عمرو جلال يكتب: تويوتا مصر.. "كامى" غاضب منكم

عمرو جلال
عمرو جلال

لن أحكى قصص الإنبهار والسحر التى عشتها طوال 14 يوما داخل كوكب اليابان كنت محظوظا أن أزورها عام 2010...هذا البلد يمتلئ بالحكايات والقصص حول تقديس العمل و الأهم هم العملاء... فى أحد أيام العام هناك يزدحم الناس احتفالاً بكامي (kami) أو الإله في ديانة الشينتو... يقوم اليابانيون في هذه الاحتفالات بحمل ضريح متنقل في أرجاء الحي يصاحبه ابتهالات وإنشادات راقصة تعبر عن احد ثقافات هذا البلد وعمقه الحضارى... وفى كتاب "الفن اليابانى فى التسويق" يتم تشبيه العميل بالإله المقدس "كامى" الذي يتفضل على البائع بكونه أحد عملائه... ويصور الشركة بكامل موظفيها بحملة الضريح الذين لا يبتغون شيئاً سوى رضى العميل!

مفهوم التسويق وخدمة العملاء في اليابان يختلف كثيراً عن مفهومه لدى الغرب بل وحتى عن الثقافة العربية... العلاقة ليست مكونة بين أطراف متساوية يملك كل منها حرية الشراء والبيع بناء على قرارات يتخذها بإرادته... بل العلاقة هرمية يكون للعميل القوة والفوقية على البائع وليس العكس... فلولا العميل لما وُجِدت الشركة ولم تحقق أي أرباح... وهذا ما يجعل خدمة العملاء الممتازة أمرا مفروغا منه وإحدى المسلمات في الثقافة اليابانية... كما يؤمن اليابانيون بأهمية رضى العميل التام عن أي مشكلة تحدث... أعتقد أن ذلك هو أحد أسرار عشق المصريين للمنتجات اليابانية... لقد نجحت معظم العلامات اليابانية أن تحصل على ثقة الشعب المصرى وهو ما ترتب عليه أن أصبحت شركة مثل تويوتا مصر الأكثر مبيعا للسيارات فى بلادنا طوال عقود مضت... لكن ما حدث مؤخرا صنع زلزالاً قويا بين الشركة وعدد كبير من عملائها... فى نوفمبر الماضى أحدثت تويوتا مصر ضجة كبيرة فى السوق بعد أن أعلنت عن فتح باب الحجز لسيارة اقتصادية جديدة "تويوتا بيلتا" وبسعر مناسب وهى نتاج شراكة مع "سوزوكي" اليابانية والتى لديها سيارة تحمل نفس المواصفات وحققت نجاحا فى السوق المصرى لعدة أعوام وتم الإتفاق على تبادل «وضع العلامات» على سيارات الشركتين... تويوتا وضعت علامتها على تلك السيارة بزيادة 10 آلاف جنيه عن نفس السيارة التى تحمل فقط علامة سوزوكى لتطرحها فى السوق المصرى واجتذبت فئة كبيرة من المستهلكين الباحثين عن سيارة اقتصادية وبمواصفات اعتمادية فضلا عن توكيل له ثقله وتاريخ من الثقة... اندفع الآلاف من المصريين لحجز السيارة من التوكيل مباشرة وارتضوا بدفع مقدم الحجز وشرط الانتظار 6 أشهر لحين تسليم السيارات... لكن ما حدث كان صدمة غير متوقعة... لقد ترك هؤلاء العملاء كل فرص الشراء المتاحة لسيارات أخرى من أجل ثقتهم فى العلامة اليابانية... مشاكل الاستيراد ليست مهمة العميل... دراسة مخاطر السوق ليست مهمة العميل... مشاكل أزمات التصنيع ليست مهمة العميل... مهمة العميل أن يدفع ثمن السيارة المتفق عليه مسبقا ويحصل عليها بالأضافة الى خدمة ما بعد البيع... لكن وقعت الكارثة وأصبح واضحا أن توكيل تويوتا مصر لم يضع فى حسبانه اى متغيرات طارئة ولم يكن مستعدا لتلبية طلبات الحجز الكبيرة التى اندفعت نحوه وكانت النتيجة أن طلب من عدد كبير من عملائه استرداد مقدم الحجز مع الحصول على فائدة لاتسمن ولاتغنى من جوع ولاتماثل حجم الزيادات الكبيرة على السيارات... نعم الأزمة عامة وهناك توكيلات فعلت المثل لكن هنا نحن نتحدث عن توكيل له باع طويل فى مصر وأسواق العالم ولا يستوى مقارنته بعلامة أخرى لسيارات من الفئات الأقتصادية ذات الاعتمادية.

لقد تحملت تويوتا خسائر بمليارات الدولارات بين عامى 2008 و 2009 بسبب سحبها حوالي 12 مليون سيارة حول العالم إثر اكتشاف مشكلة في نظام السرعة فى سيارات من انتاجها... وقامت باستدعاء تلك السيارات وتحمل تكلفة اصلاحها فضلا عن صرف مبالغ تعويضات كبيرة... كل ذلك من أجل العميل والثقة فى العلامة التجارية التى لاتقدر بثمن... أن التزام تويوتا بتسليم الحاجزين المصريين لسياراتهم هو مطلب من أجل استمرار الثقة بين العلامة والعميل المصرى... ثقة لم تصنعها عقود من الورق بل عقود من التعامل والشفافية والمصداقية والحصول على سيارة ذات جودة وخدمات صيانة يعتمد عليها... لو فرضنا أن تويوتا مصر ستتحمل خسائر بسبب زيادة الدولار التى حدثت مؤخرا فهى لن تتجاوز ثمن حملات أعلانية تنفقها على الترويج لسياراتها فى مصر... أن الحفاظ على ثقة العميل أهم من أعلانات لن تجدى نفعا ولن تكتم أصوات صراخ هؤلاء العملاء الذين باع بعضهم مدخراته الذهبية أو حصل على قرض من أجل شراء سيارة فئة اقتصادية ليعمل عليها وليس من أجل الرفاهية... نطالب تويوتا فى اليابان باستدعاء روح الاله "كامى" لانه بالتأكيد غاضب منكم وعليكم بسبب هؤلاء العملاء الذين احتشدوا أمام جميع معارض وكيلكم فى مصر يطالبون بحقوقهم وهى الحصول على سياراتهم وليس استرداد أموالهم بعد شهور... هم لم يضعوها لدى بنك أو مسثمر ليحصلوا على أرباح منها هم يرغبون فى الحصول على سلعتهم التى وثقوا أنهم سيحصلون عليها منكم مهما كانت الظروف والأزمات ونذكركم أنه لولا العميل لما وجِدت الشركة... ابحثوا عن رضى وثقة العميل قبل أى أرباح... هكذا كانت مبادئكم فكونوا أو لا تكونوا بيننا.

[email protected]