يوسف الشريف يكتب: الحداثة والسياسة.. تاريخ جديد للعالم

يوسف الشريف يكتب : الحداثة والسياسة: تاريخ جديد للعالم
يوسف الشريف يكتب : الحداثة والسياسة: تاريخ جديد للعالم

الكتاب شديد الأهمية، يقف ويحلل ويفكك ويرصد أهم الأحداث السياسة والفكرية والتاريخية والفنية التى مرت على الإنسان بشكل عام، وفى الوقت نفسه يرصد بدقة مشاكلنا ويطرح الأسئلة التى نحن بحاجة للبحث عن إجابات لها فى كل يوم.

«السياسة من دون حداثة هى بناء فى الفراغ.. تشييد قلاع من رمال.. كتابة موسوعة كبرى على قمم الأمواج.. السياسة من دون حداثة تجعل الدولة تدور فى الفراغ.. والحداثة من دون سياسة تدفع المجتمع إلى ثقافة الغرائب، وفوضى اللامعقول».


وفي هذه السطور التى بدأ بها الكاتب الصحفى والإعلامى أحمد المسلمانى تقديم كتابه «الحداثة والسياسة.. كيف يفكر العالم»، الصادر حديثًا عن دار دون للنشر والتوزيع، والذى يعيد المسلمانى فيه تأمل أبرز الوقائع التاريخية والسياسية وأيضًا الفلسفية والدينية طوال التاريخ الإنسانى.

ومن خلال عدد كبير من المقالات وكل مقال يحمل فكرة وموضوعًا معينًا، شديد الأهمية وشديد الدلالة، وثريًا بالمعلومات والحقائق والاكتشافات التى ربما يقف أمامها القارئ منبهرًا. وهنا ربما تحققت أمنية الكاتب التى أفصح عنها فى مقدمة الكتاب حين قال إنه يتمنى أن يحصل قارئ الكتاب على المتعة والفائدة معًا، وأن تدفع هذه الموضوعات إلى تعزيز العقل وتمكين العلم وتعظيم المعرفة.. وربما هذا أمنيتنا جميعًا.


فى البداية يعرف الكاتب الحداثة قائلًا: 
«الحداثة هى سيادة العقل.. وأن عصر الحداثة هو تحكيم العلم فى إدارة شئون الحياة».
وهى فى هذا المفهوم تعتبر «سياقاً إسلامياً وليست سياقًا معاديًا للإسلام» كما يحاول أن يروج البعض من المنتمين لفكر جماعات الإسلام السياسى للمفهوم الخاطئ للحداثة، محاولين طرد العالم العربى والإسلامى بعيدًا عن حقائق العصر وحركة التاريخ.

ولذلك فلتكن «المصالحة بين الإسلام والحداثة، وبين الأصالة والمعاصرة.. والدين والدنيا. بالنسبة لنا فإن عصر العقل لم يسد، ونداء العلم لم يصل، ولاتزال معظم مجتمعاتنا تعيش حقبة ما قبل الحداثة».


وطوال الكتاب ومن خلال ما يقرب من الخمسمائة صفحة لم يتوقف القارئ عن الشعور من الدهشة أمام الحقائق الجديدة التى سيكتشفها.. فمثلًا ستكتشف أن هناك ديانة اسمها (الساينتولوجيا) التى تأسست فى خمسينيات القرن العشرين على يد كاتب أمريكى شهير بروايات الخيال العلمى، حيث صاغ الكاتب رواية خيالية أصبحت الكتاب المقدس لمن اتبعوه وآمنوا به.. وكان من أبرز المؤمنين به هو النجم توم كروز.


وستعرف كيف أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة نووية فى التاريخ، ولماذا تأخرت المشاريع النووية فى بلاد أوروبا مثل فرنسا وروسيا، وكيف توقفت المشاريع النووية فى دول العالم الثالث والدول النامية ومنهم مصر.


ومن ثم ستعرف لماذا أصبح «علماء الرياضيات هم النخبة العلمية الأكثر أهمية فى السياسة الدولية المعاصرة؟». 
كيف بدأت أسطورة أينشتاين؟ وماذا حدث أثناء مروره على بورسعيد؟ حين هاجم بلاد الشام والجزيرة العربية وتركيا قائلًا «إنهم شرقيون قذرون». ما قاله أينشتاين هو جزء من ثقافة الاستشراق العنصرية.

ولكن فى حقيقة الأمر «لم يعد الغرب بحاجة إلى الكثير من المستشرقين الذين بذلوا فى السابق جهودًا كبيرة من أجل تكسير صورة الإسلام وتحطيم صورة المسلمين، ذلك أن المتطرفين المسلمين قاموا بهذا الدور بأفضل مما يتخيل الغرب.. وأوضح وأقوى من كل إنجازات المستشرقين».

ولكن فى كل الأحول كيف لعالم وصف بالعبقرية والدهاء الذى لا مثيل له، أن يكون بهذه العنصرية؟ لدرجة أنه قال عن سريلانكا باستعلاء شديد إن شعبها يعيش وسط القذارة والروائح الكريهة، وقال عن الشعب الصينى العريق إنه «شعب قذر».


عن العلاقة بين شارلى شابلن وهتلر، فكلاهما ولد فى 1889، والاختلاف الكبير بينهما، حيث الأول ينضم لقضايا الفقراء والمهمشين والمشردين، والآخر يعمل على إبادة الإنسان، الأول عارض نشأة إسرائيل حيث «أنه لا يجب إرسال اليهود إلى فلسطين وإلا فإنه يجب إرسال الكاثوليك إلى روما».

والثانى الذى ترشح لجائزة نوبل للسلام عام 1939.، وستضرب كفًا بكف حين تعلم أن بجوار هتلر رشح كلًا من ستالين وموسولينى لنفس الجائزة. فى حين لم يحصل غاندى الزعيم التاريخى للهند ولولا دى سيلفا الزعيم التاريخى للبرازيل على الجائزة.


وفقد قام (لولا) بإنجازات غير مسبوقة، لدرجة جعلت الولايات المتحدة تخشى تراجع هيمنتها على دول أمريكا الجنوبية، فقد قام بتسديد قرض قيمته 30 مليار دولار لصندوق النقد فى ثلاث سنوات فقط، وأحدث قفزات غير مسبوقة فى معدلات النمو والتقدم فى البرازيل، وربما هى المعدلات التى لا يوجد لها مثيل فى العصر الحديث بين دول العالم الثالث والدول النامية، والتى يجب دراستها دراسة علمية وتأملية.


ومن بعد ذلك ستعرف لماذا أحب بيتهوفن نابليون بونابرت لدرجة أنه أطلق على «السيمفونية الثالثة» اسم نابليون بونابرت، ولكن انقلب موقف الفنان الموسيقى التاريخى بعدما رأى حلول الاستبداد الجديد بدلًا من الاستبداد القديم التى قامت الثورة الفرنسية عظيمة المبادئ بتغييره.


ويستنكر الكاتب فكرة ما يمكن أن نطلق عليه الثقافة المزيفة، وهى الكتب التى تروج للخرافة والأشياء غير المنطقية، والتى تعادى العلم، وعلى سبيل المثال يتساءل كيف باعت سلسلة «هارى بوتر»  ملايين النسخ فى حين أن هناك كتباً علمية شديدة الأهمية لم يسمع أحد عنها شيئًا؟ وهل نحن فى عصر خريف المنطق؟
ومن الأحداث السياسية الكبرى التى يكشفها الكتاب هو صعود أمريكا والاتحاد السوفيتى كقوى عظمى للعالم، والتى أنشئت ما سمى بالحرب الباردة، وكيف أعيد تقسيم العالم فكريًا واقتصاديًا من جديد.


وفى النهاية هذا الكتاب شديد الأهمية، يقف ويحلل ويفكك ويرصد أهم الأحداث السياسة والفكرية والتاريخية والفنية التى مرت على الإنسان بشكل عام، وفى الوقت نفسه يرصد بدقة مشاكلنا ويطرح الأسئلة التى نحن بحاجة للبحث عن إجابات لها فى كل يوم.

اقرأ ايضاًَ | مفوض الأمم المتحدة : قلق أممي إزاء محاكمة أليس بيالياتسكي الحائز على نوبل للسلام