أطفال وشباب القليوبية يتزاحمون على الأنشطة الصيفية بالمساجد

الأنشطة الصيفية بالمساجد
الأنشطة الصيفية بالمساجد

 تحقيق ــ عامر نفادى

ملفات كثيرة وتحديات جسام كانت في انتظار وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة منذ تولية مهام الوزارة، نجح الرجل بفكره الثاقب في مجابهة الكثير من هذه التحديات التى كانت تقف أمامه كحجر عثرة في تحقيق المهام التى جاء من أجلها، أهمها السيطرة على بيوت الله وتحريرها من أيدى الجماعات المتشددة، ونشر الفكر الوسطي، ومجابهة الفكر المنحرف، وإعادة الثقة بين إمام وزارة الأوقاف والجمهور.

تجديد الثقة لوزير الأوقاف من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي في التغييرات الوزارية الأخيرة جاءت كرسالة تأكيد وشكر على ما أنجزه من ملفات منذ توليه حقيبة الأوقاف، وبمثابة الضوء الأخضر على استكمال ما بدأه من مشاريع علمية وثقافية ودعوية وتربوية، أتت ثمارها، ولعل من أهم هذه المشاريع مشروع تجديد الخطاب الديني، والمقارئ القرآنية والأنشطة الصيفية للأطفال التى وجه وزير الأوقاف بضرورة البدء فيها مع بداية فصل الصيف بهدف رفع الارتقاء بالجانب الروحي والأثر الديني والارتقاء بمنظومة القيم والأخلاق الإنسانية بين صفوف المصلين ورواد المساجد، إلى جانب تصحيح المفاهيم الخاطئة، وتحصين العقول من الأفكار المضللة التى يحاول أصحابها من خلالها استقطاب الشباب لصفوفهم.

اللواء الإسلامى بدورها تستكمل جولاتها وزياراتها للمساجد التى تقام بها الأنشطة الصيفية داخل محافظة القليوبية، للتعرف بشكل أكبر على الدور المنوط بها وتفاعل الجمهور معها.

منهج قرآنى

قال الشيخ سيد بدوى اسماعيل، إمام مسجد الكبير، بترعة الإسماعيلية مسطرد التابع لإدارة الأوقاف شبرا الخيمة شرق، إن النشاط الصيفي داخل المساجد يعد من أهم الأنشطة التى أولتها وزارة الأوقاف اهتماماً كبيراً، بهدف تعليم الأطفال آداب الإسلام الصحيحة التى تجعل منهم مواطنين صالحين فى المستقبل، ما ينعكس بالإيجاب على بناء المجتمع ونهضته، إتباعا لمنهج النبى صلى الله عليه وسلم فى تعليم القرآن الكريم، الذى يجمع بين التعليم والتذكية والتلاوة، وهو المنهج الذى ارتضاه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما جاء فى قوله تعالي: (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به)، وقول ابن مسعود رضى الله عنه: (والذى نفسى بيده، إن حق تلاوته أن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأول منه شيئا على غير تأويله)، مبينا أن  هذه الآية توضح أن المدح والرفعة والشأن كل الشأن ليس لمن يقرأ القرآن ويحفظه فحسب، بل الشأن كل الشأن لمن اتبع أحكامه وعمل بما فيه، وهذا هو حق التلاوة.

تربية إيمانية

وأشار إلى أن تعليم القرآن الكريم يشترط إلى جانب تلقينه  بيان أحكامه وآدابه، لما جاء عن النواس بن سمعان رضى الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران» فإذا كان هذا فضل أهل القرآن العاملين، فكيف بفضل معلمى القرآن الذين يربون التلاميذ على العمل بما فيه، وكيف بفضل معلمى القرآن الذين خرجوا العديد من التلاميذ يتلون كتاب الله حق تلاوته، وإننا بحاجة فى هذا الزمان إلى المزيد من الدروس التى تخرج طلابا يتلون القرآن حق تلاوته، يحلون حلاله ويحرمون حرامه، ولا يكون ذلك إلا بالتربية الإيمانية القرآنية التى يمارسها معلم القرآن الكريم، مؤكدا أن الأنشطة التعليمية التى ترعاها وزارة الأوقاف داخل المساجد تعد فى وقتنا الحاضر من أهم الركائز الأساسية فى العمل التربوى، لأنها تتيح للأطفال أن يتعاملوا مع أقرانهم ونظرائهم، ويتلقون على يد معلميها المفاهيم التربوية القويمة، التى تعالج أخطاءه، وتصحح انحرافاته، وهى البيئة التى يتمكن المربى فيها من غرس القيم والمفاهيم، ويتعاهد سقيها ورعايتها، وينقح فيها هذه المفاهيم والقيم مما يشوبها، مؤكدا أنه لو أجريت مقارنة بين المحاضن التربوية من جهة أثرها فى العمل التربوي، لوجد أن دروس المسجد من أقواها تأثيرا، إن لم تكن هى الأقوى، لما فى هذه الأنشطة من الجاهزية التربوية التى تعين المعلم على أداء دوره التربوى بكفاءة وفعالية، مدللا على ذلك بما جاء عن سلمان رضى الله عنه فى قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ وجاء إلى المسجد فهو زائر الله عز وجل ، وحق على المزور أن يكرم الزائر)، وما جاء عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»، مشيرا إلى أن هذه الآثار تدل فى مجموعها على الأثر الجميل على التلميذ فى دروس المسجد، حيث الأمان النفسى، والهناء الداخلي، والسعادة القلبية، والسرور والبهجة ببركة المكوث فى المساجد والجلوس بين يدى أهل القرآن، وهو متطهر يقرأ كلام الله، ما تجعل منه قلبا مفتوحا للتوجيه التربوى المصاحب لتلاوة آيات القرآن الكريم.

أجيال صاعدة

وأضاف الشيخ عبدالمنعم عبدالعزيز علي، إمام مسجد هاشم زايد، بكفر الشرفا، التابع لإدارة أوقاف شبين القناطر شرق، أن أطفال الأنشطة القرآنية داخل المساجد يغلب عليهم أنهم التحقوا بها رغبة دون ضغط أو إكراه، ودون عقوبة أو حرمان، وإنما هناك دوافع عديدة جذبتهم إليها منها حاجتهم النفسية فى الغالب إلى تعلم القرآن الكريم، وبذلك يكون الطفل قد أعطى زمام قلبه لمعلمه، ليقوده إلى روح القرآن، ويعلمه منهج متفرد فى الأهداف والمحتوى والوسيلة، تتلخص غاياته فى أن يكون الإنسان متوجها بقلبه وجوارحه إلى الله فى كل حركاته وسكناته: قال تعالى: «قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ»، مؤكداً أن هذا هدف عام وغاية عظمى يمكن الوصول إليها إذا صنع المعلمون والمشرفون أهدافا واتبعوا السبيل نحوها، ويمكن أن تشمل هذه الأهداف تعظيم الشعائر التعبدية والورع عما يكرهه الله ويسخطه، والأخلاق الحسنة، والآداب العملية وغيرها من الأهداف التى تحقق معنى العبودية لله، وهى فرصة للمربين من خلال الأنشطة القرآنية أن يستقوا من هذا المعين لينشئوا الأجيال الصاعدة على فهم كتاب الله تعالى والعمل بأحكامه والتأدب بآدابه، وهم آمنون من زلل المنهج واضطراب الفكر.

إنجاز لا مثيل له

وتقدم الشيخ عبدالمنعم بخالص الشكر والتقدير للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف على ما بذله من جهد فى إتاحة مثل هذه الأنشطة فى شتى ربوع مصر، لحماية عقول الشباب والنشء من الوقوع فى منزلق الانحرافات الفكرية التى يروج لها أصحاب الأغراض الدنيئة ممن يريدون بنا شراً، ويتعمدون الإساءة إلى الدين الإسلامى الحنيف، كما تقدم بالشكر للشيخ صفوت أبو السعود وكيل الوزارة على ما يبذله من حرص فى تذليل كافة العقبات التى تعوق مسيرة الأنشطة القرآنية، وأداء رسالتها على أكمل وجه.

وأكد أن ما تشهده البلاد من افتتاح للمقارئ القرآنية، وزيادة عدد الأنشطة العلمية داخل المساجد، يعد إنجازا لا مثيل له، لدورها البالغ الأهمية فى زيادة حفظة كتاب الله على أرض الواقع.

الحرص على التحفيظ

وأشار الشيخ إبراهيم سعد سليمان، إمام مسجد الإيمان بالحدادين، التابع لإدارة أوقاف طوخ، إلى أنه من الأمور المهمة فى التربية الروحية والعقائدية للطفل تحفيظه القرآن الكريم منذ صغره ونعومة أظفاره، لقوله تعالي: (إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم)، وقوله جل شأنه: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما فى الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)، مؤكدا أنه ينبغى على الأباء والأمهات أن يعلموا أبناءهم القرآن ويحثوهم على حفظه وتعلم أحكامه، امتثالا لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فى قوله:(تعلموا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة، قال: ثم مكث ساعة ثم قال: تعلموا سورة البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان يظلان صاحبهما يوم القيامة كأنهما عمامتان أو غايتان أو فرقان من طير صواف وإن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له هل تعرفنى فيقول ما أعرفك فيقول له هل تعرفنى فيقول ما أعرفك فيقول أنا صاحبك القرآن الذى أظمأتك فى الهواجر وأسهرت ليلك وإن كل تاجر من وراء تجارته وإنك اليوم من وراء كل تجارة فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حليتين لا يقوم لهما أهل الدنيا فيقولان بم كسينا هذه فيقال بأخذ ولدكما القرآن ثم يقال له اقرأ واصعد فى درجة الجنة وغرفها فهو فى صعود ما دام يقرأ هذا كان أو ترتيلا)، وما جاء عن ابن عباس أنه قال لرجل ألا أتحفك بحديث تفرح به قال بلى قال اقرأ تبارك الذى بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها المنجية والمجادلة تجادل أو تخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها وتطلب له أن ينجيه من عذاب النار وينجى بها صاحبها من عذاب القبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لوددت أنها فى قلب كل إنسان من أمتى).

وتابع أن السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم كانوا يعلمون أولادهم القرآن ذكورا وإناثا حتى أصبح نقله عبر الأجيال نقلاً متواتراً وكان التابعون من أحرص الناس على تعليمه لصبيانهم حتى ذكر أن مكتب الضحاك بن مزاحم الذى كان يعلم فيه القرآن، قد ضم ثلاثة آلاف طفل).

مشددا على ضرورة أن يهتم الوالدان أثناء تلاوة أبنائهم للقرآن، أن يقدما لهما شرحا موجزا لآيات كتاب الله التى يحفظونها، حتى تفتح معانيها قلوبهم وعقولهم، وينبغى ألا يظن أحداً أن الطفل الصغير لا يستحق أن يشرح له ، لأن الطفل فى هذه السن المبكرة يمتلك طاقة كبيرة يستطيع من خلالها أن يخزن من المعلومات ما يخزنه حاسوب آلى عصرى وربما أكثر، مع الحرص على ضرورة اختيار ما يحفظه الصغير، والذى يتناسب مع قدراته، ومع المقاصد التربوية، ومن الأفضل أن يبدأ بحفظ قصار السور وبجزء عم خصوصا ، نظرا لأن قصار السور تشتمل على ركائز العقيدة: من (الإيمان بالله، وتوحيده، وإثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واليوم الآخر)، فتساهم فى تصحيح عقيدته، وتهذيب سلوكه، وزيادة على ذلك فإنه تقوم لسانه، وتزيده فصاحة وبيان.

التحفيز على الحفظ

مضيفاً أنه بعد الانتهاء من ترغيب الطفل فى حفظ القرآن الكريم، يجب الانتقال إلى أمور عملية لحثه على مواصلة تعلم آيات كتاب الله، تبدأ أولا بتسجيله فى الأنشطة الصيفية للمسجد، أو البحث له عن معلم يعلمه القرآن كما كان شأن السلف الصالح، وإذا كان كثيرا من الآباء ينفقون الأموال الطائلة مقابلة الدروس الخصوصية، فكتاب الله تعالى أولى أن تنفق فى سبيله تلك الأموال، مع العلم أنه من الطرق المهمة فى ترغيب الطفل فى حفظ القرآن الكريم، أن نقدم له ما يحفزهم على ذلك من جوائز عينية ونقدية، وخلق جو من المنافسة بينه وبين أقرانه.

وقدم الشيخ إبراهيم الشكر للدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، ولقيادات أوقاف القليوبية على ما يقدموه من دعم للأنشطة الصيفية وغيرها من الأنشطة التعليمية والتثقيفية داخل المساجد بالمجان، بهدف تثقيف الجمهور وتعليمهم أمور دينهم وبيان أحكام القرآن وأدابه.

فكرة متميزة

وقال الشيخ محمود عبدالعزيز محمود، إمام مسجد الرسول بالشموت، التابع لإدارة أوقاف بنها ثان، إنه فى خضم ما تعيشه أمتنا من تقلبات وتغيرات، وانتشار الفتن فى المجتمعات انتشار النار فى الهشيم، فإن الإنسان المسلم يقف حائرا، وتائها، ومتسائلا: أين السبيل؟ وأين النجاة؟ لا يدرى أى وجهة يسلكها، وأى طريقة ينهجها، ثم سرعان ما يتجلى له ذلك النور الذى لا ينطفئ، ويبصر وجهته التى لا يضل فيها، ألا وهى وجهة القرآن الكريم، فيسارع إلى رحابه ليتفيأ من ظلاله ويقتبس من أنواره، متدبرا قوله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)، مدركا أن لا شيء أعظم من كتاب الله تعالى، فيجتهد فى تدارسه والتهيؤ لخدمته، عاملا بقوله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

مؤكدا أن الأنشطة الصيفية للأطفال داخل المساجد هى فكرة متميزة من قبل الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف صاحب الفكر المستنير، حيث أنها تسهم فى التصدى لدعاة الفتنة من أصحاب الأفكار الهدامة ممن كانوا يسعون لأستقطاب الشباب واستخدامهم فى أعمال عدائية ضد الدولة.

إقبال كثيف

ولفت إلى أن مسجد الرسول يشهد إقبالا كثيفا من قبل الأطفال الراغبين فى تعلم آداب الإسلام وحفظ ما تيسر من القرآن، مشيرا إلى أن الفكرة لاقت ترحيبا شديدا من أهالى المنطقة والمناطق المجاورة لها، خاصة أن اللحاق بها بدون رسوم، وأن فكرتها قائمة على تحفيظ القرآن الكريم إلى جانب تعليم الدارسين قواعد التجويد نظريا عن طريق شرحها وعمليا عن طريق تطبيقها على آيات القرآن الكريم، مع تفسير الكلمات التى يصعب على الدارس فهمها، وتعليمهم بعض الأحكام المهمة فى الإسلام مثل أركان الإسلام والإيمان والأحكام العملية للوضوء والصلاة وغيرها.