فؤاد خليل.. الطبيب الفنان

الفنان فؤاد خليل
الفنان فؤاد خليل

كتبت: مايسة أحمد

فؤاد خليل، أحد أشهر من رسم الضحكة على وجوهنا بتقديمه للأدوار الكوميدية في العديد من الأعمال الفنية السينمائية والتليفزيونية والمسرحية، حفلت مسيرته بالعديد من الأدوار التي لم تكن رئيسية لكنها تركت بصمة كبيرة في الكوميديا، إذ كانت له “كاريزما” و”خفة دم” جعلته يقف أمام أهم الممثلين أمثال أحمد زكي وعادل إمام ومحمود عبد العزيز وغيرهم.

خليل لم يكن مُهتمًا بصحته خلال حياته، وكان مهمل لها إلى حدٍ ما، على حساب الفن، فكان يُشارك في أعمالٍ فنية كثيرة، خاصة الفترة من منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات، فكان ينتهي من المشاركة في مسرحية الساعة الثالثة فجرا، وينطلق إلى الإستديو لتصوير فيلم الساعة الثامنة صباحا، وكان ممكن يسهر لمدة 3 أيام بدون نوم، ويعمل بشكلٍ متواصل.

حتى أن أحمد ابنه سأله ذات مرة، بسبب الإجهاد والسهر الطويل، وقال له: “أنت مش تعبان؟”، ليُرد عليه: “آه تعبان.. بس تعب أنا حابه.. أنا حابب التعب اللي من النوع ده عشان كده مش حاسس بيه”.  

الرسوب
رحلة خليل بدأت مع الفن وهو لم يتجاوز عامه الـ11، حيث تمكن منه حب الفن، شارك أصدقاءه في تكوين فرقة مسرحية يصقل من خلال عروضها موهبته الخام في التمثيل، جنبا إلى جنب مع دراسته، دخل كلية طب الأسنان تحقيقا لرغبة والده، حيث كان يمتهن نفس المهنة، بالإضافة إلى أشقائه، وخلال دراسته بكلية الطب تقدم لاختبارات معهد التمثيل، لكنه رسب مرتين، وكان من أعضاء اللجنة كلا من زكي طليمات وجلال الشرقاوي، وقالوا له إنه لا يصلح للتمثيل. 

كان لتلك المقولة تأثيرا كبيرا عليه، حتى أنها كانت سببا في تعثره خلال دراسته لطب الأسنان، فقضى بالكلية 7 سنوات بدلا من خمسة، حتى حصل على البكالوريوس عام 1961، وكان يلتحق بفرق المسرح الجامعي، كما عمل في الإسكندرية مع فرقة كونها الممثلين منير وممدوح فتح الله، واشترك معهما في الفرقة نور الشريف ومحيي إسماعيل، ويذكر أن الراحل قد وقع في حب إحدى زميلاته في الكلية وتزوجها وأنجب منها أحمد ومنة.

اقرأ أيضًا

فؤاد خليل.. «الريس ستاموني» الذي ترك الطب من أجل الكوميديا| فيديو

الكذب والندم
خليل دخل الفن في الأساس بكذبة، إذ استغل أن والدته من أصل تركي، ووالدة الفنانة شادية أيضًا كذلك، وأدعى أنه ابن خالتها، وكان يقول عن ذلك: “كانت كذبة بيضا، كنت بروح أقول لهم في الإستديو إن أنا ابن خالة الفنانة الكبيرة شادية، عشان أعرف أخد أدوار في الأعمال السينمائية”.

كان أول ظهور له في مسرحية “سوق العصر” عام 1968، وأمتدّ مشواره الفني إلى 36 عاما، قدّم خلالها ما يقرب من 60 فيلما، أشهرها “الكيف، التعويذة، الدنيا على جناح يمامة، البيضة والحجر، الذل”، و15 مسرحية، منها “مع خالص تحياتي، راقصة قطاع عام، ع الرصيف”.

افتتح خليل عيادته الخاصة، لكنه تعرض لموقف لم يستطع أن يتخطاه لشعوره بالذنب، فقد كان يقدم وقتها إحدى المسرحيات، وكان ميعاد رفع الستار في العاشرة مساءً، بينما كان من المفترض أن يجري عملية لمريض في الثامنة، لكنها استغرقت وقت أطول مما توقع، حتى أشارت عقارب الساعة للعاشرة، وحدث نزيف للمريض، وتعرضت الممرضة للإغماء، وأضطر حينها لترك المريض ينزف وذهب للمسرح.

وعندما بدأ يخطو خطوات أكثر جدية نحو احتراف الفن، قرر التفرغ تماما بعد سنوات من العمل في الطب، وأغلق عيادته في القاهرة، فقد كان مثله الأعلى الفنان القدير عبدالمنعم مدبولي الذي كان يعتبره رائدا.

ولأنه حقق شهرة فنية كبيرة، كانت تحدث له العديد من المواقف الكوميدية مع الجمهور، حتى أنه عند وفاة والده، روى موقف محرج وكوميدي، فقال: “توفى والدي في الإسكندرية، وقبل وفاته أوصى بدفنه بالقاهرة، وكانت حالتي النفسية وقتها سيئة جدا، فذهبت لمحطة الرمل وهناك قابلني أحد الأشخاص، وقال لي: (بتعمل إيه يا أستاذ؟)، فقلت (هنا بسبب وفاة الوالد)، فأعتقد أنه اسم عمل فني، فرد عليا: (مع مين؟)، فقُلت مرة أخرى (وفاة الوالد)، فقال: (والبطلة مين؟)”.

مع الزعيم
في أحد الحوارات الصحفية، التي أجراها فؤاد قبل وفاته، قال إنه لم يكن يسمح لأحد بأن يهينه، وإذا شعر بأن أي شخص سيحاول التطاول عليه كان يتحول تماما، ويمكنه أن يضرب الشخص هذا حتى لو كان نجماً كبيراً.

ويضيف خليل أن بعض المقربين منه كانوا يحاولون أن يستغلوا هذا الموضوع، فقاموا بإيهامه بأن عادل إمام متكبر ومغرور ويعامل الممثلين الذين يعملون معه بعجرفة وإزدراء، فشعر بالقلق من كلامهم، وذهب في أول يوم له إلى موقع تصوير فيلم “عصابة حمادة وتوتو” الذي يشارك فيه مع إمام، وكان متهيئاً ومستعداً للاشتباك معه لأنه شعر أنه سيعامله بطريقة لا تعجبه.

ويقول إنه حين دخل “الزعيم” قام الجميع وتوجهوا نحوه ليسلموا عليه، لكنه بقى جالساً في مكانه ولم ينظر حتى إليه، فتوجه إليه “الزعيم” وقال له: “ايه يا فوفو أنت مش عارفني أنا عادل إمام”، حينها زال التوتر من نفس خليل وتعاملا معا بكل ود وإحترام طوال مشواره الفني.

أما عن الأيام الأخيرة في حياة فؤاد خليل، فقد أصيب فيها بجلطة، أسفرت في النهاية عن إصابته بشللٍ نصفي، بالإضافة أنه كان مُصابًا بالسكر، فكان يتردد على المستشفى لفتراتٍ طويلة، حتى قضى بداخلها أكثر من 6 سنوات، فأصيب بقرح الفراش، الأمر الذي أسفر عن إصابته بتسمم في الدم، وكاد أن يودي ذلك إلى بتر قدمه، وهو ما يعتقد المقربون منه أنه كان سببا في تعجيل وفاته، حيث علم خليل آنذاك أن الأطباء سوف يتخذون قرارًا بإجراء عملية بتر لقدمه من عدمه، لكنه فارق الحياة بعد هذه المعلومة بـ3 أيام فقط.