محمد البنهاوي يكتب : الغربة صعبة

محمد البنهاوي
محمد البنهاوي

لم أكن أتخيل أن اترك وطني وأسافر دولة لا أعرف طباع شعبها ونسق حياتهم وثقافتهم وعاداتهم التي تختلف حتمًا عن تلك الموجودة في بلادنا، فأنا لم أسافر إلى خارج حدود القطر المصري، وأبعد رحلة قمت بها كانت إلى شرم الشيخ من أجل السياحة.

وبعدم أن طلب أصدقائي السفر إلى الكويت للعمل، تحمست في بادئ الأمر ولكن ملأ الرعب قلبي في نفس الوقت، فأنا لم أغادر وطني منذ نعومة أظافري حتى وصلت سن الثلاثين، لكني قررت أن أتجرأ وأخوض تلك التجربة.
وتهيأت للسفر وأعددت العدة وجهزت نفسي وودعت عائلتي الكريمة وذهبت إلى مطار القاهرة، وجلست أنتظر طائرتي وتذكرت شيئًا لم يخطر على بالي، ألا وهو عدم اختيار السكن الذي أقطن فيه بالكويت، فأين سأعيش ومع مرور الوقت في التفكير وجدت رجل ينتظر بجواري نفس الطائرة فسألته هل السكن في الكويت متوفر ، نظر إلي نظرة تعجب "كيف لك أن تسافر وليس لك سكن" ، قلت له عندما أتسلم العمل في الصباح سيجهزون لي غرفة ، فقال لي سنجد لا تقلق وعند وصولنا وجدت ابنه ينتظره ويقبل يده ويحمل عنا الحقائب .

وبعد أن جلست داخل السيارة، قال لي الدكتور إبراهيم الذي تحدثت معه في المطار أنت اليوم ضيفي أنا وابني محمود، وغداً سأقوم بتوصيلك إلى محل عملك، هنا بكيت من "جدعنة المصريين" فإن الدكتور إبراهيم يمتلك صيدلية في الكويت ونجله يدرس الطب في روسيا وخلال استضافتهم لي لم أجد سوى الطيبة والخير والأصل الطيب.

كنت جالس وكلي خجل فأنا لم أجلس في بيت غريب عني طيلة حياتي ، لكن الدكتور إبراهيم ذهب لإحضار عشاء من أحد المطاعم المجاورة لبيته وكان كريماً جداً؛ حيث أتى بصينية مليئة بكل أنواع اللحوم الطيبة وطلب مني أن أبقى على راحتي وكأني في بيتي.

وفي الصباح أوصلني لمقر عملي والذي يبعد عن بيته لأكثر من ٥٠ كيلو، وأوصى رئيسي في العمل وكأني ابنه ثم تركني لكنه كان يتواصل معي دائماً.

عشت لأكثر من عام وكانت مشكلتي هناك أسعار العلاج فهي ٥ أضعاف الأسعار في مصرنا الحبيبة، وذات مرة والدكتور ابراهيم يتصل بي ليطمئن علي قال لي أنا في مصر هل تحتاج لشيء أجلبه لك معي قلت له دون تردد على الدواء، وبالفعل جلبه لي ورفض رفضاً قاطعاً أن يأخذ ثمنه وفي هذا اليوم جاء لي مقر عملي وكانت معه زوجته وكريمته وقال لي أن لديه مشوار ولا يستطيع الانتظار وذهب سريعاً.

وعندما أنهيت فترة عملي في الكويت وعدت إلى مصر، حاولت الاتصال به لكن ابنه محمود هو من رد على اتصالي قائلاً "بابا مات" .