عاجل

تنظيم «القاعدة».. وسيناريوهات السقوط

صورة موضوعية
صورة موضوعية

كتب: عمرو فاروق

يشهد تنظيم «القاعدة» خلال المرحلة الراهنة، حالة من التشتت والتراجع عقب تصفية عدد كبير من قياداته على مستوى ولايته وفروعه في كل من سوريا والعراق واليمن وأفغانستان، أو في الداخل الإفريقي.
ولعل نبأ مقتل زعيمه الحالي أيمن الظواهري، الذي اعلن عنه الرئيس الأمريكي الايام الماضية رسميًا، يمثل ضربة قوية لصفوف الكيان «القاعدي»، لما له من تأثير في مستقبل التنظيم ومصيره في ظل عدم مركزية القرار داخل الهيكل التنظيمي، وارتباك فروعه بسبب مقتل القيادات المؤثرة والفاعلة.

سعى التنظيم «القاعدي» لوضع استراتيجية تضمن له البقاء والتمدد من خلال بلورة الدعاية الخداعة المترجمة في ما يسمى بـ«التطرف المعتدل»، في ظل استحواذ الكيان «الداعشي» على الساحة الجهادية المسلحة، واستقطاب أعداد كبيرة من المرجعيات الفكرية والحركية سواء في مراحل الصعود والهبوط. وهي استراتيجة طرحتها مرجعيات «القاعدة» من أجل إيهام المجتمعات العربية والإسلامية، بأن التنظيم «القاعدي» ينأى بنفسه عن التكفير وتوظيف العنف ضد المدنيين ويقصر عملياته ضد المصالح الغربية والأمريكية فيما يسمى بمواجهة «العدو البعيد»، من دون الدخول في صدام مع الحواضن المجتمعية والشعبية التي يتمركز بها أتباع التنظيم الإرهابي وقياداته، خلافًا للحالة الوحشية التي تصدر بها تنظيم «داعش» المشهد السياسي والإعلامي منذ تدشينه رسميًا في يونيو 2014.

فقدَ التنظيم «القاعدي» على مدار الأعوام الماضية، عددًا كبيرًا من قياداته المؤثرة التي تركت فراغًا واسعًا في إشكالية الهيمنة والسيطرة على أفراد وعناصر الكيانات الفرعية الموالية للمرجعية الأم، فضلاً عن أزمة تجفيف منابع الاستقطاب، وفشل القيادات في ضم عناصر جديدة تتم صبغتها بالرؤية الفقهية والفكرية والتنظيمية للمدرسة الأولى التي تربعت على قمة الكيانات الإرهابية منذ ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي.

في مقابل توسّع التنظيم «الداعشي» في نفوذه وتمدده جغرافيًا وبشريًا من خلال شبكة منتشرة تعمل على تجنيد أجيال شابة يتم التأثير في قناعاتهم ورؤيتهم الفكرية، ولعل هذا كان واضحًا بقوة من خلال العناصر الإجرامية التي نفذت عملية ذبح مدرس التاريخ الفرنسي، وعملية كنيسة نيس في فرنسا، وعملية فيينا، إذ تراوح أعمارهم بين 18 و 21 عامًا، ما يعني أن تنظيم «داعش» ما زال متفوقًا على تنظيم «القاعدة»، من قدرته على مغازلة قطاع شبابي تأثر بتوجهاته المنحرفة فكرياً وعقائديًا.

إقرأ أيضًا

وزارة الخزانة الأمريكية توسع عقوباتها ضد روسيا| فيديو

الخسائر البشرية للتنظيم «القاعدي»، جعلته يفشل في تنفيذ تراتبية تنظيمية للحفاظ على البناء الهيكلي، وضعها مجلس شورى التنظيم في الفترة ما بين عامي 2013 و2014، في حال مقتل أو وفاة الظواهري، يتم من خلالها اختيار القيادات المحركة للتنظيم من بعده، تفاديًا للصدامات والانشقاقات التي ربما تعصف بمصير الكيان المسلح وتعجل بنهايته.

فوفقًا للوثائق المسرّبة من داخل الكيان التنظيمي، كان في مقدمة هذه القيادات عبدالله محمد رجب عبدالرحمن، المكنى بـ«أبو الخير المصري»، والذي تم استهدافه في فبراير 2017 بغارة أمريكية في سوريا، ويليه عبد الله أحمد عبد الله، الشهير بـ»أبو محمد المصري»، نائب الظواهري، الذي تم استهدافه منذ وقت قصير برفقة ابنته مريم زوجة حمزة بن لادن، داخل إيران، في أكتوبر 2020 على يد عملاء إسرائيليين، وفقا لما كشفت الاستخبارات الأمريكية لصحيفة «نيويورك تايمز».

وتبعه «سيف العدل»، المسؤول العسكري للتنظيم، الذي ما زال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة، والمرجح وجوده في العمق  بين الإيراني، فضلاً عن تأكيد بعض التقارير الاستخباراتية تنقّله في العمق الإفريقي، لترتيب المشهد «القاعدي» نظرًا لعلاقاته المتشعبة بعدد من القبائل الصومالية تحديدًا. وجاء في التراتبية التنظيمية، ناصر الوحيشي أو «أبو بصير»، الذي تم استهدافه في غارة لطائرة من دون طيار، في حضرموت شرق اليمن، في 12 يونيو 2015.

استهداف القيادات المؤثرة داخل تنظيم «القاعدة» لم يتوقف عند هذا الحد، لكن شمل ملف الخسائر البشرية، قاسم الريمي المكنى بـ«أبو هريرة الصنعاني»، الذي تولى قيادة فرع «القاعدة في اليمن» عام 2015، وتم قتله خلال غارة أمريكية في يناير 2020، ليخلفه خالد بن عمر باطرفي.

وكذلك مقتل حسام عبدالرؤوف، المكنى بـ«أبو محسن المصري»، المسؤول الإعلامي داخل التنظيم، في أكتوبر 2020، على يد السلطات الأفغانية، واستهداف علي مايشو، المكنى بـ«أبو عبدالرحمن المغربي»، القيادي في «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة» بمنطقة الساحل والصحراء في إفريقيا في سبتمبر 2019، ومقتل جمال عكاشة المعروف بـ«يحيى أبو الهمام» أمير إمارة الصحراء، التابعة للتنظيم في «المغرب العربي» في فبراير 2019. فضلاً عن مقتل عبد المالك دروكدال، المعروف بـ»أبو مصعب عبدالودود»، زعيم تنظيم «القاعدة في المغرب العربي»، في عملية للقوات الفرنسية بمالي في يونيو 2020، ومقتل أبو محمد السوداني، أحد قيادات تنظيم «حراس الدين» الموالي لتنظيم «القاعدة»  في سوريا، وكان من الشخصيات المقربة من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، في أكتوبر 2020.

استغل تنظيم «القاعدة» المعركة الدائرة بين قوات التحالف الأمريكي وتنظيم «داعش»، في محاولة لتوسيع قاعدته التنظيمية من خلال بناء تحالفات استراتيجية مع مجموعة من الجهات الفاعلة الحكومية في بعض المنطقة التي يتمركز فيها، في مقدمها الجانب الإيراني، الذي وفر ملاذًا آمنًا للتنظيم منذ أسامة بن لادن وليس مرحلة الظواهري فقط، ورغم مرور هذه العلاقة بحالة من التوترات على أكثر من مستوى لكنها عادت لقوتها من خلال عقد صفقات سرية بحسب وزارة الخزانة الأمريكية، سمحت للتنظيم باستخدام الأراضي الإيرانية، أو على الأقل عبر الطرق الجغرافية التي تتيحها الأراضي الإيرانية، لحماية قياداته وسهولة تحويل وتقديم الدعم المالي، وتنقل عملائه بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

اتخذ تنظيم «القاعدة» منطقة الحدود الباكستانية - الأفغانية مع امتدادها داخل إيران، مقرًا لما يعرف بـ»القيادة العامة»، محاولاً الانتشار بين ريف أفغانستان ودول آسيا الوسطى، وصولاً إلى منطقة الساحل والصحراء، وشمال إفريقيا وشرقها.

وفقاً لإحصائيات مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، انتشرت فروع «القاعدة» في العديد من بقع الجغرافيا السياسية، في مقدمها، فرع «القاعدة في بلاد المغرب العربي»، الذي تأسس عام 2006 عندما انضمت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية إلى تنظيم «القاعدة»، قبل انتقالها إلى الساحل وغرب إفريقيا، بعد حملة أمنية شنتها القوات الجزائرية.

يليها فرع «القاعدة في شبه جزيرة العرب»، وكذلك «القاعدة في شبه القارة الهندية»، وتأسس في سبتمبر 2014، ويعمل في أفغانستان وباكستان والهند وميانمار (بورما) وبنجلادش، فضلاً عن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التي تشكلت في مارس 2017 باندماج عدد من الجماعات المسلحة في مالي وغرب إفريقيا.

وكذلك «حركة الشباب الصومالية»، التي أعلنت ولاءها لتنظيم «القاعدة» عام 2012، وتنشط في الصومال وشرق إفريقيا، إلى جانب تنظيم «حراس الدين»، الذي تم إعلانه في سوريا وتشكّل من العناصر التي انشقت عن «هيئة تحرير الشام»، عقب قرار «أبو محمد الجولاني» بفك الارتباط بين «الهيئة» وتنظيم «القاعدة» في فبراير 2018، انتهاء بجماعة «جند الإسلام» التي تمثل تنظيم «القاعدة» في شبه جزيرة سيناء بعد مبايعة تنظيم «أنصار بيت المقدس» للبغدادي وتحوله إلى «ولاية سيناء».

رغم مختلف المؤشرات التي توحي بقرب نهاية تنظيم «القاعدة» وانحداره في شكل كبير، يظل محمد صلاح زيدان، المكنى بـ»سيف العدل»، المولود في مصر عام 1963، أحد مكونات معادلة البقاء والتمدد لكونه يمثل المرجع والخبير العسكري المؤثر في قطاع وفروع التنظيم التي أصابتها الهشاشة والتفكك.  
«سيف العدل» ارتبط بتنظيم «الجهاد المصري»، وفقًا للمعلومات التي ذكرها برنامج مكافحة الاٍرهاب الأمريكي، وعمل خبيرًا لصناعة المتفجرات، ومسؤولاً عن «اللجنة الأمنية» لتنظيم بن لادن، وكان من المقربين من الملا عمر حاكم «طالبان» أثناء إقامته في قندهار.

في مايو 1987، أُلقي القبض على «سيف العدل»، في القضية المعروفة إعلاميًا بـ»إعادة احياء تنظيم الجهاد»، والتورط في محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن أبو باشا، قبل أن يُطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة، ليهرب إلى السعودية، ومنها إلى السودان، ثم إلى أفغانستان عام 1989، ويقرر الانضمام إلى تنظيم «القاعدة».

الكثير من الأسس والخبرات والتجارب وضعها «سيف العدل»، لتنظيم القاعدة والتي أصبحت في ما بعد مرجعًا للتنظيمات الإرهابية، مثل طرق تنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات، والرصد والمتابعات، وكيفية استهداف العناصر المراد اغتيالها؛ ففي بداية التسعينات من القرن الماضي، سافر «سيف العدل» إلى الصومال لإقامة معسكرات تدريبية للمسلحين، لاستهداف قوات حفظ السلام، لا سيما الأمريكيين منهم، وحينها وجهت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، تهمة التورط في قتل 18 مجندًا أمريكيًا في مقديشو عام 1993.

عرضت واشنطن، مكافأة قدرها خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى اعتقاله، ووضعت اسمه على قائمة مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لأبرز الإرهابيين المطلوبين.

خلال الاجتياح الأمريكي لأفغانستان بعد حوادث 11 سبتمبر 2001، اتجه «سيف العدل» برفقة عدد من قيادات «القاعدة» إلى إيران، في إطار تفاهمات بين الجانبين، ومنها تمكن من الإشراف على مجموعة من العمليات الإرهابية المنسوبة للتنظيم، وأدى دورًا مهمًا في تفجيرات الرياض في مايو 2003، ما دفع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة للضغط على طهران لسجنه، وبالفعل تم وضعه تحت الإقامة الجبرية.

وفي 19 سبتمبر 2015، كشفت تقارير الاستخباراتية الأمريكية، أن طهران أبرمت صفقة سرية مع تنظيم «القاعدة»، لإطلاق سراح (5) من قياداته، وضعتهم قيد الإقامة الجبرية، بعد غزو القوات الأمريكية معظم الأراضي الأفغانية، مقابل تحرير دبلوماسي إيراني كان مختطفًا في اليمن، وكان في مقدمهم «سيف العدل»، قائد الجناح العسكري.

ووفقًا للكثير من التقارير الأمريكية التي تناولت دور «سيف العدل»، في محاولة إحياء تنظيم «القاعدة»، وإعادته للتموضع الجغرافي، أشارت إلى تنقله بين المناطق الأفريقية، بهدف هيكلة الفروع وضمان ولائها، وتحويلها الى مرتكز من خلال إقامة تحالفات مع عدد من الحركات المسلحة التي تميل للمنحى الفكري «القاعدي»، فضلاً عن عرقلة مساعي تنظيم «داعش» في استمالة أفرادها وقياداتها.

تزوج «سيف العدل»، من ابنة التكفيري المصري، المدرج من قبل الخزانة الأمريكية على قائمة الإرهاب الدولي، مصطفى حامد الشهير بـ»أبو الوليد المصري»، أو «شيخ المجاهدين العرب»، الذي عمل مراسلاً لقناة «الجزيرة» في قندهار ما بين عامي 1998- 2001، وانتقل للإقامة في إيران عام 2002، وظل فيها حتى عاد إلى القاهرة عام 2011، ومنها إلى قطر عام 2013، ليستقر به الحال مرة أخرى في إيران منذ عام 2016.