كنوز | الأحلام المستحيلة !

 محمود السعدنى
محمود السعدنى

محمود السعدنى

كل الناس تعيش وتحلم، وكلهم يجرى ويعرق من أجل تحقيق الأحلام، وأحياناً يصيب وأحياناً يخيب.. ولكن أغرب المصادفات أنه - غالباً - عندما يتحقق حلمه يسقط ميتاً فجأة وبلا مقدمات!..

مات وكأن حلمه كان هو الخيط الذى يشده إلى الحياة، فإذا تحقق الحلم انقطع الخيط وضاع فى الكازوزة يا ولداه!

أعرف محامياً شاباً كان يعانى من ضيق ذات اليد، وكان يحلم برصيد يكفيه شر العمل والسعى على لقمة العيش.

ابتسمت له الحياة عندما اختارته الصدفة ليكون وكيل أعمال البوليس الدولى فى سيناء، وصار المحامى مليونيراً فى ظرف ثلاث سنوات، وعلى الفور قام بتصفية مكتب المحاماة الذى كان يديره، ووزّع الثروة على ولديه، وأبقى لنفسه ما يكفيه للفسحة والتجول عبر القارات.

قرر أن يقوم بأولى جولاته فى أمريكا اللاتينية، وحجز التذاكر واستخرج الشيكات السياحية المطلوبة، واشترى الملابس المناسبة للشتاء والصيف.. وقبل الموعد المحدد لبدء الرحلة بيوم، سقط المحامى الثرى ميتاً بدون أسباب!

>>>

حدث نفس الشىء مع نجم مشهور هو أنور وجدى.. كان أنور وجدى فقيراً فى شبابه، لدرجة أنه اضطر إلى التهام قطعة عجين ليسكت عصافير بطنه، وكان ينام أحياناً فى كواليس المسرح، وأحياناً يفترش الأرض ويتغطى بنجوم الليل!

كان حلمه الوحيد أن يصبح يوماً ما مليونيراً ينثر الجنيهات ويوزع الشيكات.. وقيل له يوماً إن الممثل فلان يملك مليون جنيه ويعانى من مرض السرطان، فقال.. أتمنى أن أحل محله، أمتلك المليون وأعانى من السرطان!.. 

وتحقق حلم أنور وجدى فأصبح ثرياً ألمعياً ومليونيراً بنكيراً، ومريضاً مرضاً خبيثاً، حرمه لذة الأكل، وحرمه نعمة النوم، ثم ما لبث أن ترك الدنيا كلها وتوكل على الذى لا ينام!

>>>

وأعرف شاعراً بائساً كان يتخذ من قهوة «إيزافتش» محلاً مختاراً له خلال النهار والليل، وكان يرتدى على مدار العام بدلة تيل بيضاء وحذاء أبيض وقميصاً معجوناً بالتراب..

ثم حدث أن التقى الشاعر بثرى عربى من دول الخليج، أنشد فى عظيم خصاله وكثير أمواله قصائد ولا قصائد المتنبى فى سيف الدولة!

وأصبح الشاعر ثرياً ولا أوناسيس، أنيقاً ولا عمر الشريف، وأثرى من وراء قصائده إلى الدرجة التى أتاحت له شراء قصر لنفسه على ضفاف بحيرة جنيف.. وغادر الشاعر مصر واستقر فى عاصمة سويسرا..

وفى أول يوم دخل فيه قصره، وجلس فى الشرفة، مسح بنظره سطح بحيرة جنيف، وبعد أن انتهى من تدخين سيجارته المفضلة وارتشاف آخر رشفة من كأسه، فارق الحياة!

>>>

لذلك يعمر أصحاب الأهداف البعيدة والأحلام المستحيلة، ويموت أصحاب الأحلام الصغيرة والأهداف القصيرة.

ولذلك العبد لله يتمنى عدم تحقيق حلمه إلا بعد مائة عام.. ويبحث عن أحلام بعيدة المدى، ويتعلق بأمل لا يمكن تحقيقه إلا صباح يوم القيامة!. 

من كتاب «وداعاً للطواجن»

إقرأ أيضاً|ملف | «70 سنة أخبار» .. مؤسسة مصطفى وعلى أمين الخيرية ..نبع الخير الذى لا ينضب