التأصيل التاريخى.. لمخاوف الغرب من «مصر القوية»

حامد عز الدين
حامد عز الدين

التنسيق الاستخباراتى الأمريكى البريطانى الإسبانى الكندى التركى ومجموعة أجهزة أوروبية أخرى  ضد مصر، يذكر بالتحالف الأوروبى لدعم الدولة العثمانية فى مواجهة الدولة المصرية  بقيادة محمد على باشا الذى اختاره المصريون ولم يعينه السلطان العثمانى (حاكم مصر من 1805-1848) .

فى خلال فترة حكم محمد علي، استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، مما جعل من مصر دولة ذات ثقل فى تلك الفترة، وهو ما يشبه بالضبط التطور الذى شهدته مصر خلال السنوات الأخيرة فى ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسى .

عودة الى فترة حكم محمد على باشا، سنجد أن الجيش المصرى تعاظمت قدراته وحقق نجاحات كبيرة، سواء وهو يخوض حروبًا بالوكالة عن الدولة العثمانية فى جزيرة العرب ضد الوهابيين وضد الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثمانى فى المورة، كما وسع دولته جنوبًا بضمه للسودان. وبعد ذلك تحول لمهاجمة الدولة العثمانية ذاتها حيث حارب جيوشها فى الشام والأناضول.

وكاد يسقط الدولة العثمانية، لولا تعارض ذلك مع مصالح الدول الغربية التى أوقفت محمد على وأرغمته على التنازل عن معظم الأراضى التى ضمها. تم ذلك من خلال ما يعرف بـ «معاهدة لندن» وهى معاهدة بعنوان اتفاقية إعادة السلام إلى بلاد الشام، وُقّعت فى 15 يوليو 1840 بين الدولة العثمانية وأربع دول أوروبية، هى الإمبراطورية الروسية وبروسيا والمملكة المتحدة والإمبراطورية النمساوية، لدعم الدولة العثمانية، للحد من توسعات محمد على باشا حاكم مصر على حساب أراضى الدولة العثمانية، والتى أيضا كانت سببا فى تقليص صلاحياته.

وافقت القوى الأوروبية على استخدام جميع وسائل الإقناع الممكنة لتفعيل هذا الاتفاق، لكن محمد علي، بدعم من فرنسا، رفض قبول شروطه فى الوقت المحدد. أدى ذلك إلى اندلاع أزمة المشرق عام 1840، وهاجمت القوات البريطانية والنمساوية عكا، وهزمت القوات المصرية  فى أواخر عام 1840.

ثم واجهت قوات محمد على ضغوطًا عسكرية متزايدة من أوروبا والإمبراطورية العثمانية، وخاضت معركة خاسرة ضد المتمردين فى الأراضى التى احتلتها، وشهدت التدهور العام لقواتها العسكرية من ضغوط الحروب الأخيرة.

ووافق محمد على أخيرًا على قبول الاتفاقية فى 27 نوفمبر 1840 على قبول بنود الاتفاقية والفرمانات التى أصدرها السلطان لاحقًا، مؤكدة حكمه على ولاية مصر وسلطنة دارفور. وانسحب الجيش المصرى من سوريا العثمانية وكريت وأعاد الأسطول المصرى الضخم الى عهدة الدولة العثمانية .

واليوم فى ظل ارهاصات انتهاء عصر القطب الواحد اصبحت مصر مجددا رقما صعبا وقويا فى النظام الدولي، بفضل قدرات عسكرية شاملة «برية وجوية وبحرية» وضعت الجيش المصرى فى المرتبة التاسعة فى العالم. وأصبح الاقتصاد المصرى مبشرا للغاية فى ظل تطور هائل فى البنية التحتية (ارتفعت نسبة المعمور فى مصر خلال 8 سنوات من 6.5% الى 14%)، وتقدم كبير فى الطاقة وخصوصا المتجددة وتطور فى مجال التعليم والتكنولوجيا والصحة والصناعة والزراعة والنقل البحرى والتجارة.

كما اصبحت مصر، من خلال علاقاتها الاقتصادية القوية مع دول الخليج العربية، وعلاقاتها الاستراتيجية السياسية والعسكرية والتكنولوجية مع كل من الصين وروسيا،  وموقعها الريادى وعلاقاتها القوية بدول القارة الافريقية والعديد من الدول الآسيوية ضلعا رئيسيا فى التحالف متعدد الأقطاب لقيادة العالم الذى بدأت تظهر تباشيره.

ولأن حروب الجيل الأول التى أوقفت أحلام محمد على صارت شديدة الصعوبة الى درجة الاستحالة فى ظل الظروف الدولية الجديدة، لم يكن امام الغرب بقيادة الولايات المتحدة وتابعتها بريطانيا الا المحاولة «مجددا»  لهدم مصر من الداخل بعدما فشلت المحاولة الأولى التى تم الاعتماد خلالها على تنظيم الاخوان المتعطش للحكم.

ولتحقيق هذا الهدف الخبيث تمت الاستعانة بأكبر مجموعة من العملاء والجواسيس، للدعوة، باستغلال التكنولوجيا فى وسائل التواصل الاجتماعى الإليكترونية، إلى ما يمكن تسميته بـ«تثوير المصريين البسطاء» وهم يستغلون فى ذلك الأزمة الاقتصادية «الاستثنائية فى العالم كله» التى اعقبت مرحلة كورونا والمتمثلة فى الأزمة الروسية الأوكرانية .

وهم يعتبرونها فرصتهم الأخيرة غير القابلة للتكرار لتأليب الشعب المصرى على نظامه الذى بات يهددهم. لكنهم فى الحقيقة تعاملوا بغباء، فقبل ساعة الصفر ، انتفض المصريون على محاولة التدخل الأجنبى فى شئون بلادهم على كل وسائل التواصل الاجتماعى ذاتها. ونجحت الأجهزة المصرية الساهرة على أمن مصر المحروسة فى كشفهم بالصوت والصورة.