غرائب فنون ما قبل التاريخ.. رواد فضاء وملابس على الموضة في نقوش العصر الحجري

رسوم الكهوف الجزائرية
رسوم الكهوف الجزائرية

كتب: رشيد غمري

قبل أن يعرف الإنسان الكتابة بعشرات الآلاف من السنين، برع فى رسم لوحات مبهرة على جدران الكهوف، فى وقت كان بالكاد يدبر شئونه بالصيد، والتقاط الثمار، وصناعة الأدوات البدائية من الصخور. ورغم أن معظم رسومه صورت بيئة العصور الحجرية، إلا أن بعضها ضم أشكالا عجيبة، ظهرت فيها مفردات حياة متطورة، لم يعرفها البشر إلا خلال العقود الأخيرة.

كما أن بعض تلك الرسوم تضمنت ملابس حديثة، وبعضها اعتبر كأعمال حداثية من حيث الرؤية والمعالجة، وهو ما دفع العلماء لدراستها، محاولين فهم طبيعة الحياة البشرية فى تلك العصور السحيقة. 

أقدم الرسوم عمره 73 ألف سنة.. وأهم الكهوف فى شمال أفريقيا وجنوب أوروبا

تشير الاكتشافات إلى أن ظاهرة الرسم على جدران الكهوف، بدأت مبكرا، وشملت أغلب المناطق التى وصل إليها الإنسان على الأرض. وعلى الأغلب لم يكن هدفها تزيين مكان إقامته، حيث لم يعثر على دلائل للعيش داخل تلك الكهوف بالذات، ما أثار التساؤلات عن دوافع رسمها.

أقدم الرسوم 
يبلغ عدد تلك الرسوم فى بعض المواقع عشرات الآلاف، ومعظمها فى شمال أفريقيا، وجنوب أوروبا. وتحتل رسوم الكهوف فى كلٍ من الجزائر وليبيا وفرنسا وإسبانيا أهمية خاصة. نظرا لوضوحها، وإتقانها، وموضوعاتها.

كما توجد فى هضبة الجلف الكبير أقصى جنوب غرب مصر، مجموعة من الكهوف المهمة برسومها، وأشهرها كهف السباحين، الذى يضم رسوما لتدريبات على السباحة، يرجح أنها كانت تمارس فى بحيرات العصور المطيرة التى شملت المنطقة لحقب طويلة. وتمتد تلك الكهوف إلى تشاد والنيجر والصومال.

أما أقدم الرسوم التصويرية فى العالم، فقد اكتُشف عام 2017. ويبلغ عمره 45 ألف سنة، ويوجد فى إندونيسيا. ويمثل صورة لخنزير برى بالحجم الطبيعي. وفى عام 2018 أعلن العلماء عن اكتشاف أقدم رسم لإنسان عاقل، ويرجع إلى 73000 سنة، ويزيد عمره بحوالى 30 ألف سنة عما كان معروفا من قبل.

وقد عثر عليه داخل كهف فى جنوب أفريقيا. ويتكون من ثلاثة خطوط حمراء، متقاطعة مع ستة خطوط منفصلة.

كما توجد رسوم مبكرة فى كهف «كاكادو» فى أستراليا، وبعضها أشكال تجريدية. وعلى العموم  فقد استخدم الإنسان القديم  فى الرسم مواد طبيعية مثل أكاسيد الرصاص، والمنجنيز فضلا عن الفحم. كذلك تم تنفيذ بعضها بتقنية الحفر والنحت البارز والغائر.

اقرأ أيضًا

الصين تعلن اكتشاف 12 ألف قطعة أثرية تعود إلى العصر الحجري

الفن والدين
يرى فريق من العلماء أن تلك الرسوم كانت بمثابة طقوس دينية لدعم عملية الصيد. خصوصا أن أغلبها يضم حيوانات مثل الثور والرنة والماعز، بالإضافة للأحصنة والأسود والدببة والماموث، وغيرها. ويضيف آخرون أن مبدعيها، هم شامانات العصور الحجرية، الذين جمعوا بين ملكات روحية، ومواهب فنية.

وحيث كانوا يدخلون حالة من الوجد والنشوة قبل البدء بتنفيذ هذه الرسوم فى أعماق الكهوف. ما يعزز نظرية الأصل المشترك لحالة الإلهام الفني، والتجلى الصوفى بمعناه الواسع، التى تخضع لدراسات علم الأعصاب.

ورغم الاحتفاء برسوم الحيوانات، وتفاصيلها، ظهر الإنسان على استحياء، وأحيانا بصورة رمزية أو تخطيطية، ونادرا ما اعتنى بتفاصيله. وفى المقابل ظهر الكف البشرى على نطاق واسع مطبوعا إلى جانب الكثير من الرسوم.

دراسة تؤكد: المرأة رسمت معظم إبداعات العصور القديمة

وهو ما اعتمد عليه عالم الآثار «دين سنو» من جامعة بنسلفانيا، حيث استند إلى حجم الكفوف وبعض خصائصها التشريحية مثل كون البنصر أقصر من السبابة، ليرجح أن معظم تلك الرسوم، كانت من إبداع نساء. وهو ما يجد صداه فى النظريات القائلة بسيادة المرأة وقداستها، فى تلك العصور السحيقة والمطيرة. 

براعة وحداثة
وقد خضعت هذه الأعمال للدراسة من النواحى الفنية، حيث أظهر بعضها قدرات متطورة على محاكاة صور الطبيعة، وأظهر بعضها قوة تعبيرية، وتميزت أعمال أخرى برؤية ناضجة فيما يتعلق بالتكوين والتناسق، وبعضها يحمل جماليات حداثية وما بعد حداثية.

ومن الواضح أن هذا النزوع الفنى المبكر كان تعبيرا عن الرغبة فى أنسنة العالم، وإزالة وحشته.. ورغم شهرة الثور ضمن تلك الرسوم، وتفسير ذلك من خلال تجليات تقديسه فى عصور لاحقة، إلا أن الحصان يظهر تفوقا عليه فى كهوف فرنسا وإسبانيا بالذات. واحتل المركز الأول بظهوره فى ثلاثين بالمائة من الرسوم، سابقا الثور الذى يحتل المرتبة الثانية بها.

ولوحظ أن الأحصنة رُسمت متجهة على الأغلب لليمين، على عكس معظم الحيوانات التى تتجه لليسار.

كما لوحظ أن الفنان القديم كان يختار لرسوم الأحصنة أفضل المواقع وأعلاها، ويرسمها بأحجام كبيرة. ويعتبر الحصان المرسوم على سقف كهف «روفيجناك» فى «دوردوني» بجنوب فرنسا أكبرها، بطول مترين وسبعين سنتيمترا.

الحصان والثور فى صدارة اهتمام الفنان القديم

وقد خضعت الظاهرة لدراسة من قبل جامعة فيكتوريا الكندية، التى أكدت أن براعة الإنسان البدائى فى رسم الحصان، تفوق براعة فنانى العصر الحديث.

رواد فضاء وغواصون
ولم تكن الجوانب الفنية وحدها ما أثارت عجب الدارسين. فبعض تلك الرسوم، حيرت العلماء بما احتوته من مفردات متطورة، مثل اللوحة التى تضم بشرا يحلقون بمعدات الطيران، وبعضهم يرتدون بدلات رواد الفضاء، مع وجود ما يشبه سفن فضاء فى الخلفية، وكذلك اللوحات التى تضم بشرا بملابس الغواصين، يجرون معدات غريبة. كذلك وُجدت رسوم لعجلات، وهى أقدم مما افترض حول اختراع العجلة.

وأغلب هذه الرسوم عُثر عليه فى كهوف «تاسيلي» بصحراء «جانت» الجزائرية.

وقد رجح البعض أن تكون نوعا من النبوءات عن حياتنا المعاصرة. وهى نبوءات ترجع إلى ثلاثين ألف عام. وقد أثارت حيرة العلماء منذ اكتشافها عام 1938. ومن هذه الرسوم أيضا ما يظهر به بشر يرتدون ملابس حديثة وأنيقة تشبه خطوط الموضة الحديثة.  

إحدى النظريات التى فسرت هذه الرسوم، تقول بزيارة كائنات فضائية للأرض فى أزمنة بعيدة، ويدللون على ذلك بوجود رسوم مشابهة فى أماكن متباعدة من العالم، وعلى مدى زمنى طويل. بعضها فى آسيا، وبعضها فى أمريكا اللاتينية، وحتى فى مصر.

ويحاولون ربطها بنقوش فرعونية عُثر عليها فى معبد سيتى الأول فى أبيدوس، وتحتوى على ما يشبه طائرات مروحية، وغواصات. اعتبرها البعض أيضا نوعا من النبوءات والسفر للمستقبل. لكن أحد التفسيرات يرجع الأمر إلى قارة أطلنطا المفقودة.

التى ذكرها أفلاطون، نقلا عن كهنة مصريين، بأن أجدادهم تناقلوا أخبار قارة عظيمة، ومتقدمة للغاية، كانت تقع فى أقصى الغرب، ويرجح أنها كانت بعد مضيق جبل طارق الحالي، وقد اختفت لأسباب غامضة. أما النظرية الثالثة، فتفترض وجود حضارة متقدمة فى ذلك المكان، وأن التاريخ لم يحفظ آثارها.

وتبقى كلها مجرد افتراضات، لا تستند إلى أسس علمية قوية. لكن الثابت هو أن دراسة فنون البشر الأوائل، تعيد إلقاء الضوء على الظاهرة الإنسانية فى تجلياتها الأولى، وتساهم فى فهم الجذور الأولى للحضارة.