«المجموعة لطفي».. أشباح المهام المستحيلة ماذا فعلوا خلف خطوط العدو؟!

اللواء أسامة المندوه، وكيل أول جهاز المخابرات العامة الأسبق وأحد أبطال أكتوبر
اللواء أسامة المندوه، وكيل أول جهاز المخابرات العامة الأسبق وأحد أبطال أكتوبر

ما خفى من بطولات نصر أكتوبر73» كان أعظم.. ففي وقت عبور قواتنا المسلحة للمانع المائي وسط ذهول العدو والعالم، كان أفراد من قواتنا المسلحة يُديرون معركة بالغة الدقة والتعقيد.. وهى «المجموعة لطفى»، المكلفة بمهمة استطلاعية بالغة الخطورة -خلف قوات العدو- بقيادة النقيب «أسامة المندوه».

فقد تمكنت المجموعة، وفق رصد استراتيجي عالي التركيز، من الإنزال خلف خطوط العدو بسيناء والتمركز والتخفي في قلب تجمعاته، حيث مركز القيادة والسيطرة الإسرائيلي إبان المعركة في «أم مرجم» و«مطار المليز» الحربي في وسط سيناء.

وتكمن أهمية هذه المنطقة فيما تضمه من منشآت وأهداف عسكرية إسرائيلية حيوية يتحتم علينا التواجد في قلبها، كي نرصد تحركاته، ونجمع المعلومات عن نشاطه فيها وإبلاغ القيادة بها، والتي يمكنها من خلال تحليلها اكتشاف نواياه والتعامل معها باستباقية وحسم وسرعة!.

وبروح استعادة الكرامة التي تجلت في «أكتوبر 73» يبوح اللواء أسامة المندوه في كتابه «خلف خطوط العدو» -الصادر عن دار الشروق- بالجانب الخفي للمهمة أو المعركة الاستطلاعية التي دارت خلف خطوط العدو.. ويشير إلى أن استعادة سيناء من خلال القتال قبل أي شيء يثبت للعالم أن هزيمة «يونيو» 67 كانت نتيجة للخداع.

وأن الجيش المصرى لم يمنح فرصة حقيقية للتعبير عن نفسه في الذود عن الوطن قبل ذلك، ويحكي اللواء أسامة المندوه- وكان وقتها ما زال نقيبًا- عن التكليف بالمهمة؛ قائلًا: «جاءتني المفاجأة يوم 5 أكتوبر «9 رمضان» أي قبل ساعات من قيام معركة الكرامة التي لم يكن يعرف موعدها إلا عدد قليل من كبار قادة القوات المسلحة، استدعاني قائد الكتيبة، العقيد أركان حرب محمود عبدالله إلى مكتبه ومعي رئيس عمليات الكتيبة المقدم صلاح كامل.. قال قائد الكتيبة موجهًا حديثه إلى:  «لدينا مهمة خلف خطوط العدو في عمق سيناء، المحور الأوسط بالتحديد، وتحظى هذه المهمة باهتمام كبير من القيادة.

ولقد تم اختيارك للقيام بهذه المهمة الخطيرة يا أسامة».. وقد استفاض قائد الكتيبة في استعراض المهمة بالغة الحساسية والخطورة، كما أسهب في شرح طبوغرافية المنطقة، وما بها من تحديات، ويُكمل «المندوه» موضحاً أنه اختار فردًا واحدًا للقيام بالمهمة معه.

وهو العريف فتحى عبد الهادي، فرد اللاسلكي، ويواصل المؤلف حكيه؛ قائلًا: وسلمني القائد الخرائط والشفرة وأخبرني رئيس عمليات الكتيبة بأنه جرى إطلاق اسم كودى على المجموعة هو «المجموعة لطفى»، وبعد فترة قصيرة صدرت الأوامر بالتحرك ومعى العريف عبد الهادى إلى مطار ألماظة، وبمجرد دخولنا المطار بدأت أستشعر أجواء الحرب.

وكان فى انتظارنا قائد الكتبية العقيد محمود عبد الله وضابط من الخدمة الخاصة بالمخابرات الحربية، ورجل بدوى اسمه الشيخ حسب الله، ينتمى إلى قبيلة «الإحيوات» بوسط سيناء، علمت أنه سيكون الدليل والرفيق خلال تنفيذ المهمة، وقد أكد لى قائد الكتبية أن الوقت المتوقع لوصول قواتنا إلى خط المضايق الجبلية الاستراتيجية، واحتلال مداخلها الشرقية فى عمق سيناء -حيث موقع تنفيذ المهمة- سيستغرق من 7-9 أيام.


ثم أكد معى إشارة التعارف بين المجموعة وقواتنا فى حالة صدور أوامر بالانضمام إليها عند وصولها إلى هذه المنطقة، كما جرى التأكيد على أسلوب التخاطب مع القيادة فى حالة وقوع المجموعة فى أيدى العدو- لا قدر الله- وكشف محاولاتهم لتضليل قواتنا من خلال إجبار المجموعة على إرسال معلومات مضللة وخاطئة، ويستكمل «المندوة» روايته للأحداث المثيرة؛ مضيفًا بقوله: وحين بدأنا الصعود إلى المروحية قلت إن هذا السيناريو الذى قادنى إلى هذه اللحظة التاريخية.

ولتنفيذ مهمة فى غاية الأهمية فى هذه الحرب التى يتوقف عليها مصير مصر وكرامة كل مصرى وعربى لهو تكريم من عند الله سبحانه وتعالى، الذى -بفضله- أتاح لى هذه الفرصة الجليلة، التى يعتقد الكثيرون بأنها انتحارية، فى حين أراها أنا أشرف.

وأقدس مهمة لاستعادة الكرامة... اقتربت المروحية من موقع الإنزال، بدأ قائدها يدقق فى الهيئات والعلامات الإرشادية، طلب منى اختيار المكان الذى سينزلنا فيه، اخترت منطقة فى مدخل الوادى.. الرؤية واضحة فيها.. بدأت عملية التحليق فى الجو على ارتفاع يُمكننا من القفز، أسقطت الشدة والتعيين وقفزت من الطائرة، بعدها ناولنى العريف «فتحى» جهاز اللاسلكى، وألقى شدته ثم قفز على الأرض، ثم قفز بعده الشيخ حسب الله.. مكثنا بعض الوقت للتأكد من خلو المنطقة من أى تحركات إسرائيلية.


وبدأنا التحرك بحذر شديد، وفى صمت مطبق فى إطار الحرص على أهمية الوصول إلى موقع تنفيذ المهمة الموكلة إلينا بأمان دون الاصطدام بالعدو، وبعد العديد من الوثبات وصلنا إلى المنطقة الجبلية التى لم أعلم أننى سوف أمكث فيها 6 أشهر بالتمام، لم أصدق نفسى من إمكانيات هذا الموقع.

وكم هو مشرف على المنطقة كلها ويقع فى قلب كل هذه الأهداف الإسرائيلية الحيوية والذى يجعلنا بحق نضع أيدينا على كنوز من المعلومات عن العدو ونواياه وهو ما سيفيد القيادة فى قراراتها خلال المعارك الشرسة الدائرة بطول قناة السويس، وبعد أن اخترنا نقطة الملاحظة، اختبرنا صلاحيتها للإرسال والاستقبال، وقمنا بأعمال الإخفاء والتمويه.. قلت للرجال: الآن.. والآن فقط أستطيع أن أعطى القيادة تمام وصول المجموعة واحتلالها نقطة الملاحظة المثالية كما تم التخطيط لها.


 رصدت منذ اليوم الأول لعمل المجموعة جميع التحركات فى الاتجاهين «من الشرق إلى القناة فى الغرب والعكس»، تلرات، مدفعيات، دبابات، عربات نقل جنود، سيارات إسعاف، أقوال إدارية من تلك التى تحمل تعيينا وذخيرة»، كنت أحصى أنواعها، وأعدادها وتوقيتات تحركها، أرصد إذا كانت محملة أو فارغة كنت أرسل بيانًا بكل هذه المشاهدات إلى القيادة فى نهاية كل يوم.


ويورد اللواء المندوه وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق، فى كتابه، العديد من الملاحظات حول يومى»11 و12 أكتوبر»، حيث تبدل شكل الدبابات الإسرائيلية القادمة من العريش إلى جبهة القناة، وكانت غير معتادة بل ويتعدى ذلك إلى شكل أطقمها من الضباط والجنود، وحول الثغرة وكيف وقعت؟ وخطة القوات المسلحة لتصفيتها والتى صدق عليها الرئيس السادات فى 24 ديسمبر!!.


وتمر الأيام والشهور والمجموعة تقوم بمهام الاستطلاع اليومية مما سبَّب إرباكًا للخطط العسكرية الإسرائيلية ونجاحًا لقواتنا على طول الجبهة، وبين الحين والآخر تستنفر دوريات العدو لتمشيط المنطقة بحثًا عنا، لكن قدرتنا على التخفى والتمويه ضللتهم، رغم تأكدهم أن فى هذه المنطقة مجموعة ترسل برقياتها باللاسلكى كل مساء حتى بعد توقف القتال وانتهاء مباحثات الكيلو 101.


وفى 16 مارس 1974، جاءت التعليمات من القيادة بالعودة من سيناء إلى القاهرة.. وكان فى استقبالنا جميع ضباط وجنود المكتب

وعلى رأسهم العميد فتحى عباس، وفى اليوم التالى وصلنا إلى مكتب المشير أحمد إسماعيل، وبعد كلمات الإشادة بالمجهود والتضحية والفداء، وخلال اللقاء قلت بشىء من الابتسام للسيد الوزير: كيف تكون مهمتى تسعة أيام وتمتد إلى ستة شهور؟.
فكانت إجابته شافية مقنعة؛ حيث قال: كانت لدينا «حنفية معلومات» عن العدو هل يُعقل أن نغلقها ونحن فى أشد الحاجة إليها؟ كانت المعلومات التى تصل منكم فارقة ومفيدة ورائعة. يجدر بالذكر أن المؤلف سيحل الليلة ضيفًا على مكتبة الإسكندرية فى تمام الثانية عشرة ظهرًا، حيث يتحدث عن كتابه بالمسرح الصغير عبر ندوة تحمل عنوان «انتصار الإرادة المصرية خلف خطوط العدو».
 

اقرأ ايضا | «أبطال ومعارك»  مسابقة  خلال شهر أكتوبر على إذاعة راديو مصر