د.سعد الدين الهلالي: البصمة الوراثية هي حجة الله على الأرض.. فلماذا ننكرها؟!

البصمة الوراثية
البصمة الوراثية

حوار: منى ربيع

  نسب ابن الزنا أو العلاقة غير الشرعية من القضايا الشائكة في مجتمعنا، واختلفت الآراء حولها، لكن يظل السؤال لماذا لا نعترف بتحليل البصمة الوراثية في القانون في مثل هذه القضايا؟!، ولماذا لايعترف الدين به علمًا أنه لا يوجد لدينا نص قرآني يمنعنا من هذا؟! فكيف لطفل يأتى للحياة ويتم قيده في شهادة الميلاد باسم أب اعتباري لا وجود له إلا على الأوراق الرسمية، مجرد اسم وهمي على الرغم من أن أبيه معلوم اسمه وعلى قيد الحياة، والمؤلم أنه رغم التطور الهائل الذى تشهده البشرية في العلم والاختراعات ومعه خرجت من طياته تحليل البصمة الوراثية والذى يصل إلى مرحلة اليقين في إثبات أو نفي النسب، ويتم استخدامه في القضايا الجنائية، ولكن فيما يخص قضايا الأسرة لا نزال نقف مكتوفي الأيدي حيال ذلك

لكن مازالت هناك اصوات مستنيرة تريد رفع الظلم عن المرأة مطالبة مجلس النواب بتعديل تلك القوانين التي لا تزال تأخذ بها المحاكم، من هذه الأصوات الدكتور سعد الدين الهلالى  استاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر والذى خالف بعض العلماء في تلك المسألة مؤكدًا؛ أن النسب في تلك الحالة يجب أن يكون للرجل مثلما يكون للمرأة؛ لان هناك ثمانية من التابعين اكدوا أن النسب للماء، وهنا يجب الاحتكام لتحليل البصمة الوراثية، وللأسف هذا الرأي لايعتد به، لذا طالب الدكتور سعد الدين الهلالى مجلس النواب بتغيير القانون والاحتكام الى الآراء الأخرى لان تلك القضية بها ظلم للمرأة والطفل

واكد الكتور سعد الدين الهلالى قائلا؛ إنه اهتم بهذه القضية منذ سنوات عديدة وألف لها كتابًا أطلق عليه، «الأبوة الضائعة» وتحدث فيه عن كافة الامور التى تخص إثبات النسب مؤكدًا؛ ان تلك الأبوة الضائعة يا إما إثباتها بتحليل البصمة الوراثية او إزالتها بالإجهاض، وإلى الحوار المهم مع عالم الدين المستنير الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن جامع الأزهر

في البداية أكد الدكتور سعد الدين الهلالى انه بحث في ذلك الأمر كثيرًا حتى قام بتأليف كتاب اسماه «الأبوة الضائعة»، وطالب أيضا مجلس النواب بتعديل تلك القوانين لرفع الظلم عن المرأة والطفل مؤكدا؛ أن الكتاب يبحث فى ثلاثة مطالب منها التعريف بالنسب وتأسيسه طبيعيًا ووضعيًا وبيان الاستباق العالمي لمنع إضاعته؛ فهو في الأبوة الوضعية وبيان أسبابها وأدلة إثباتها وتعيينها عند تنازع المدعين أو تعارض أدلتهم، ايضا لم يفتني – والكلام على لسان الدكتور سعد الدين الهلالي - في مواضع كثيرة أن أبين الأبوة الطبيعية غير الوضعية وبيان أسبابها وآثارها الحكمي والتنكر لها أو الاعتراف بها.

وطالب الدكتور الهلالى بتعديل القانون بفتح باب الإجهاض حتى يتم الحد من بعض الجرائم التي تنتج في النهاية أبناء الزنا، وبالتالي يجب أن يتم حل المشكلة والقضاء على أطفال الشوارع، حتى لا يكون عددهم كبيرا، ويجب أن يتم تحمل مسئولية فاعل القضية وليس المجتمع.

مواجهة فقهية

وأوضح الدكتور الهلالي؛ أن ما تناوله في كتابه يأتي في المواجهة الفقهية للأبوة الوضعية، وبيان ضعف أسسها وسلبية نتائجها أو مآلاتها، وبيان انتهاء زمن الاستقواء برأي الجمهور في مائة مسألة ويزيد اعتماد الناس فيها على رأى القلة من الفقهاء لظهور المصلحة فيها دون التعويل على عدد القائلين بالرأي الفقهي، فلماذا نغفل أهمية العلم في البصمة الوراثية وإعادتها للأبوة الضائعة أو انصراف تلك الأبوة بالإجهاض المبكر؟!

وأضاف الهلالى: أن نفى نسب ابن الزنا لا يقوم على دليل من الكتاب ولا من السنة، وإنما هى شبهات لا ترقى لمستوى الأدلة القاطعة مؤكدين أن إلحاق ولد الزنا بالزانى مخالف للإجماع الذى عليه الفقهاء.

وقال د.سعد الدين الهلالي ردًا على ذلك: ان ماقيل ليس إجماعًا لما فيه من خلاف حكاه ابن رشد وذكره ابن حجر، وإن وصفوه بالشذوذ فى موضع، وبالقلة فى موضع آخر. كما ذهب الحنفية إلى أنه يجوز للزانى أن يتزوج المزني بها ويلحق الحمل الذى منه به.

واكد الدكتور سعد الدين الهلالى: أن هذا الإجماع المزعوم على منع نسب ولد الزنا من الزاني يعارضه إجماع آخر، وهو مشروعية الاستلحاق ممن يطلبه بشروط، التى أهمها: أن يكون الولد منه، وأن لا ينازعه فى ادعائه أحد، ولا يشترط فى كل حال أن يثبت الفراش الشرعى.

وان ذلك الإجماع لا سند له، بل هو قائم على التناقل من بعض الكتب ولا يعرف له مصدر، فكتاب الإجماع لابن المنذر والذى يشتمل على ٧٦٦ مسألة إجماعية فى أكثر أبواب الفقه، لم يتضمن خبرًا واحدًا عن إجماع المسلمين فى نفى نسب ولد الزنا وعدم مشروعية إلحاقه بصاحب الماء، لا من قريب ولا من بعيد.

وان وجود ابن الزنا لا يخلو من زمن، فمن أين جاء هذا الإجماع الموهوم؟.. وأن إلحاق ابن الزنا بالزاني يجعل للحرام أثرًا، مما يشجع على الاغتصاب.

ولمن يردد هذا ويستند على هذه المقولات أقول لهم بصدق: إن جريمة الاغتصاب موجودة في كل المجتمعات، والزواج العرفى منتشر لدينا، ولعل من أهم انتشار تلك الأمراض: الزيادة السكانية الهائلة مع عدم الزيادة فى الجوانب الدينية والأخلاقية وتشغيل العمالة العاطلة، وتوفر الثقافات الغربية الدخيلة بعد الانفتاح العالمى فى شتى الوسائل الفضائية والإعلامية.. وهذا مدعاة لأهل الذكر فى الفقه الإسلامى أن يعيدوا النظر فى أحكام بعض المسائل المتوارثة بأعراقها القديمة، والتى أساسها الاجتهاد والرأى ومن ذلك مسألة تنسيب ابن الزنا، حتى لا تتسع الفجوة بين الفقه الإسلامى وبين الواقع الحياتى.

وأما القول - والكلام لا يزال على لسان الدكتور سعد الدين الهلالي؛ بأن الحرام سينتج أثرًا لو ألحقنا ولد الزنا بالزانى فالجواب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أن هذا أخف الضررين، أحدهما: ضياع الولد وإلقائه على أعتاب المساجد أو بجوار صناديق القمامة. ثانيهما: تنسيب الولد للفاعل والذى سيأخذ جزاءه بالعقاب الشرعى المعروف، فإن مات تولى الطفل عصبة الفاعل الآثم.

 ويستطرد الدكتور سعد الدين الهلالي حديثه قائلا: ليس كل حرام لا أثر له، فمن الحرام الذى له أثر وثمرة: شرب الخمر عمدا، والذى يرتب إنفاذ التصرفات عند الجمهور، واغتصاب الإمامة الذى يرتب إنفاذ حكم الحاكم الجديد ووجوب السمع والطاعة له؛ لعدم الفتنة. وغير ذلك كثير.

وأضاف  الهلالي؛ إن النسب فى الإسلام درجات، وقد أشار الرسول لذلك فى قوله: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك»، فقد عرف الإسلام تدرج الأنساب، وهو معمول به فى كل دول العالم. وأتساءل أين يقع نسب ابن السيد من زوجة حرة، ونسب ابن السيد من أمته؟ يوم أن كان معمولاً بنظام التسري، وأين يقع نسب ابن الرجل من زوجته، ونسب ابن الرجل من موطوءته بشبهة؟

لقد ذهب أكثر الفقهاء إلى تنسيب ابن الوطء بشبهة للفاعل، وصورة ذلك أن يطأ الرجل امرأة أجنبية فى فراشه، ظنها زوجته، وهى فى الحقيقة جارته أو أخت زوجته أو زوجة أخيه، هنا ذهب جمهور الفقهاء إلى استبراء تلك المرأة، فإن كان لها زوج امتنع عنها حتى تضع الحمل الذى ليس منه، وينسب للفاعل أبا، وللمرأة أما، فإن نازع الزوج وقال هو منى وليس من الفاعل؟ احتكمنا للقيافة – وهي إلحاق الأولاد بآبائهم وأقاربهم، استنادا إلى علامات وإلى شبه بينهم، والتعرف على نسب المولود بالنظر اليهم عند الجمهور، وينسب للاثنين جميعًا عند الحنفية. هل يجيز الفقه الإسلامى ذلك فى الوطء بشبهة، ولا يجيزه فى الزنا؟!

يقال: الوطء بشبهة لا إثم فيه بخلاف الزنا.

والرد على ذلك أن الزنا فيه عقاب محدد وهو الحد، فهَّلا يكفى عقاب الله بالحد؟ لماذا نضيف عليه عقابًا من عندنا وهو الحرمان من النسب، الذى لا يعتبر عقابًا للفاعل الآثم بقدر ما هو عقاب للطفل البريء.

 لكن بعض الفقهاء ظلوا يؤكدون أن من أهم الأسباب وراء عدم تنسيب ابن الزنا من الزانى هو عدم التقين من كونه صاحب الماء الذى كان منه الحمل، بخلاف الزواج، كما يقول الشيرازى: «فإن الظاهر مع وجود هذه الشروط - وهى كما ذكرها قبيل ذلك: قيام الزوجية، واجتماع الزوجين، وهما ممن يولد لمثلهما- يمكن أن يكون الولد منه، وليس هنا ما يعارضه ولا ما يسقطه، فوجب أن يلحق به».

وهنا الرد على ذلك؛ انه بعد ثبوت وانتشار العمل بالبصمة الوراثية فى الدول المتقدمة، ودلالتها القطعية فى تحديد صاحب الماء الذى منه الولد، هل يجوز لنا أن نتجاهل هذا النور وتلك الحقيقة، ونظل نتمسك بشكوك حسمها العلم وقضى عليها؟!

ايضا قال بعض الفقهاء: انه لو أجزنا تنسيب ابن الزنا من الزاني لاضطربت الأنساب لإمكان وقوع الزنا مع اختلاف الأمصار، وتعدد الأسفار.

فكان الرد عليهم؛ ان العدل يستلزم مساواة الزاني بالزانية فى حكم التنسيب؛ لعموم الحديث: « إنما النساء شقائق الرجال». ثم إن الزاني المسلم ليس أقل شأنا من الكافر حتى يمنح الأخير حق التنسيب دون الأول.

ويعلل الفقهاء ذلك؛ بأن الأم معروفة قطعا بخلاف الفاعل، فإذا ما أرسل الله إلينا رسول العلم بالبصمة الوراثية لمعرفة الفاعل قطعا ألا ينطبق الحكم على الأب أيضا، فيكون الأب كما قال تعالى: «وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم». [النساء: ٢٣].

وإذا صح تنسيب ولد الزنا الكافر من أبيه الكافر فى حكمنا دون برهان إلا بادعائهم، فلماذا لا يحصل المسلم على تلك الميزة مع اشتراط البرهان ؛ لأن ديننا هو دين الحق.

التربية والنفقة

لماذا هذا التوجه فى إلحاق أولاد الزنا؟

أولا: لظهور «البصمة الوراثية» التى هى حجة الله فى الأرض لأهل هذا العصر.

ثانيا: إنقاذ المتشردين من أطفال المسلمين، وتقليل ظاهرة إلقاء المولودين على أعتاب المساجد، أو بجوار صناديق القمامة وأحياناً بداخلها.

ثالثا: تحميل المتسبب مسئولية التربية والإنفاق للقاعدة الفقهية: «الغنم بالغرم»، فكما غنم اللذة غرم التربية والنفقة.

رابعًا: التقليل من ظاهرة تزوير الأنساب، عندما تستغل المرأة غفلة زوجها فتلحق بزوجها من ليس منه، وقد صح عن النبى قال: «أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله فى شيء، ولن يدخلها جنته»

خامسًا: التقليل من ظاهرة التبنى الشائعة فى بلاد المسلمين رغم تحريم الله تعالى لها قطعًا فى كتابه: «وما جعل أدعياءكم أبناءكم، ذلكم قولكم بأفواهكم، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم فى الدين ومواليكم، وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم، وكان الله غفورًا رحيما». [الأحزاب: ٤، ٥].

هذا، فإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وإن كان صوابًاً فمن فضل الله سبحانه، وأتمثل قول الله تعالى على لسان شعيب، عليه السلام: «إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقى إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب» [هود: ٨٨].

تصحيح نسب

وعن البصمة الوراثية يقول أستاذ الفقه المقارن د.الهلالى:

إن البصمة الوراثية لا تعرف من العلائق سوى العلاقة الطبيعية، التى أصلها ماء الرجل وبويضة الأنثى، وتستطيع التعرف على حقيقة نسب أى إنسان من جهتى الأم والأب الطبيعيين، دون النظر إلى طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، نكاح أو سفاح.

والبصمة الوراثية ترشد الفقيه بحقيقة قطعية عند تحديدها للرجل المتسبب فى وجود الولد.

وإذا ما أخذنا بمذهب الجمهور: من نفى ابن الزنا من الزاني، فإن البصمة الوراثية التى تعين وتحدد الزاني تكون حجة على هذا الجمهور فى مساءلة الزاني، فإن أقر بالزنا وجب الحد، وإن لم يقر أو ادعى الشبهة فالواجب على الجمهور أن يلحقوا نسب الولد لهذا الفاعل باعتباره أنه وطء بشبهة، وهو وطء يفيد النسب عندهم.

أما إذا أخذنا بما ذهبنا إليه من تنسيب ابن الزنا للزاني إن علمناه، فالبصمة الوراثية حجة فى إثبات النسب للتأكد من الفاعل الحقيقى.

ثانيا: الأثر المترتب على الأخذ بالبصمة الوراثية فى اثبات النسب:

إن اعتماد البصمة الوراثية دليلاً للفراش الحقيقى ينشئ دعوى جديدة يمكن أن نطلق عليها: «دعوى تصحيح النسب»، لم يكن لها من قبل ذيوع، وإن كان أصلها فى الكتاب والسنة.

أما الكتاب: فمنه قوله تعالى: « وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله « [الأحزاب: ٤، ٥]. يقول ابن كثير: هذا أمر ناسخ لما كان فى ابتداء الإسلام من جواز ادعاء الأبناء الأجانب، وهم الأدعياء، فأمر تبارك وتعالى برد نسبهم إلى آبائهم فى الحقيقة، وأن هذا هو العدل والقسط والبر.

وأما السنة: فمنها حديث عائشة فى الصحيحين، من قصة عتبة بن أبى وقاص، الذى عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زمعة منه، فلما اختلف مع عبد بن زمعة، ورفع الأمر للنبى قال: « الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبى منه يا سودة بنت زمعة». فهذه قصة تفيد التنازع لتصحيح النسب من بعض الوجوه، وإن كان فيها معنى دعوى الاستلحاق.

وهذه الدعوى: تثير عدة تساؤلات بخصوص حكم نفى النسب بعد ثبوته الذى يرفضه الفقه الإسلامى.

ويخفف من هذه الدعوى: أنها فى الوقت الذى تنفى فيه النسب من جهة، فإنها تثبته من جهة أخرى غالباً؛ تصحيحاً للأوضاع، وهو أمر ممدوح شرعاً، ويتفق مع القاعدة الشرعية: الثابت لا يزول إلا بيقين.

وهكذا أوجدت لنا البصمة الوراثية نوعاً جديداً من الدعاوى، وفتحت باباً جديداً للتنازع، يجب أن نسلم بواقعه، ونستعد بحلوله الفقهية، وهو ضريبة التقدم التقني والتفوق الطبي، واختم قائلًا؛ وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابهومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أقرأ أيضأ : الشك يقود قاتل شقيقته لـ«حبل المشنقة» في بورسعيد