رحلة مواطن مع حرف الياء !

هشام مبارك
هشام مبارك

رجل توفيت زوجته فذهب بكامل إرادته للتعامل مع الجهات الحكومية ودار هذا الحوار على يومين مختلفين مع الموظفين الجالسين خلف شاشات الكومبيوتر الذكى فى مصر الرقمية:
(اليوم الأول)
- صباح الخير يافندم أنا مراتى توفيت لرحمة الله تعالى وعايز أعمل الإجراءات اللازمة يعنى علشان تتشال من بطاقة التموين.
- حالاً أيها المواطن الصالح العظيم,,ثانية واحدة كده..تك تك تك خلاص شلناها وشكرا لك يامواطن لأنك قدوة لغيرك,يا سلام ياولاد هم دول ولاد البلد الحقيقيين

(اليوم الثانى)
- صباح الخير يافندم أنا مراتى توفيت لرحمة الله تعالى وبيتخصم من معاشى حوالى 90 جنيها تأمين صحى فكنت عايز لو فيها اساءة أدب يعنى ترجعولى التسعين جنيه!

- بتقول إيه أيها المواطن الطالح؟! انت فاكرها سايبه ولا فوضى,,عايز تسترد من الحكومة تسعين جنيه بحالهم كده بمجرد انك تيجى تقول مراتك ماتت؟ أنا مش عارف الناس عايزه إيه من البلد؟!

هذه ليست حوارات خيالية ولكنها حدثت بالفعل مع الاستاذ فتحى فؤاد من رجال التربية والتعليم السابقين بمدينة البياضية بالأقصر وهو حاليا على المعاش وهو مواطن صالح,عاش طيلة عمره موظفا نموذجيا,ولا يزال يطيع الحكومة طاعة عمياء موقنا بأنها حتما تعرف مصلحتنا أكثر منا, فالمواطن منا بالنسبة للحكومة هو زكى قدرة الذى يطيع الأوامر,فإذا قالت الحكومة,ادفع يا زكى قدرة,يدفع زكى قدرة,وإذا قالت ادفع كمان وكمان يدفع كمان كمان, فهو بالتأكيد لا يناقش الحكومة لأنه مدرك تماما قيمة تلك الحكومة حامدا ربه أنه وهبنا حكومة تتحمل المواطن منا وهى اصلا تعتبر المواطن المصرى كذلك الرجل الأبكم الذى لا يقدر على شيء وهو كل على الحكومة أينما توجهه لا يأت بخير.المهم أن هذا الرجل الذى أوشك أن ينهى العقد السادس من عمره ويعانى بطبيعة الحال من غالبية أمراض الشيخوخة لم يكذب الخبر وسارع بتسجيل اسمه وزوجته وابنه فى منظومة التأمين الصحى بالأقصر وبدأت الحكومة خصم مبلغ شهرى من معاشه وفى لمح البصر تم حذف اسم السيدة من بطاقة التموين فلما أراد أن يسترد ما يتم خصمه من المعاش تحت بند التأمين الصحى فوجيء بموظفة التأمينات تطلب 7 مستندات وهى قيد عائلى وصور الرقم القومى وشهادات ميلاد للقاصرين ووثيقة زواج للأبناء و برنت التأمينات الاجتماعية للعائل وكذلك للزوجة والأبناء العاملين وموقف التجنيد, لأن المواطن كما قلت لكم يطيع الأوامر ولا يناقش ولا يجادل توجه إلى سجل مدنى الأقصر لاستخراج القيد العائلى ومعه صور المستندات التى وضعها الموظف تحت الميكروسكوب قبل أن يصيح فرحا وجدتها وجدتها:اسم المرحومة يا عزيزى المواطن فى شهادة الميلاد وشهادة الوفاة مكتوب: سليمى وهو الاسم الصحيح اى تصغير سلمى بينما فى قسيمة الزواج مكتوب سلمى بدون حرف الياء! فما العمل؟سأل المواطن الموظف الذى رفع حاجبيه مستنكرا السؤال وقال بثقة:عليك التوجه فورا لسجل مدنى مدينة البياضية بالأقصر لتصحيح اسم المرحومة.وبعد أن فحص الموظف الجديد الأوراق طلب من المواطن أن يأتى بوثيقة الزواج الورقية وكانت المفاجأة أن الاسم فيها سليمى لكن يبدو أن الموظف الذى كان يغذى الكمبيوتر ببيانات تلك القسيمة فى ذلك الزمان لم يقتنع أن هناك اسم سليمى فقرر من تلقاء نفسه أن يحذف الياء ويسميها سلمى وليس سليمى!

ما العمل إذن؟ سأل المواطن الذى كان قد داخ السبع دوخات بين دواوين الموظفين, فرد الموظف بثقة: أبدا الموضوع بسيط اذهب إلى محكمة الأسرة و..... وقبل أن يتم كلامه كان ضغط دم المواطن قد ارتفع وكاد أن يقع على الأرض لولا أن أنقذه بعض المواطنين الواقفين فى الطابور منتظرين حصتهم من التعذيب مع الروتين واللوائح العقيمة.. السؤال الآن لا يتعلق بحاجة الرجل للمبلغ من عدمه فهو مستور والحمد لله لكنها مسألة حقوق حتى وإن كان المبلغ بسيطا,فهل من مسؤول منصف يقول لنا كيف يمكن انصاف مواطن كل مشكلته أن موظفا لم يقتنع باسم سليمى فجعله سلمى؟