عسل في الكوز

عبدالصبور بدر يكتب: مواجهة مباشرة مع الموت

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: عبدالصبور بدر

كنت أظن أنني سأموت في الثلاثين، وأنا في صحة جيدة، حتى أذهب إلى الحياة الأخرى في كامل لياقتي، من خلال حادث مروري، تصادم، أو دهس، وتمنيت أن تنتهي المسألة سريعا، بدون ألم.

أخشى – دائما - أن أموت غريقا، أو مخنوقا، وأظن أن هاتين الطريقتين هما الأبشع، ما يجعلني أتعاطف دائما مع المحكوم عليهم بالإعدام شنقا، وشعرت بالامتنان لأنني أتيت  إلى هذا العالم بعد انتهاء زمن الرق والعبودية، فلدي يقين أنني لو ولدت في تلك العصور، فسوف أقع أسيرا لدى رجل متوحش لا يتوقف عن تعذيبي وهو يضع رأسي في الماء المغلي، ويجلدني بالسياط، ويكويني بالنار في كل جزء من جسدي، ويجعلني أتمنى الموت ولا أصل إليه، وربما لهذا السبب تابعت فيديوهات الحرق والذبح والقتل التي قام بها فريق "داعش" بقلق شديد خوفا من أن أكون الضحية القادمة!.

قبل سنوات أصبت بمرض جعلني في مواجهة مباشرة مع الموت، لحظتها بكيت بشدة كطفل، واكتشفت – فجأة -  أنني أحب الحياة، ولدي أحلام لم تتحقق، وفي حاجة ماسة إلى تأجيل الأمر لبضع سنوات، وقد كان.

في المرة الثانية التي داهمني فيها المرض اللعين شعرت بسخافة الموت، لأنه يطرق الباب دون استئذان، بعد أن أسقطته تماما من حساباتي، جاء كدائن يطالبني بالدفع ويذكر ني بأن اليوم هو الموعد النهائي، وعلىّ أن أكون رجلا وأنفذ اتفاقي.

كان سخيفا لدرجة جعلتني أتعالى عن النقاش معه، ومستعد لتسليمه روحي بدون فصال، ولكنه لم يكن قد حضر إلا من أجل المصافحة، ومضى، وكأنه يطوق عنقي بدين جديد. 

الاقتراب من الموت، يجعلك تشعر أنك عابر سبيل في دنيا لا تحترم رغبتك في الخلود،  يحولك إلى سلعة في سوق تعاملاتك، المحب يريد أن يشتريك بكل ما يملك، لأنه لا يتخيل حياته بدونك، والشامت يبيعك بالرخيص، لأنك تذكره بفشله، والفريق الثالث والأكبر ليس مهتما بك، ولا يعنيه إن كنت ستظل على قيد الحياة أو في سجلات الراحلين. 

أما الآن فقد أدركت أن الموت هو الحقيقة الوحيدة المظلومة، في دنيا تسخّر كل إمكانياتها لإنصاف الأكاذيب.