د. جيهان وليم عطا الله تكتب: مريم العذراء

د. جيهان وليم عطا الله
د. جيهان وليم عطا الله

انجيل معلمنا متى البشير يسلط الضوء على أن إنسانية يسوع المسيح تأتى بالكامل من أمه العذراء مريم. فكلمة «وَلَدَ» تتكرر 39 مرة قبل أن نصل إلى انقطاع مفاجئ فى سلسلة النسب، بعبارة: «يوسف رجل مريم  الذى وُلِدَ منها يسوع.» تسلسل نسب أربعين ذكرا وأبائهم ملىء بوجع القلب والألم يتم كسره من قبل امرأة أنجبت طفلا بدون رجل.. العذراء مريم جزء من العائلة البشرية التى سقطت وتعانى بشكل واضح، إلا أنها تقف منفصلة بعيدًا عن قصة الارتباك البشرى الطويلة بتمييزها الدقيق واختيارها الشجاع. فعندما يأتى إليها رئيس الملائكة جبرائيل ويعلن لها إنها مدعوة مباشرة إلى حياة الله الخالدة بطريقة غيرمسبوقة وغير متكررة. هذه الدعوة تعرضها على الفور لخطر الرفض وحتى القتل من قبل شعبها.

ومع ذلك، فإن العذراء تتخذ خيارها المصيرى بكل وضوح. وبالرغم من « اضْطرابها» من تحية الملاك، كما يلاحظ معلمنا لوقا أنها حاولت تمييز نوع التحية « مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هذِهِ التَّحِيَّةُ». بل وتقييم هذه الرسالة بعناية « كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلً ؟» وبعد تفسيرالملاك، قبلت العذراء مريم بلطف مشيئة الله لها « هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ.».

العذراء مريم وطفلها يسوع المسيح هما الانسانية الجديدة. هذه الأسرة الصغيرة ليست فقط إنسانية جديدة، إنما خليقة جديدة. إن الكون كله موجود فى حب الأم وهذا الطفل وفيه يتصالح الله والإنسان. تعاون العذراء مريم مع الله خلق العالم من جديد بعد سقوطه الرهيب.

لم يُستبعد يوسف النجار من هذه الإنسانية الجديدة. بل كان جزءًا مهمًا حينما استجاب لندء الملاك فى الحلم وهرب بأسرته لأرض مصر. وهنا نرى ان مصر هى الارض التى اختارها الله بعناية لتحمى هذه البشرية الجديدة من أغلال القديمة الممثلة فى سلطة هيرودس الذى كان مزمعا ان يقتل المولود. وهو شبه تكرر لما حدث قديما حينما اختارت العناية الالهية يوسف الصديق و حلم فرعون وخيرات مصر لتنقذ البشرية القديمة من المجاعة!

ونرى فى كل الأيقونات القديمة يوسف نائمًا ويتلقى رؤى من الملائكة اشارة الى اهمية المشاركة التأملية والسامية وتحويلها الى نشاط فعال فى البشرية الجديدة. ونحن الآن ايضا كلنا مدعوون للمشاركة فى هذه البشرية الجديدة عن طريق التأمل والصلاة.. عندما نحدق فى حب هذه الأم والابن، كما يفعل الكثير منا خلال هذا الوقت من العام، فإننا نحدق فى عائلتنا الجديدة بالتبنى، وإنسانيتنا الجديدة، وكون أعاد الله تكوينه بالكامل من خلال الحب.. محبة العذراء مريم لطفلها تبدو محصورة داخل مذود الميلاد وهى تجلس بمفردها مع عطية الله هذه. ويوسف جالساً قريباً وهو يحلم بحياته الجديدة فى الله معهم. ومع ذلك، وبقدر ما يكون هذا الخلق الجديد مميزًا وخاصاً، فإنه مفتوح للجميع. حيوانات المذود والرعاة والملائكة - جميعهم مدعوون للحضور. نجم سماوى عظيم، المجوس حكماء فارس - هؤلاء وغيرهم على مر السنين يستجيبون للدعوة. ونحن أيضًا مدعوون إلى أن نحلم بالدخول إلى جنة عدن الجديدة المفتوحة للجميع. هنا فقط (مع العذراء ويسوع الطفل) نجد أمنا العذراء مريم تأخذ إنسانيتنا التى قدمتها لله، إنسانيتنا التى نالها المسيح، وتقدم لنا جميعًا بشرية إنسانية حقيقية كاملة فى هذه العائلة المكونة من أم حكيمة، وطفل صغير، وإله قدير، لكى تتم أخيرًا الخليقة كما قصد الله أن تكون منذ الأزل. نرجو أن نجد أنفسنا هناك أيضًا.