الوعى قضية أمة «5»

علة تجريم زواج القاصرات

د. مجدى عاشور
د. مجدى عاشور

حيث تناولنا المعانى التى من أجلها حَرَّمتِ الشريعة وجَرَّمَ القانون (زواج القاصرات)، وذكرنا علة ذلك من ناحية مفهوم زواج القاصرات أى الصغيرات، ومن ناحية الأسباب التى تدعو إلى هذا الزواج، واليوم نكمل المعنى الثالث، وهو:
ثالثًا: من ناحية الآثار السلبية بل المدمرة التى تترتب على زواج القاصرات، ومنها:

- عدم إكمال تعليمهن، وهذا يكفى فى إنشاء أسرة لا تساير العصر بمقتضياته من تكنولوجيا ورقمنة لكل وسائل التعامل الحياتية؛ بل ويُضْعِف تلك القاصر عن متابعة أبنائها فى التربية والتعليم، وهو من أهم أدوار الأم تجاه مَن تعولهم، لحديث النبى صلى الله عليه وسلم: «والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بَعْلِها وولدِه وهى مسئولةٌ عنهم» «أخرجه البخارى ومسلم».

- ومن الآثار أيضا ضعف صحة القاصر سواء فى الزواج نفسه بأعبائه، أو إذا حملت فتزداد تلك المعاناة، حيث تتحمل مضاعفات الحَمل والولادة، ويكون جنينها عُرْضَةً للإجهاض أو للأمراض والتشوهات.

- ومن الأضرار كذلك عدم استقرار تلك الأُسَر البائسة وزيادة نسبة الطلاق فيها لأسباب عدة؛ كوصول هذه القاصر إلى مرحلة عدم تحمُّل أعباء احتياجات أسرتها واستنزاف طاقتها مع قلة الحيلة، فتصل إلى حالة من اليأس فى تكملة تلك الزِّيجة فتكون على شِقَاقٍ دائم ونُفُور مستمر مع زوجها، ويعرف ذلك الأطباء النفسانيون وكذلك من يتعرض للإرشاد الأُسَرى والصلح بين الأزواج، ولا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خبير، فهذا مما نتعرض له يوميًّا وبشكل لافتٍ للانتباه والحَذَر.

- ومن الآثار المَقِيتة لهذا النوع من الزواج (العُنف الأُسَري)، حيث هناك نسبة غير قليلة تتزوج فيه القاصر من رجل يكبرها بعشرات السنين، ومِن ثَمَّ تختلف العادات والتربية بينهما بحكم تفاوت الأجيال، فما يكون مِن مِثله إلا استضعاف تلك القاصر والاستهانة بها وإهانتها وصولًا إلى التعدى الجسدى عليها، والعنف معها حتى فى حصول المعاشرة الزوجية، وهذا مما يخالف تعاليم الإسلام فى مقصود الزواج، من المودة والرحمة والرفق بالزوجة، لقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) «الروم:٢١».

إن كل ما سبق من آثارٍ سيئة لزواج القاصرات لكفيل بتحريم وتجريم هذه الفِعْلَة الشنعاء التى تدمر لا أقول بنتًا بريئة أو أسرة بل مجتمَعًا بأكمله، وهو جدير بتكاتف المؤسسات المَعْنِيَّة كلها لوقفه والحماية منه، حتى لا نبيع بناتنا بأيدينا.