قلب مفتوح

الدولة الوطنية

هشام عطية
هشام عطية

كارثة زلزال تركيا وسوريا المروعة فرضت واقعا محزنا شديد البؤس لا يمكن تغافله أو التغاضى عنه وهو أننا فى عالم لايقيم وزنا لأى دولة انفرط عقدها، احترب شعبها، انهارت مؤسساتها وتقطعت أوصالها، وانتهكت سيادة ترابها الوطنى وأصبحت مطمعا للجميع.

عالم سمته الظلم وعنوانه الجور والعنصرية حتى فى الكوارث الإنسانية، ففى لحظات هرعت أكثر من ١٠٠ دولة بأطقم إنقاذها ومعداتها نحو المدن التركية المنكوبة لانتشال الأحياء والأموات من تحت الانقاض وتوفير المأوى والعلاج للمشردين من ضحايا الزلزال المدمر، بينما احتاجت الدفعة الأولى من المساعدات الخاصة بالأمم المتحدة للمنكوبين فى الشمال السورى إلى أربعة أيام لتصل إليهم بسبب الخلافات بين النظام والمعارضة وبسبب التناحرات الاجتماعية!.

رسائل كثيرة شديدة الوضوح يمكن أن نقرأها بعد أن زلزلت الأرض زلزالها فى دقيقة واحدة فى تركيا وسوريا وخلفت حسب آخر الاحصائيات حوالى ٤٢ ألف قتيل ومئات الالاف من الضحايا ومدن باكملها أضحت ركاما وعهنا منفوشا.

أولى وأهم هذه الرسائل أن ما تظنه مستحيلا من السهل أن يكون واقعا، وأنه مهما تجبرت دول وتسلحت بالنانو والنووى فإن العلى القدير الذى لا يعجزه شيء فى الأرض ولا فى السماء يمكن أن يبيدهم فى لحظات ويجعلهم آية للعالمين.

ولعل أكثر الآيات وضوحا أن الزلزال وحده قد لايكون مسئولا عن عشرات الآلاف من الأرواح التى أزهقت وشردت وغدت فى العراء ولكن الفساد إذا استشرى فى بلد جعل عاليها سافلها، بلدة إرزين الصغيرة الموجودة ضمن حدود محافظة هطاى التى تحولت معظم مدنها الى رماد لم يحدث شرخ واحدا فى مبانيها بسبب إصرار عمدتها الحالى والسابقين على انشاء المبانى وفقا للمعايير الهندسية الصحيحة والتصدى لكل محاولات الغش فى البناء.

آية أخرى لا تخطئها العين فقد كشفت كارثة الزلزال التركى السورى أن العالم الذى تعصف به الحروب وتفرقه المصالح يمكن أن توحده الإنسانية فى لحظة، ولعل مشهد فرق الإنقاذ الأمريكية والصينية والروسية والاوكرانية وهى تعمل جنبا إلى جنب لإنقاذ الضحايا والمصابين خير شاهد على ذلك.

الخلاصة أن الدولة الوطنية القوية المتماسكة هى الحضن الآمن لشعوبها حتى فى أشد الظروف المأساوية، وأن المكافحة المستمرة للفساد تضمن للبلاد النجاة والبقاء حتى لو انشقت الأرض من تحت أقدامها.