كنوز| حسين رياض فى مرآة الشاعر الكبير صالح جودت

حسين رياض مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فى «شارع الحب»- صالح جودت
حسين رياض مع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فى «شارع الحب»- صالح جودت

مرت علينا يوم الأحد الماضى الذكرى 57 لرحيل أطيب وأحن أب ظهر على شاشة السينما برغم ما قدمه من أدوار أخرى متنوعة فى مشواره الفنى، لكنه مرتبط فى أذهان المشاهدين بالأب الطيب، إنه الفنان القدير حسين رياض المولود فى عام 1897 والذى رحل عنا فى 17 يوليو 1965 عن عمر يناهز 68 سنة، وفى ذكرى رحيله نستعيد ما كتبه عنه الشاعر الكبير صالح جودت الذى يقول فيه : 

ما أهون حرفة الفن فى هذه الأيام، يقيم الفنان فى شقة فاخرة، أو فيلا أنيقة، ويؤثثها بأفخر الرياش، وفى انتظاره عند بابها سيارة بويك، أو كلاديلاك، أجل.. هكذا يحيا أهل الفن فى هذا الجيل رحم الله الجيل الماضى، لقد كان أعلام الفن فيه يتضورون جوعا، تضيق بهم العاصمة، فيلتمسون الرزق فى جولاتهم بالريف، يقيمون مسارح من الهشيم، فإذا جن الليل عليهم، احتشدوا فى القاعة المتواضعة جماعات جماعات، يتقاسمون المخدع الواحد، والغطاء الواحد، والرغيف الواحد! وكانوا يتصوفون ويتنسكون ويتبتلون فى سبيل الفن.

ومن هؤلاء كان الشيخ أحمد الشامى رحمه الله، على يديه وفى مسرحه المتنقل، تخرجت خير فئة يشير إليها المجد بالبنان، وفى طليعتهم اليوم نجمنا حسين رياض، إنه واحد من أساطين المسرح وأمجاد الفن، هجر مدرسته وألقى وراء ظهره بالخطة التى اختطها له والداه، وتسلل الى دنيا الفن وانتهى الى ذلك المسرح العريق فى دار التمثيل العربى، حيث كانت فرقة منيرة المهدية تضم أعلام التمثيل فى ذلك العهد.

ثم كان البعث المسرحى على يد يوسف وهبى حين انشأ فرقة رمسيس سنة 1923، فكان حسين رياض فى الطليعة من كواكب هذا المسرح مع شقيقه فؤاد شفيق، وعباس فارس وزكى رستم واحمد علام وبقية هؤلاء الأعلام، وخبا الشعاع الأول من شمس فرقة «رمسيس» يوم انشقت عليه الممثلة فاطمة رشدى مع عزيز عيد، فلحق بهما حسين رياض، ودارت الايام، وحسين يدور معها من فرقة فاطمة الى رمسيس مرة أخرى.

ثم الى اتحاد الممثلين، ثم الى الفرقة القومية، ثم الى الفرقة المصرية، ثم الى الفرقة المصرية الحديثة...

أنا لا أعرف شيئا عن «الماسونية»، ولقد حاولت كثيرا أن أعرف شيئا عنها من غير طائل، فإن أبناء الماسونية يصونون أسرارها صيانة حازمة، والحق أقول إن حب الاستطلاع لم يكن هو الحافز لى على محاولة التعرف بأسرار الماسونية، وإنما الذى حفزنى الى ذلك، منذ أن تفتحت عيناى على دنيا الفن، معرفتى بأن حسين رياض من أساطين الماسونية، وله فيها رتبة مقدرة باعتباره المرشد الثانى الذى جلس على كرسى سليمان فى المحفل الماسونى المصرى، ومنذ يومئذ قلت لنفسى لابد أن يكون فى هذه الماسونية شىء من الفن!

ومن الجائز أن يكون حسين رياض قد تأثر بمدرسة من مدارس الفن، وهى كثيرة، فهناك مدرسة جورج أبيض، وهناك مدرسة يوسف وهبى، وهناك مدرسة المرحوم عزيز عيد، ولكل من هذه المدارس خصائصها، ومن الجائز أن يكون قد تأثر بإحدى هذه المدارس بعض التأثر، ولكن الذى لا شك فيه، أنه فنان يتميز بأصالته، وطابعه الخاص، حتى ليخيل إلىّ إذ أراه فى بعض أدواره الخالدة، أنه مدرسة مستقلة، لا تقترب من أحد ولا يقترب منها أحد!

فى وجهه تعبير قوى قوامه الصدق لا المبالغة، فيه قسمات شديدة الحساسية لكل كلمة وكل انفعال، فهو يستطيع أن يعبر عن كل شىء عندما يقف على المسرح حتى ولو لم يتكلم، ومع هذا، فإنه حينما يتكلم على المسرح، فإنك تجد فى صوته المتهدج البطىء سر عظمة هذا الممثل العظيم، والغريب أن جهال النقاد يقولون: «لولا صوته لكان كذا وكذا..، ولكنهم يجهلون أن هذا التهدج الجبار فى صوته هو الذى تتهدج له أوتار قلوب الجماهير!».

خُلق حسين رياض لدور الرجل الطيب القلب، ذلك لأنه، كما أسلفت القول صاحب وجه قوام تعبيره الصدق، فلو أسند اليه دور من أدوار الالتواء والمخاللة لخانه وجهه! ولكن.. هل هذه الطيبة هى طبيعة هذا الممثل العظيم، أم هى الروح التى تتقمصه إذا وجد نفسه على المسرح أو أمام الكاميرا ؟! وهذا ما أترك الجواب عنه لمن عرفوه عن كثب، واختلطلوا به فى حياة النهار وحياة الليل..

قلت إن حسين رياض تقلب على مختلف الفرق والمسارح، وكذلك تقلب على مختلف الأدوار، فمثل دور العاشق، ودور الأمير، ودور الصعلوك، ودور التأثر، ومارس الكوميديا والدراما والتراجيديا والميلو دراما، كل شيء، ولقد رأيته مرة فى دورعبد أسود، ومرة أخرى فى دور «السورى» الذى حاول أن يسد به فراغ المرحوم بشارة واكيم، وفى عقيدتى أنه لم يكن مختارا فى هذه الأدوار جميعا، فإن الممثل الذى يستطيع أن يحسن كل دور، لا يستطيع أن يصعد الى القمة ابداً، ولكن حسين رياض مجد من أمجاد المسرح، وصل الى القمة منذ جيل كامل، فلابد أنه لم يحسن كل هذه الأدوار، لأن الطبيعة هيأته، خير ما هيأته، لدور «الجراند بريميه» ذى الطبيعة الهادئة الجادة لا العابثة ولا الماجنة، وفى هذا الدور، لا يستطيع أن يقف أمامه أى ممثل آخر !

صالح جودت مجلة «الكواكب» - 1954

إقرأ أيضاً|فيديو| أحمد موسى: «حان وقت حساب كل عميل ينتمي لعصابة الإخوان الماسونية»