اللواء الإسلامي .. يكشف أسباب انتشار الإسلام في بنجلاديش

 الإسلام في بنجلاديش
الإسلام في بنجلاديش

تحقيق: عامر نفادي

الإسلام دين السلام والاستسلام والانقياد التام لله سبحانه وتعالى، وهو خاتم الديانات السماوية التي أنزلها الله تعالي للبشر بعد الديانة اليهودية والمسيحية، ويعد رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.

وقد وضع الباحثون أسبابا مختلفة وقفت وراء انتشاره ووصوله إلى مناطق واسعة في العالم الكبير، حتى أصبح عدد من يدينون بالديانة الإسلامية يزيد على المليار نسمة.

وفى القرن الثالث عشر، كانت بلاد البنغال على موعد مع التحول الكلى إلى الإسلام، وكان هذا التحول جماعيا أكثر من كونه فرديا، أو بين جماعات قليلة.


وعقب انتشار الإسلام فيها حرص شعبها منذ زمن بعيد على إرسال أبنائهم للتعلم داخل الأزهر الشريف، وتشهد مصر كل عام وفود العديد من الطلاب البنغال، وتحسن مصر ضيافتهم واستقبالهم وتذلل لهم كافة العقبات التي تعترضهم.

 

اللواء الإسلامي التقت بعدد من طلاب دولة البنغال الدارسين بالأزهر الشريف، للتعرف بشكل أكبر على قصة دخول الإسلام إلى بلادهم، وأهم الأسباب التي ساعدت على انتشاره.

قال شاهد الإسلام باتواري بن نور الإسلام، طالب وافد بالأزهر، بدأ انتشار الإسلام في بلاده في القرن الأول من الهجرة عبر التجار العرب، ثم بأيدي مشايخ التصوف والزهد الذين جاءوا من بلاد العرب وآسيا الوسطى، لافتا إلى أن الحكم الإسلامي قام فيها مع بداية القرن الثاني عشر الميلادي على يد المجاهد محمد بختيار خلجي واستمر حتى تاريخ استشهاده عام 1757م.

وأشار إلى أن الشعب البنغالي يتميز عن سائر شعوب الدنيا، بأنه شعب مختلط ففيه العرب، والأتراك، والأفغان وفيهم الإيران، والحبش، والصين، والأفرنج.
ونوه إلى أن بلادهم تعد من أغنى بلدان العالم منذ قديم الزمان، الأمر الذى جذب الإنجليز إلى احتلالها، وحكمها مائتي عام.

وقال إذا كانت البنغال حتى الآن في قائمة الدول النامية إلا أن دخل الفرد السنوي فيها ما زال يزداد كل يوم، حيث كان دخل الفرد طبقا لآخر إحصاء عام 2011 م 1700 دولار سنويا، ولم لا وفيها تقع «باشوندهارا سيتي» التي هي أكبر مراكز التسوق في جنوب آسيا، وحاليا تنتج فيها كثيرا من المواد الإلكترونية مثل السيارات، والسفن التجارية، والدراجات النارية، والثلاجات والتلفزيون والكمبيوتر وغيرها .

قصة فقر بنجلاديش

وأضاف إذا كان هناك فقر في كثير من الشعب، يقول الناس عنه أنه نتيجة الكثافة السكانية، لكن هذا التقييم افتراء على الله ، بل الحق أن الفقر المذموم سببه هنا غياب التقسيم العادل للأموال، وعدم أخذ الزكاة من الأثرياء لتوزع على الفقراء، فنجد مثلا آلاف الأثرياء يملكون مليارات الدولارات، تكفى زكاة الواحد منهم لإغناء قرية بالكامل، وتسائل؟ وماذا لو كان الشعب البنجلاديشى أفقر شعوب العالم، أليس الفقر نعمة أكبر من الغنى؟، ولم لا فالفقر له فضائل كثيرة في كتاب الله وحديث نبيه عليه الصلاة والسلام، ولكن ليس للغنى أي فضيلة، بل جاء عليه رذائل كثيرة، قال الله تعالى : «كلا إن الإنسان ليطغي، أن رآه استغني».

ذكاء وابتكار

فيما قال شعيب حسين بن أكرم حسين، من طلاب جامعة الأزهر، إن الشعب البنجالى يتميز بذكائه الحاد وابتكاراته في شتى المجالات، فمنه الدكتور محمد يونس الفائز بجائزة نوبل للسلام عام 2006 م وغيرها من الجوائز العالمية، وهو مبتكر نظام القروض الصغيرة التي انتشرت في كثير من الدول المتقدمة والنامية، والدكتور فضل حسن عابد، وقد حاز أيضا على الكثير من الجوائز العالمية، كما يعمل الكثير من أبناء الشعب في وظائف عالية بشتى المجالات في كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا واستراليا ودول الشرق الأوسط وغيرها من دول العالم، و يوجد منهم من يشغل مكانا مرموقا في برلمان بريطانيا.

وأشار إلى أن البنغال قد ساهمت بإرسال 2300جندى إلى قوات التحالف التي حاربت في الخليج العربي عام 1991م، وتعد أحد المساهمين الرئيسيين فى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فى جميع أنحاء العالم، وفى مايو عام 2007 تم نشر جنودها في جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيريا والسودان وتيمور الشرقية وساحل العاج لحفظ السلام

إعلام بنجلاديش

وأكد أن شعب بنجلاديش قد أحدث تقدما ملموسا فى مجال الإعلام، حيث يوجد بها أكثر من مائة جريدة يومية، و30 قناة تلفزيونية، إضافة إلى قناتين إسلاميتن تبث برامجها الإسلامية على مدار الـ 24 ساعة، ويزداد النشاط الإعلامى لديهم بسرعة هائلة بعد إصدار جرائد إنجليزية يومية وطنية.   

الوضع الدينى

وأضاف عريف محمد عبدالوهاب، طالب بالأزهر الشريف، أن الشعب البنغالى يعد من أشد الناس تعصبا لدينه، حيث يحرصون أشد الحرص على إحترام الدين وتعظيمه أكثر من الشعوب الأخرى، وجاء فى استطلاع لمنظمة جالوب الأميركية بأن البنجال 100٪ يعظمون دينهم ويرون عظيم أثره فى حياتهم.

وأشار إلى أن عدد المساجد والجوامع والمراكز والمعاهد والمؤسسات والمدارس والجامعات الإسلامية فى بلاده لا يقل عن نصف مليون مؤسسة، مؤكدا أن القرية الواحدة هناك تشتمل على أكثر من مسجد ومدرسة إسلامية، كما تقوم الحكومة البنجلاديشية برعاية بعضا منها ، وتعد الجامعة الأهلية معين الإسلام هاتهزارى شيتاغونغ والجامعة الإسلامية قاسم العلوم فتية شيتاغونغ من أكبر المؤسسة الإسلامية التعليمية فى بنجلاديش، بالإضافة إلى اشتمال كل كلية وجامعة حكومية وأهلية على قسم للدراسات الإسلامية.

الانتماء الدينى

وتابع أن الإسلام فى الهند وباكستان وبنجلاديش قد انتشر عن طريق مشائخ التصوف والزهد ، لذا فإن أكثر البنغال الأميين يبايعون مشائخ التصوف، وكثير منهم يلازمون جماعة التبليغ، وأما المثقفون فأكثرهم يؤيدون الجماعات الإسلامية السياسية، وتعد الطريقة «الديوبندية» من أكبر الطرق الإسلامية ذات الأعمال المتنوعة تليها طريقة «أهل الحديث»، والطريقة «البريلوية»، كما تعتبر «جماعة الإسلام المودودية» من أكبر الجماعات الإسلامية السياسية، تليها «الحركة الإسلامية» لشيخ صرموناى الذى يعد أكبر مشائخ التصوف المعتدل فى البنغال ، وله آلاف من الأتباع والمريدين ، وهو يخالف بشدة تحالف القوى الإسلامية مع الأحزاب العلمانية وقيادة النساء فى السياسة، وهناك أيضا طرق إسلامية إقليمية كثيرة ، مثل طريقة «فولتهلى» فى مقاطعة سلهت ، وطريقة «شورشينا» فى مقاطعة بريشال، وطريقة «آتروشهى» فى محافظة فريدبور، وطريقة «منيرية» و طريقة «مائج باندار» وطريقة «بيت الشرف» بمحافظة شيتاغونغ.

ولفت إلى أن المذهب الحنفى هو المذهب السائد لديهم، ويوجد فى شمال بنجلاديش مجموعة كبيرة  من المسلمين يسمون أنفسهم «أهل الحديث» يتبعون فقه كبارهم الهنديين أمثال العلامة صديق حسن خان والعلامة محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، وحاليا يتبع كثير من خريجى الجامعات السعودية الفقه الحنبلى أو السلفى الرائج فى المملكة العربية السعودية.

الأنشطة السياسية

وأشار حافظ عتيق، إلى أن فكرة السياسة الإسلامية قد انتشرت في القارة الهندية في ثلاثينيات القرن الماضي الميلادي قبيل رحيل الاستعمار البريطاني على يد السيد أبو الأعلى المودودي، لكن بسبب بعض الأفكار الشاذة التي كان يحملها المودودي لم تحظ فكرة السياسة الإسلامية بالتأييد العام من المسلمين وعلمائهم ، وبعد فشل حكام باكستان بعد رحيل الاستعمار البريطاني وقيام دولة باكستان بأسم إقامة حقوق المسلمين أسس العلماء حزبا إسلاميا باسم حزب نظام الإسلام، وحظى هذا الحزب بالتأييد العام، وقد وصل إلى مشارف إقامة الحكومة الإسلامية في منتصف القرن الماضي الميلادي، إلا أنه بعد استقلال بلاده من باكستان عام 1971م عقب حرب طويلة ضيقت الحكومة العلمانية على الإسلاميين بسبب مخالفتهم لاستقلال بنغلاديش وتأييدهم لعدوان الجيش الباكستاني، ثم حانت لهم الفرصة مرة أخرى بعد مقتل مؤسس الدولة ورئيسها عام 1991 م، وحازوا على ٢٠ مقعدا من ٣٠٠ مقعد برلماني، إلا أنه في انتخابات عام 1996م رفضهم الشعب البنغالي مرة أخري، واستمر صعودهم وهبوطهم إلى أن تم احتجاز رموز جماعتهم وبعض قادة «حزب القومية البنجلاديشية» بتهمة الجرائم الحربية والإجرام ضد الإنسانية في حرب عام 1971 م، وجرت محاكمتهم فى محكمة خاصة تسمى «المحكمة العالمية للجرائم الحربية».   

خصائص الدولة

ولفت أن عاصمة البنغال تسمى «داكا» وتشتهر بأنها «مدينة المساجد»، حيث تشتمل ضواحيها على آلاف المساجد والمراكز الإسلامية، وينعقد فيها أكبر اجتماع لمسلمي العالم بعد الحج المبارك، وتعد ثالث أكبر دولة إسلامية سكانا في العالم، حيث يتواجد فيها أكثر من 150 مليون مسلم، ويعتبر «بنك بنجلاديش الإسلامي» هو أكبر بنوك البلاد، بالإضافة إلى سبعة بنوك إسلامية أخري، وأكثر من فرع إسلامي لأكثر البنوك غير الإسلامية، كما يشارك من بنغلاديش كل عام أكثر من مائة ألف مسلم في الحج المبارك.

فرق ضالة

وأشار أنه من فضل الله سبحانه وتعالى على مسلمي بنغلاديش أنه أنقذهم من الوجود القوى للروافض، أو الشيعة فليس لهم وجود يذكر في بنجلاديش، وعددهم رافضي واحد مقابل عشرة آلاف سنى، وأما القاديانيون فهم أقل من الروافض بكثير، أما البريلويون فهم أصحاب غلو حنفيون ، لا يتبعهم إلا الجهلاء والأميون ، وليس لهم نفوذ يذكر، لا سياسيا ولا تعليميا، ولا اقتصاديا.

شعب سلمي

من جانبه قال زاهد بهوائيا، إن بلاده تعتبر ساحة مفتوحة للدعوة الإسلامية، ويمكن لأى مواطن العمل في ساحة التعليم والإعلام والاقتصاد بحرية كاملة ، لكن يجب عليه مجانبة التطرف الفكري والعملي، لأن الشعب البنغالي سلمى بطبعه، ولا يذهب للحرب إلا في حالة الضرورة القصوي.

ولفت إلى أن الحركة الصوفية تعتبر حركة شعبية تؤكد على محبة الله بدلا من الخوف منه، وتشدد على الولاء الشخصي المباشر وغير المنظم إلى الله، بدلا من التقيد الشعائري بالدين، ومن المعتقدات الهامة في التقاليد الصوفية لديهم أن المؤمن العادي قد يستخدم أدلة روحية في سعيه وراء الحقيقة، ويطلق مصطلح (البير) الذى يجمع بين المعلم والقديس، على شيوخ الصوفية في بنغلاديش، موضحا أن العلاقة بين العلماء المسلمين وعلماء الصوفية متوترة للغاية، بسبب دفاع كل مجموعة عن طقوسها وتأكيدها على أنها الطريقة الصحيحة للعبادة، مبينا أن الدولة تشهد جهود دورية للتوفيق بين النهجين.

المعلمون الصوفيون

وأضاف أن المعلمون الصوفيون كانوا العامل الوحيد الأكثر أهمية في تحويل جنوب آسيا إلى الإسلام، لا سيما نشر الإسلام في بنغلاديش، حيث يتأثر معظم المسلمين هناك إلى حد ما بالصوفية، وينطوي هذا التأثر على حضور الاحتفالات بين الحين والآخر بدلا من الانتماء الرسمي لها.

تطبيق الإسلام

وأشار إلى أن القانون في البنغال مدنى بريطاني معدل، ولا يوجد محاكم شرعية رسمية، إلا أن معظم الزيجات الإسلامية يرأسها قاض، وهو قاض مسلم تقليدي، يتم طلب مشورته أيضا بشأن مسائل قانون الأحوال الشخصية الإسلامية، مثل الميراث، والطلاق، وإدارة الأوقاف الدينية.

ولفت إلى أنه هناك عدد من التقاليد التي امتزجت بتقاليد الإسلام في بلاده خاصة في جنوب آسيا، وقد خضع العديد منها إلى الإصلاح عبر السنين، على سبيل المثال ذكرى الاحتفال بوفاة (البير) سنويا، كما يسود اعتقاد شائع بأن ذكرى وفاته مناسبة خاصة لطلب الشفاعة، موضحا أن الاحتفالات تتشابه إلى حد كبير مع الاحتفالات الهندوسية، فى الشكل والمضمون، ويشارك فيها أعداد كبيرة من المسلمين، مضيفا أنه مع كل الحركات الإصلحية يتم السعي للتخلص من هذه العادة، إلا أنها بقيت منتشرة كثيرا حتى ثمانينات القرن الماضي.

وأشار إلى أنه من التأثيرات الهندوسية الأخرى على مظاهر احتفالات الإسلام في البنغال هي إضاءة المنازل للاحتفال بمهرجان ليلة النصف من شعبان، وهو عرف مستمد من الممارسات الهندوسية في عيد ديوالي (مهرجان الأضواء)، وكثيرا ما يفشل القرويون في التمييز بين الاحتفالات الهندوسية والإسلامية، وبعد العام 1971 ازداد دور الحكومة في الحياة الدينية في البنغال، وقدمت وزارة الشؤون الدينية دعما ومساعدات مالية للمؤسسات الدينية، بما في ذلك المساجد وأراضي الصلاة الجماعية.

أقرأ أيضأ : قافلة الأزهر للفتوى تختتم أعمالها بأسوان بندوة «شريك المستقبل.. معايير الاختيار»