضائحكم وجرائمكم لن تسقط بالتقادم ولن تخدعنا جلاليبكم القصيرة وذقونكم الطويلة والزبيب الكبيرة بفعل العطارين.