على قد الفكرة

هشام مبارك يكتب .. «فرح ياسر» !

الكاتب الصحفي هشام مبارك
الكاتب الصحفي هشام مبارك

مدين بالاعتذار أنا مرة ثانية عما كتبت من قبل عن هجرة غالبية شبابنا للقراءة, خاصة القراءة التقليدية للكتب والجرائد والمجلات.

فمنذ أن تناولت في هذا المكان قضية غروب شمس الكلمة المطبوعة واللجوء للإنترنت بديلا عنها, أتلقى يوميا عشرات الرسائل يعترض أصحابها على ويؤكدون على أن الكلمة المطبوعة ستظل دائما موجودة ولها عشاقها حتى وإن تراجعت قليلا بفضل ثورة السوشيال ميديا.

كان من الطبيعى أن يكون أغلب أصحاب هذه الرسائل من العواجيز أمثالي ممن لم يتبق فى قطار العمر بالنسبة لهم إلا أقل القليل، لكن المفاجأة الحقيقية بالنسبة لى هى فى وجود عدد لا بأس به كتبة شباب وشابات تقل أعمارهم عن ثلاثين عاما, بل وأقل من عشرين عاما فى بعض الأحيان.

وقد سعدت سعادة كبيرة عندما تلقيت منذ أيام رسالة من والدة قارئة من مواليد 16 يوليو عام 2005, أي أنها تكمل اليوم سبعة عشر ربيعا، فاجئتنى في رسالتها بأن ابنتها تعشق القراءة والكتابة منذ نعومة أظفارها، لدرجة أنها أرسلت لي مخطوطا بيد الابنة فرح كتبته في كراستها بتاريخ 15 يناير عام 2017 أي منذ أن كان عمرها 13 سنة كتبت تقول فيه:"عندما كنت ألعب بدراجتي تعلمت أن المهارة من الفروع الأساسية في الحياة لأنني عندما كنت أقودها بدون مهارة خدعتنى وكدت أقع,فعلمت أنه حتى تغلب أي خادع يجب أن تكون عندك مهارة.

ويبدو أن كلمات  الطفلة فرح ياسر فى ذلك الوقت لم تكن مجرد كلمات بل جعلتها شعارا لها في حياتها حيث أحبت القراءة وجعلتها هوايتها الأولى.أعتقد أن وجود انسان أقرب للطفولة من الشباب ويعشق القراءة هو حدث عظيم يستحق الاحتفاء.ومن الواضح أن فرح اتخذت من القراءة طريقة لتحقيق حلمها فى الكتابة والتعبير عن مشاعرها تجاه أى قضية.

وقد لفتت نظرى رسالة والدة فرح إلى أن غالبية الصحف إن لم يكن كلها مع الأسف لم تعد تهتم بنشر إنتاج المواهب الشابة كما كان يحدث في الماضي القريب.إما لضيق المساحة وتقلص عدد الصفحات المطبوعة, وإما لعدم إيمان الصحف والمجلات حاليا بقضية تبنى المواهب الشابة وتوجيهها للطريق الصحيح لتنمية تلك المواهب ورعايتها.

جدير بالذكر أن تلك الأبواب الصحفية كانت بداية الطريق لكثير من الأسماء اللامعة حاليا فى مجال الأدب والكتابة بشكل عام.لا أعتقد مثلا أن هناك صحفيا غاوى صحافة لم تبدأ علاقته بالكتابة فى بريد القراء عندما كان طالبا منذ المرحلة الثانوية أو الجامعية على أكثر تقدير.

وإيمانا منى بأن نشر إنتاج المواهب الشابة هو حق لهم علينا فقد اخترت هذه الخواطر من مجموعة خواطر كتبتها فرح ياسر لنشرها اليوم فى عيد ميلادها السابع عشر تشجيعا لها ولغيرها من المواهب لعلنا نساعدهم فى السير على الطريق الصحيح.وإذا كانت المساحة عائقا  في الصحف الورقية فالحمد لله ليست لدينا مشكلة هنا فى النشر الإلكترونى الذي هو أرحب وأوسع.وهي فرصة لنشد على يد كل موهوب وننشر بعض انتاجه للناس.تقول فرح فى خاطرتها:

قصتي عن  هَرِمٍ  أنهكته أيامه

وولد لا يعرف قوامه

ودنيا أهلكت كبير بخبرتها

و خدعت صغير بمظهرها

كبير أهلكته الدنيا بمتاعبها

وصغير خدعته برونقها

و أشخاص أهلكتهم الدنيا بحساباتها

وتفكير في الحال والمال

ونسيان لراحة البال

و أشخاص تعيش في دلال

وأشخاص تعيش في إذلال

و أُصَلاء و أنذال

وعيش حرام و عيش حلال

عن أناسٍ لم تجد الراحة

واناس تفكر بالراحة

وحمل كبير كحمل تله

اناس تسقط من القمة

اناس تدعس بدون رحمة

اناس نيام

ودنيا تأكل الجميع بشراهة

وانيابها كأنياب الأسود

يوجد من يراها طريق مسدود

ويوجد من يراها كالعنب في العنقود

يوجد من يراها فقط نقود

يوجد من يراها تذهب وتعود

و يوجد من يراها كالورود

تذبل وتموت

يوجد من يراها لها حدود

ويوجد من يراها بغير قيود

و ها نحن نقص من خيط التجارب المسرود

بالطبع أترك الحكم على خواطر فرح للمتخصصين فى الشعر والنثر لكن من وجهة نظرى المتواضعة أن كلمات فرح ياسر ربما تعكس رؤية متشائمة إلى حد ما وغريبة على من هو فى عمرها.لكنها رؤية واقعية تظهر فلسفة الجيل الجديد ونظرته للحياة وللناس.جيل يري نفسه وصل للمسيب والهرم قبل حتى أن يصل لمرحلة الشباب !.وطبعا لست فى حاجة لنصح فرح بأن تقرأ أكثر مما تكتب فهى النصيحة الذهبية التي يقدمها أى كاتب لكل من يفكر في احتراف الكتابة والتعبير عن مشاعره بالحروف والكلمات.أديب مصر العالمى نجيب محفوظ ظل لآخر عمره يخصص عدد ساعات يوميا للقراءة أضعاف الوقت الذي يمسك فيه بالقلم ليكتب.

سنة جديدة سعيدة عليك  "فرح ياسر "وشكرا لك على فهمك العميق للمهارة وكيفية تنميتها.فهي سر النجاح والتميز.وأهلا ومرحبا بكل فرح جديد يمسك بالورقة والقلم ويضيف جديدا للكلمة المكتوبة.

[email protected]