صاحبة جائزة «البوكر»: الكتابة مغامرة محفوفة بالقلق والمخاطر.. لهذه الأسباب

.. وفى حوار مع صاحبة «البوكر» جيتانجالى شرى: الكتابة مغامرة محفوفة بالقلق والمرح والمخاطر
.. وفى حوار مع صاحبة «البوكر» جيتانجالى شرى: الكتابة مغامرة محفوفة بالقلق والمرح والمخاطر

حوار: تشينتان جيريش مودى

فى هذا الحوار تتحدث الكاتبة جيتانجالى شرى، عن روايتها «مقبرة الرمال»، والتى ترجمتها للإنجليزية ديزى روكويل، وفازت بجائزة بوكر الدولية لعام 2022.


ما هو شعورك حيال وصول روايتك، «مقبرة الرمال»، لقوائم جائزة البوكر الدولية؟


لا يمكننى وصف شعورى بأقل من كونه شعور رائع. إن معايير البوكر صارمة ومتميزة، واختيار روايتى من قِبلهم، يمنحنى شعور رائع تجاه عملي، كما يمنحنى مسافة إبداعية غريبة من نفسى ومن عملى ككاتبة ويجعلنى أنظر لنفسى ولروايتى بفضول بل وبشيء من الإعجاب. أقول، ولا أرى فى الأمر أى مثالية مبتذلة، أن عمل الكاتب هو الكتابة، ببساطة وإصرار، فى الأوقات العصيبة، والأوقات الطيبة، لحظات البوكر، ولحظات البعد عن بوكر!


تُعد روايتك هى أول كتاب هندى يصل إلى قوائم جائزة بوكر الدولية. برأيك، لماذا لم تصل الكتب المكتوبة باللغة الهندية إلى قوائم الجائزة من قبل؟ 


هذا سؤال قيمته مليون دولار وأريد أن يسمعه الجميع. روايتى ليست أول رواية رائعة مكتوبة باللغة الهندية وتستحق أن تصل إلى قائمة الجائزة بالطبع! هناك أعمال رائعة سبقتني، لكن كم عدد من يعرفونها خارج العالم الهندي؟


أسباب ذلك مرتبطة بالسياسة طبعًا، ولكنها مرتبطة أيضًا بالصعوبات الحقيقية المتعلقة بالموارد والأشخاص المؤهلين وما إلى ذلك، ونحن بحاجة إلى فتح نقاشات مطولة حول الموضوع. الترجمة بين اللغات هى الطريقة الوحيدة كى تظهر هذه الأعمال للنور.


أول الأمر، نحتاج لمواجهة حقيقة أنه فى حالة عدم تحقق هذا الظهور، تظل الكثير من الآداب مجهولة خارج دائرة مقروئيتها المباشرة. وعلينا أيضًا مواجهة حقيقة أنه حتى المثقفين، يفترضون أن ما لم يروه، فهو غير موجود. فى الوقت الحالي، يكفى القول بإنى محظوظة لأنى أتيتُ فى اللحظة التى يمكن فيها «العثور على أعمالي». أود أن أشكر تايلتيد آكسس، وديزي، وأشكر آنى مونتو، أول من التقط رواية «ترجمتها مستحيلة» - كما وصفها أحدهم - وترجمتها إلى الفرنسية.


إذا تأملنا عملية كتابة «مقبرة الرمال»، ما هى الجوانب الأكثر متعة وألمًا أثناء تأليف هذا الكتاب؟


مررت بلحظات من الألم والمتعة بالفعل. الكتابة مغامرة، وخوض تلك المغامرة محفوف بالقلق والمرح والمخاطر وكل شيء. اختبرتُ سلسلة كاملة من المشاعر بداخلى أثناء عملي، بطبيعة الحال. لا يخرج العمل الإبداعى كنتيجة مبرمجة بدقة، فهو ينبت من بذرة، ثم يأخذ لونه وملمسه الخاصَين ويكتُب أيضًا قصته الخاصة. ربما يشرع الكاتب فى العمل، ثم تبدأ الشخصيات وميولها وإمكانياتها فى توجيهه ببطء وثبات. اكتسبت «مقبرة الرمال» مِزاج الحرية مع كل خطوة، وأصبح هذا توجهها، البهجة المرتبطة بتخطى الحدود. هذا ما بدأَت منه وواصَلت بناءه أثناء انكشاف قصتها. على مستويات مختلفة؛ الشخصيات، الصنعة، النوع، القصة، رفضت جميعها الحدود وانتقلت بينها، مؤكدةً على الحق فى الحرية، والاستمتاع بتنوع العالم. لكن الحرية قدر ما هى ملهمة، فهى مقلقة أيضًا. عليك مواصلة الضغط مع الحرص على ألا تتعثر وتسقط. أن تكون مجنونًا لكن فى إطار منهج خاص! تعرضت الرواية لجميع أنواع المنعطفات، وأدهشنى من بينهم تلك التى لم أستطع التنبؤ بها. أمضيت سنوات طويلة - سبع أو ثمان سنوات - فى خلق ذلك العالم الجديد الذى ابتكرته لها، والذى كان ثريًا وتعددى كحال العالم الذى أعيش فيه ولكنه مختلف بعض الشيء. تظهر أصداء الأحداث التاريخية والبشرية الكبرى فى الأحداث اليومية والعادية. بدأَت القصص تُنشئ شبكاتها بتناغُم. أخذتنى الرواية لمنعطفاتٍ ممتعة وأخرى قاسية، وسمعت القصص بأصوات متعددة، بما فى ذلك أصوات الطيور والحيوانات والجمادات، كالأبواب. استمتعت بصخبهم وحزنت لحماقات الإنسان المؤلمة، كالتقسيم. ثم انتهت الرواية. ومع ذلك، لم أسلمها للناشر. لا أعرف لماذا، ربما لأن الصوت الذى يقول «اتركيها» لم يصرخ بداخلى حينها. لم أكن أعمل عليها كثيرًا، لكنها لم تكن جاهزة لتمضي. أذكر تلك الأيام المؤلمة. كان الأمر أشبه بكونِك مُثقلة بحملٍ تجاوز مدته الفعلية ورغم ذلك مازلتِ عاجزة عن الولادة! شعرتُ بالثِقل والرعب والقلق من فشلٍ ما، أو حدوث مضاعفات الولادة، أو أنى سأموت أو ستموت، أصابنى كل هذا باضطراب. ثم جاءت اللحظة واستطعت تقديمها للناشر والتحرر منها وتحريرها مني!


تُرجمت كتبك إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والصربية والكورية. برأيك، ما هى المكاسب والخسائر المصاحبة لترجمة عمل أدبي؟


المترجم الجيد، كما نعلم، لا يحاول نقل النص الأصلى حرفيًا، بل يقوم بنقل إبداعى لنَص من لغة إلى لغة أخرى والثقافة المحيطة بها. أعتقد أننى محظوظة بالمترجمين الذين أعمل معهم، فقد بنوا علاقة معى ومع عملى أولًا، ثم استكملوا العمل بإبداعهم المستقل. أنا أيضًا كنت كاتبة جيدًا بما يكفى أثناء العمل معي! فى بعض اللغات، لم أتمكن مطلقًا من قراءة النص المترجم، لكن ردود أفعال القراء تشير إلى أن الترجمة شديدة الصلة بالنص الأصلي. تتولد طبقات أخرى للتلقى عندما يتردد صدى الترجمة فى بيئة ثقافية مختلفة، والأهم، الحوار المثير الذى ينشأ. وبالنسبة لما الذى يُفقَد؟ ربما الأصوات والروائح والدوامات الخاصة بي!


هل يمكنك مشاركتنا أفكارك حول ترجمة ديزى روكويل؟ ما الذى دفعكِ لتعهدى إليها بترجمة كتابك؟ 


عرفتُ من أشخاص وأماكن أثق برأيهم أنها قامت بعمل رائع، والوصول لبوكر هو أحدث تصديق على ذلك. لو أن الأمر لى وحدي، ربما تشككتُ فى قراري. كما ترى، أنا غير موضوعية، وربما شديدة التعلق بنَصي! ما يساعدك هو العلاقة التى تخلقها مع مترجمك. بسرعة كبيرة، وجدنا أنا وديزى أنفسنا فى حالة من الارتياح، بل ووجدنا أرضية مشتركة. أدت شكوكها وخلافاتها إلى مناقشات مكنتنا من الوصول معًا لحلول، أو حتى الاتفاق على الاختلاف فى بعض الأحيان. الدقة التى تعاملت بها مع النص الهندى كانت واضحة فى الطريقة التى تعبر بها عن شكوكها حتى فيما يخص النقاط أو الكلمات. تأكدتُ بشكل أكبر، من أنها الشخص المناسب. دعم نهجها تلك الثقة. هذا بالإضافة إلى أنها قامت بالفعل بترجمة أعمال خديجة مستور وكريشنا سوبتي، ودرست على يد الشاعر العظيم، وأستاذ الأدب الهندى واللغويات أ. ك. رامانجوان.


ما الذى تعملين عليه حاليا؟ 


أنهيتُ رواية، لكننى أدعُها تجلس هادئة بجانبى الآن.


من هم كُتابك المعاصرون المفضلون؟ 


نعيش الآن فى عالم يتمتع بالوفرة. هذا أمر رائع ومحبط فى الوقت ذاته. قرأت كثيرًا، ولكن بشكل عشوائى فى معظم الأحيان. قائمة كُتابى المفضلين ستظل مفتوحة، تتسع للمزيد من الأعمال المفضلة. ربما أذكر بعض الكُتاب الهنود المعاصرين الذين قرأت لهم وأحببتُ بعض أعمالهم بشكل خاص، وأكتفى بهذا فى الوقت الحالي. حتى هذه القائمة غير مكتملة، وتتألف من: كريشنا سوبتى ، نيرمال فيرما، كريشنا بالديف فايد، فينود كومار شوكل، منصور احتشام، مرينال باندي، مريدولا جارج، ماما كاليا، أخيليش، جيان تشاتورفيدي، سارا راي، ألكا ساراوجي، براتياكشا، نيلاكشى سينغ، تشاندان باندى وغيرهم!

اقرأ ايضا

كيف يُنازل أدب الحرب عوالم الحقيقة والخيال؟