أما قبل

لا تقتلوا الشوربجى!

إبراهيم المنيسي
إبراهيم المنيسي

هجرة العقول الذكية ليست جديدة ولا غريبة، وهى أيضا لا تتوقف على مجال بعينه.. لا فرق بين تنامى ظاهرة سفر الأطباء الشبان وغيرهم للعيش والعمل بأوروبا وأمريكا وسفر الرياضيين للاحتراف وربما البقاء بهذه الدول والسعى للحصول على جنسيتها واللعب باسمها. القضية واحدة..

ربما أكون قد أخطأت، شخصيا، بالتسرع فى «تخوين» لاعب الإسكواش الدولى محمد الشوربجى الذى تحصل على الجنسية الإنجليزية ليلعب تحت علمها بعد مسيرة دولية حافلة له مع منتخب مصر أهلته ليكون المصنف الثالث عالميا وينال وسام الجمهورية وعظيم التكريم، ذلك أن لحظة تأمل وتذكر لبعض المشاهد فى دنيا الرياضة المصرية ومعاناة أبطالها وظروفهم وتطلعاتهم، تدفعنا للتريث.. وسحب الاتهام ولو إلى حين!

لا أنسى أبدا ما شهدته فى صيف العام ١٩٩٦ وكنا ضمن بعثة مصر البارالمبية المشاركة فى دورة أتلانتا بالولايات المتحدة، وذات صباح بالقرية الأوليمبية فوجئنا بأن أحد السباحين المعاقين هرب بكرسيه المتحرك من القرية الأوليمبية .. هرب بحلمه ومتاعبه مخترقا الحواجز الأمنية بالقرية الأوليمبية بحثا عن  معيشة أفضل رفقة أصدقاء له سبقوه لشوارع بلاد العم سام.. وتكرر مشهد هروب الرياضيين للخارج والتسرب من البعثات الرياضية، والأسباب متقاربة غالبا..

بالطبع، ظروف بطل الإسكواش المقيم معظم سنوات عمره فى لندن تختلف معيشيا وعلميا عن دوافع معظم هؤلاء الهاربين، لكن تبقى الاعتبارات الإنسانية واحدة والحق فى الاختيار مكفول للجميع.. ولكن يبقى الشوربجى، وكما وصفه الكاتب الصحفى الكبير جلال عارف فى مقالته أمس بالأخبار بأنه جرس إنذار للمسئولين عن الرياضة.

لا تقتلوا الشوربجى  ولكن تعالوا نبحث معا فى كيفية الارتقاء بالوسط الرياضى الطارد للمواهب والمتخلى عن دوره فى رعاية جادة وحقيقية للأبطال..
 الرياضة المصرية تحتاج لمن يثرى إنتاجها ويزيد من طرح ثمارها، على الأقل وفقا للكثافة السكانية والقوى البشرية المهدرة، حتى إذا ما رحل الشوربجى بقى عندنا ألف شوربجى آخر.. وأفضل..

الرياضة المصرية تحتاج للعدالة فى الرعاية بين أبطالها وألعابها، وتوجيه الإنفاق للألعاب الجادة وتفعيل عملية الإنجاب وتوسيع قاعدة الرعاية..
 نحتاج لعمل حقيقى جاد على الأرض وليس لأبطال على الورق الكوشيه ورسومات الكومبيوتر.. وأبطال ماكيت!!

مصر غنية بأبنائها الأبطال المخلصين ويبقى العار للدول الكبرى الباحثة دوما عن أبطال جاهزين وبطولات جاهزة بسرقة عقول وعضلات أبناء دول أنفقوا كثيرا على هؤلاء الأبناء، والعار كل العار للمجتمع الرياضى الدولى وحركته الأوليمبية النبيلة العاجزة  بتشريعاتها عن حماية حقوق هذه الدول والمنبطحة دوما أمام الكبار..
 لا تقتلوا الشوربجى.. فالقضية كبيرة!