كنوز| السادات فى حياة صاحب «50 سنة فى قطار الصحافة»!

موسى صبرى ينصت للسادات الذى ظل وفيًا له بعد رحيله
موسى صبرى ينصت للسادات الذى ظل وفيًا له بعد رحيله

لم يخسر أسطى أسطوات صاحبة الجلالة الصحافة معركة سياسية فى حياته، لأنه كان مقاتلا عنيدا يهزم الخصم بفصاحة قلمه ودقة معلوماته وأرشيف مستنداته، الوحيد الذى هزم موسى صبرى هو قلبه عندما أحب «صباح» التى لوعته وذهبت لغيره بعد أن وضعها على سلم الشهرة، وجعل صورها تحتل صفحات مجلة «الجيل» التى كان يرأس تحريرها، ابتلع عتاب على أمين عندما قال له «سلمناك مجلة سياسية حولتها لمجلة صباح يا موسى»، ودهش عندما حذره مصطفى أمين بأن مخابرات عبد الناصر تسجل مكالماته مع صباح، وعندما تزوجت غيره سافر لباريس لينسى أحزانه فى بلد الجن والملائكة، نسيها أو ظن أنه نسيها عندما عاد للقاهرة لكن خصومه استخدموا اسمها بالغمز والتلقيح فى معاركهم السياسية معه، كانوا يلقحون عليه بلقب «الشحرورة» نسبة لصباح شحرورة لبنان!

أكثر من 550 صفحة روى فيها موسى صبرى قصته كاملة فى «50 سنة فى قطار الصحافة»، وبداياته مع الصحافة فى كتابه الممتع «الصحافة الملعونة»، ورواية «دموع صاحبة الجلالة» التى تحولت لفيلم سينمائى ومسلسل تليفزيونى تناول فيها أجواء العمل الصحفى وأسراره التى خبرها على مدى نصف قرن من الزمان، من يريد أن يتعمق فليذهب إليها، ما يعنينا - ونحن نحتفى بالذكرى 31 لرحيله - منذ أن غادرنا فى 8 يناير 1992 النقاط الإنسانية والمهنية رواها للإذاعية «آمال العمدة» فى حوار طويل نقتبس منه المعلومات التالية : 

الفترات الوحيدة التى شعر فيها موسى صبرى بالألم كانت عندما أوقف عن العمل فى الصحافة ثلاث مرّات فى عهد الرئيس عبد الناصر، واعترف - ضمن الحوار - أنه كان أفقر رئيس تحرير وأفقر رئيس مجلس إدارة بمؤسسة «أخبار اليوم»، وقال إنه عاش حياته كلها مع أسرته فى شقة صغيرة بالإيجار مكونة من غرفتين وصالة ومطبخ وحمام بحى الزمالك، كان من الممكن أن يسكن فى شقة واسعة من الشقق المؤممة أو شقق الأوقاف لو طلب ذلك من صديقه السادات لكنه لم يطلب لأنه كان نظيف اليد عفيف النفس.

وأوضح «أسطى الصحافة» أن الكاتب موقف قد يُرضى الناس وقد لا يُرضيهم، لكنه يجب أن يُرضى نفسَه فلا يكتب إلا عن اقتناع، وقال إن الخلاف السياسى مشروع والتعبير عنه مشروع أيضا بشرط التزام الصدق فى الوقائع وأمانة التعبير، وقال إن كل من يخالفهم الرأى ارتبط معهم بعلاقات شخصية رائعة، فقد اختلف مع د. يوسف إدريس برغم أنه صديق حميم وبينهما صلات عائلية، ومع ذلك وقف ضده فى انتخابات نقيب الصحفيين بسبب ما كان يكتبه من مقالات فى صحف الكويت، وعندما تقابلا بعد فوز يوسف السباعى بمنصب النقيب، تعانق يوسف إدريس مع موسى وكأن شيئا لم يحدث، وكرر نفس الموقف عندما قرر أستاذه جلال الدين الحمامصى ترشيح نفسه لمنصب النقيب، وقال إنه لم يستمع لنصائح المحيطين به لأن الإجماع كان على منافسه صلاح جلال، وقال إن فشل الحمامصى فى الحصول على مقعد النقيب ووقوفه ضده لم يؤثر على العلاقة الإنسانية مع أستاذه!

ولم يحبذ موسى صبرى - فى الحوار - أن له خصوما كثر، وفضل عبارة الاختلاف فى الرأى، ضاربا المثل بعبد الرحمن الشرقاوى الذى قال عنه إنه كان يساريًا مصريًا حتى النخاع واختلف معه فى آراء وتوجهات كثيرة، لكنه لم يكن على خصومة معه فى يوم من الأيام. 

وأوضح موسى صبرى أن تأييده لحُكم السادات كان عن اقتناع كامل فيما كان يكتبه من مقالات مساندة له، وما تناوله عنه فى «وثائق 15 مايو» و«وثائق حرب أكتوبر» و«السادات.. الحقيقة والأسطورة»، وقال إنه رفض مرتين أن يعينه السادات رئيسا لمجلس إدارة «أخبار اليوم» بشهادة د.عبد القادر حاتم وإحسان عبد القدوس، وفى المرة الثالثة ضغط عليه على أمين لمدة ثلاث ساعات وقبل أن يكون نائبا له عندما عين على أمين رئيسا لمجلس إدارة «أخباراليوم» عام 1974، وأصبح رئيسا لمجلس الإدارة بعدها بعام حتى تقاعد بخروجه على المعاش فى نهاية 1984 وكان على قناعة بأن العمل بالإدارة يقتطع من وقت الصحفى، وبين فى الحوار أن تأييده للرئيس السادات والدفاع عنه ضد خصومه كان مجردا من أى منفعة شخصية. 

وأوضح خطأ المعارضة فى حواره مع «العمدة» بأنها لم تفهم أن رئيس الدولة لا يؤخَذ بالجزئيات، وكان عليها أن ترى السادات بالكل، فهو من ألغى الحراسات وتخلص من السوفيت، وقاد حرب أكتوبر، وفتح قناة السويس وعَمّر مدن القناة وصَنع السلام، المعارضة لم تره بكامل أفعاله، وأكد أنه كان يناقش السادات فى القرارات التى يتخذها، وكان الرئيس يشرح وجهة نظره بديموقراطية، وقال عن الذين غيروا مواقفهم بعد رحيل السادات، أنهم استباحوا أن ينهشوا فى جثمان السادات رغم ما قدمه لهم من خدمات جليلة، وعن كتابته لخطب السادات قال «لكل رئيس دولة كاتب لخُطبه، والسادات لم يكن فى حاجة لمن يكتب له لأنه كاتب بطبيعته، كان هيكل يكتب خطبه، وتولى المهمة أحمد بهاء الدين قبل سفره للكويت، وبدأت أصيغ ما يمليه على من أفكار فى خطبه ومن أشهرها خطابه فى الكنيست الإسرائيلى».

وعن الآلام التى عاناها مع الوحش الذى كان ينهش فى جسده يقول «الألم هو الذى يخرس كل شىء وكاذب من يدعى أنه يستطيع أن يتحدى الألم، مررت بتجربة كنت أشعر خلالها بالألم ليلا ونهارا، خرجت بعد علاجى فى أمريكا بمشكلة انتظار الموت الذى لا يجىء، الناس يخشون الموت والإنسان بطبعه يقاومه ويكرهه، ومجموع ما كتبته عن الموت، يمكن جمعه فى كتابين، وقد تأصل اهتمامى بالموت والحياة بتأثرى بحياة غاندى التى تمثل لى حياة قديس. 
من حوار مع آمال العمدة