السيد النجار يكتب: هى.. كوكب لا ينطفئ

السيد النجار
السيد النجار

رحل زمن كنا نعرف أسماء العازفين بالفرق الموسيقية.. ولا أقول نجوم الغناء والملحنين والمؤلفين.. وجاء زمن لا نعرف أسماء كثير ممن يدعون أنهم مطربون

من لا يستمع إلى أم كلثوم وعبدالحليم، وغيرهما من مطربى زمن الكلمة الجميلة والموسيقى الراقية.. لا يعرف الحب قلبه.. ولا يحرك وجدانه ولا يسمو بروحه أى احساس انسانى، هذا الكلام قاله شاب فى مقتبل العمر.. تعجبت.. وقلت مبتسما: ماذا حدث.. دار بيننا نقاش منذ سنوات قليلة حول استيائك من مقدمة موسيقية طويلة لإحدى أغانى عبدالحليم قال هذا النقاش اثار حفيظتى.. وبعدها استمعت لعبدالحليم وتبعته أم كلثوم وتجولت بين أغانى عدد من رواد الأغنية فى هذا الجيل.. وشعرت بحالة جميلة من المتعة والسعادة والراحة النفسية.. ومن لحظتها.. لم استمع إلا ما ندر لبعض من كنت استمع إليهم.. وأكمل الشاب حديثه: لا تتعجب.. لست حالة نادرة فالأغلب من الشباب هكذا.. وما تشاهده من اقبال وازدحام من الشباب على حفلات هؤلاء المغنين الجدد الذين شابوا مازالوا يحملون شعار الأغنية الشبابية، ليس مؤشرا على أى معنى له علاقة بالفن والطرب، وإنما هى حالة، وشكل من أشكال تجمعات الشباب وكأنهم فى نزهة أو جلسة «الشلة» فى كافيه.. والأغنية الشبابية بمفهوم هذه الأيام مثل عمر الشباب، سنوات وتمر وتنمحى حتى من الذاكرة. هذا لو صادفك منها أغنية جيدة.. أما الفن الأصيل باق على مر الزمان.. كلمات وأداء مطرب بإحساس صادق ولحن موسيقى راق.

أسعدنى كلام هذا الشاب.. بالفعل رحل زمن كنا نعرف فيه أسماء العازفين بالفرق الموسيقية.. ولا أقول أسماء نجوم الغناء والملحنين والمؤلفين.. وجاء زمن لا نعرف كثيراً ممن يدعون أنهم مطربون رغم مضى سنوات عليهم من «التنطيط» على المسرح وكثرة طلتهم بالصحف والفضائيات. وتمرق أسماؤهم من الذاكرة سهماً طائشاً، فكيف نتذكر أغانيهم.. ولا يخجل هؤلاء من ترديد مقولة التطوير وروح الشباب والعصر. وهو تقليد أعمى، بلغ بأحد هؤلاء إلى خلع ملابسه على المسرح بجهل مفرط.. لا يعرفون لمن يغنون.. ولا يفرقون بين روح الشرق والغرب، ولا بين ثقافة وأخرى.. ولا يفهمون لماذا تنجح الأغنية الغربية القصيرة بين الجمهور العربى شبابا وكبارا، ولا تنجح أغنياتهم.. لانها قضية احساس أداء ولحن يثرى وجدانك وكلمات راقية مبدعة جميلة تثير خيالك.

بعضنا تصور أن هذه الموجه الهابطة من الغناء سترحل.. ولكنها طالت.. وتلا بعضها بعضا.. وكأنهم سلسال لا ينتهى ولا ينضب.. أكيد الكثير من هؤلاء لم يقرأ أو يسمع الخبر الذى أسعد كل العرب الأيام الماضية، بإعلان أكبر مجلة أمريكية «فنية» لقائمة أهم مائتى مطرب فى التاريخ.. ومن بينهم أم كلثوم فى مركز متقدم المطربة العربية الوحيدة فى القائمة، والتى خلت من أسماء كثير من مشاهير نجوم الغناء الغربى، أم كلثوم التى رحلت منذ ٤٨ عاما.. لا تزال هى الأفضل عربيا وعالميا. قالت اللجنة العالمية للاختيار: أم كلثوم مثلت روح العالم العربى لعقود ومازالت حتى اليوم.. ومعبرة عن الموسيقى الأصيلة، وكلمات أغانيها ذات معنى وتجاوز تأثيرها العالم كله.. فهى معبرة بصدق عن مشاعر المحبين والعشاق، وتتمتع بقدرات تمكنها من التنقل بطريقة مذهلة فى الأغانى المعقدة ولعدة ساعات، فتظهر كشعلة من نار.

يؤسفنى أنى لا أتذكر صاحب مقولة «ثوما بطل الوحدة العربية.. اختلف العرب فى كل شيء.. واتحدوا على حب أم كلثوم». ولذا أطلقوا عليها كوكب الشرق. وستظل هى بالفعل كوكباً لا ينطفئ.

مقال غير حياة السادات
فى صيف ١٩٤٧ كان السادات مسجونا على ذمة قضية مقتل أمين عثمان، الوزير الصديق للانجليز، وصاحب المقولة الشهيرة كرمز للخيانة الوطنية.. إن العلاقة بين الانجليز ومصر، زواج كاثوليكى لا طلاق فيه.. يكاد السادات يختنق فى زنزانته، حرارة عالية ورطوبة كبيرة.. والأشد قسوة عليه، حالة إحباط واكتئاب يعيشها.. فقد كانت المرة الثانية التى يعتقل فيها باتهامات مقاومة الاحتلال البريطانى لمصر.. تحدثه نفسه كما يروى فى مذكراته.. لماذا هذه البهدلة التى تعيشها.. ولماذا تدمر مستقبلك بيدك.. لماذا لا تعود إلى مسارك الطبيعى فى الحياة.. ضابطاً فى الجيش.. وتعيش هانئ البال وتتمتع بحياتك مع أسرتك.. هل أفعالك هذه هى التى ستطرد الانجليز من مصر؟. وبينما الأفكار تتزاحم فى رأسه.. ويراوح اليأس مكانه فى نفسه.. قرأ مقالا لعالم النفس «هارى فوسدك» فى مجلة «ريدرز دايجست» الأمريكية. عنوان المقال.. «كيف تحفظ نفسك بعيدا عن الأطباء النفسيين» يقول العالم: رضا النفس هو أثمن ما يمكن أن يصل إليه الانسان فى حياته.. غالبية الناس هذه الأيام ليس لها مكان داخل أنفسهم يوفر لهم الهدوء والاستقرار فى هذا العالم الهائج «١٩٤٧».. العقيدة الدينية هى القوة الهامة الكامنة التى تحقق الانسجام والسلامة العقلية وهى الروح المطلوبة لتحقيق القوة والصحة.. العقيدة سر يصنع الصفاء الداخلى، ومن ليست له عقيدة يهرب من وحدته، وليس له سوى النشاط المستمر دون جدوى، وتتسم الحياة باضطراب لا يعرف الهدوء.. الانسان السليم هو الممتلئ بالإيمان والأمل والحب واحترام النفس.

يقول السادات: انه بدأ يشعر براحة نفسية وطمأنينة بينما يواصل قراءة المقال.. حتى قرأ جملة «يجب على كل انسان أن يعى أن الله اختاره لدور ما فى الحياة.. ليس بالضرورة أن يعى ما هو هذا الدور تحديدا.. ولا متى يحقق أهدافه».. هنا توقف السادات للحظة عن القراءة.. طرد هواجسه ومخاوفه.. انسحب من نفسه التردد واليأس.. وقال محدثا نفسه: هذا ما يجب أن أكون.. لا تراجع.. ولا تخاذل.. هذا ما اختاره الله لحياتى.

تعاقبت الأيام.. وتوالت الأحداث.. وخرج السادات من السجن بعد البراءة، وعاد إلى الخدمة بالجيش الذى كان مفصولا منه.. وأنت تعرف باقى مشوار حياته حتى أصبح رئىسا للجمهورية.. قال السادات: هذا المقال غير حياتى.. ولكن الأهم هل فعلا ما قاله عالم النفس يمكن أن يغير حياتك أنت أيضا؟!

شوارد سياسية
فى ٣ أغسطس ١٩٧٨ فى أوج مبادرة السادات للسلام.. قال هارولد سوندرز مساعد وزير الخارجية الأمريكى فى لقاء مع المحررين الدبلوماسيين بالخارجية الأمريكية: هدفنا أن يظل العرب منشغلين.. وهذا ينمى علاقاتنا مع الدول العربية الرئيسية التى نحتاج إليها.. ويسمح لنا فى نفس الوقت بالاحتفاظ بعلاقاتنا الوثيقة بإسرائيل.. هدفنا عدم توحد العرب لأسباب تتعلق بالعمل من أجل السلام والبترول واحتواء الاتحاد السوفيتى «حينذاك»..

تذكرت كلام سوندرز بينما تطل صورة اجتماع مستشار الأمن القومى الأمريكى مع نتنياهو فى إسرائيل. مجرد حملة علاقات عامة. ليبدو أن هناك حراكا للسلام أو محاولات لوقف اسرائيل عن بلطجتها.. وهم وغيرهم يقولون ما يريدون.. وإسرائيل تفعل ما تريد.. وهذا ما يقوله الإسرائيليون أنفسهم.. وخاصة نتنياهو.. لنفعل ما نريد.. ويشجب ويندد العالم كما يريد.

هذا رأيهم
تلاميذ جولد شتاين الإرهابى الذى نفذ مذبحة المسجد الإبراهيمى بالخليل بينما المسلمون سجودا فى صلاة الفجر.. الوزيران المتطرفان اللذان يقودان الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو لديهما موقف ينطلق من رؤية دينية متطرفة ومزيفة.. لا شيء اسمه فلسطينيون ولابد من طردهم أو قتلهم وكل الأرض دولة إسرائيل.. لا شيء اسمه المسجد الاقصى ولابد من هدمه واقامة هيكل سليمان من جديد.. ومن دولة إسرائيل على الأرض تنطلق لتحقيق إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.. نزيدك القول أو من الشعر بيتاً كما يقولون.. هذان الوزيران.. يران أن العرب حثالة خلقهم الرب لخدمة شعبه المختار «اليهود».

المحراث والسلاح
سؤال مشروع.. من يسعى لتشويش فكر وعقل وهوية وروح الأمة؟ من يريد شعوبا عربية مسخا تدور فى فلك هيمنة إسرائيل..؟ من يسوق إسرائيل حليفا فى مواجهة الإرهاب، وماكينة الخير والتنمية بالمنطقة..؟ من يبيض وجهها.. تريد الزرع والمحراث بدلا من القتل والسلاح..؟.. المحزن.. ويالا الجهل المغرض. أن تجد ألسنة عربية تشكك فى وجود المسجد الأقصى.. وأن الأرض ليست للفلسطينيين.. بن جوريون وبيجين وجولدا مائير.. لم يقولوا ذلك.. ويدركون جيدا أنهم كانوا قبل نشأة دولتهم كانوا يحملون جوازات سفر فلسطينىة.. تحت الانتداب البريطانى.. أمريكا.. العالم كله.. لم يقول كما يقول هؤلاء النفر من العرب.. فى زمن العار نجد عربا مسلمين يزايدون على اليهود الإسرائيليين المؤسسين؟!

دعوة للتأمل
- سألوا الرسام العالمى رمبرانت: ما هى أجمل صورة؟ قال: هى ما يرسمها خيال الانسان لنفسه.

همس النفس

- لعمرى.. أمضيت فى حيكم جيئة ورواحا.. أرنو البصر.. أدنو من دار حبيب.. قد يجود القدر بمحياه.. اشتقت إليه وتضن الأيام بطلة تهفو النفس فيها لابتسامة ثغرة، وعين تشع ضياء هو لى نور الحياة.. قال ناعق.. هجر الحبيب سكنى الديار، وتأبى أن تبارح مهجتك سكناه، طال فى الهجر ونفسك لا تهوى من الحسان سواه.
بكى القلب لما رأى الدار دونه.. وتوجست النفس خيفة أيام لا تعود وأراه.. يا غائبا احبك حبا.. لا يحبك مثله قاص ولا دان.. ولا قريب تعرفه، ولا غريب مجهول أخشى إياه.