كانت كوكب الشرق أم كلثوم تقرأ القرآن بصوت واثق ومتمكن، قبل أن يبرق نجمها فى الغناء الشرقى، وساعدها فى ذلك إلى جانب صوتها الرخيم إتقانها اللغة العربية، ودرايتها بمواطن النُطق الصحيح ما جعلها تُجيد غناء قصائد الفُصحى لكبار الشعراء، وهو ما بدا بوضوح فى تسجيل نادر لها تقرأ فيه من سورة اإبراهيمب من الآية 38 وحتى الآية 41. وقبل 64 عامًا عرضت اآخرساعةب مقترحًا بمناسبة شهر رمضان الكريم، وهو أن تسجل أم كلثوم القرآن الكريم كاملًا مرتلًا بصوتها، وانقسمت آراء رجال الدين بين مؤيد ورافض للفكرة، التى لم تكن غريبة فى ذلك الزمان، إذ سبق أن كانت هناك سيدات مقرئات للقرآن معتمدات من الإذاعة قبل أن يجرى استبعادهن من دون إبداء أسباب واضحة.. تفاصيل هذا التقرير نعيد نشرها فى السطور التالية:-
قدمت آخرساعة فى الأسبوع الماضى (أوائل مارس 1958) اقتراحًا جريئًا.. كان الاقتراح أن ترتل أم كلثوم جميع سور القرآن بصوتها، وأن تسجِّل هذه السور على أشرطة توزع فى كل مكان فى العالم.. وقالت المجلة فى اقتراحها إن أم كلثوم ترى أن تقوم بهذا العمل مؤسسة كبيرة وهى لن تتقاضى أى أجر عن هذا العمل الذى تقدمه فى سبيل دين الله.. إن اآخرساعةب وهى تنتظر رأى أنور السادات وكمال الدين حسين وشيخ الأزهر، تقدم آراء مفتى الديار وعدد من شيوخ الأزهر والمقرئين.
المفتى حسن مأمون: لا مانع إذا حافظت على قواعد الأداء
قال فضيلة الشيخ حسن مأمون، مفتى الديار المصرية: بحث فقهاء المسلمين فى صوت المرأة، والراجح فى مذهب الإمام أبى حنيفة أن صوت المرأة ليس بعورة، والشريعة الإسلامية لم تفرق فى تكاليفها بين الرجال والنساء، فإذا قرأت المرأة القرآن بصوتها وحافظت على قواعد القراءة والتزمت حدودها ولم تُدخِل فيه شيئًا من الغناء كان ذلك جائزًا ولا شيء فيه.
سيد سابق: المرأة.. يكره أذانها
ويقول الشيخ سيد سابق، مدير الثقافة بوزارة الأوقاف: يقول الفقهاء إن أذان المرأة مكروه شرعًا، ولكن قراءتها للقرآن، ما لم يكن فيها تطييب وخضوع بالقول، فلا مانع منها.. إن كل ما تنهى عنه المرأة هو ما ذكره القرآن الكريم.. افَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًاب.. والخضوع بالقول هو التثنى فى الحديث.
محمد رجب: طريقة لنشر كتاب الله
وقال محمد رجب، مستشار وزارة الأوقاف: رأيى أنه ليس هناك ما يمنع من الناحية الدينية من نشر كتاب الله بهذه الطريقة، لأنه لا فرق بين أن يقرأ القرآن رجل أو سيدة مادام يتبع فى تلاوته أصول القراءات المعتمدة وكان الغرض الأول هو نشر كتاب الله وإذاعة أحكامه ومراميه.
محمد الغزالى: مسموح بشرط ألا تتكسر فى الألحان
فيما يقول الشيخ محمد الغزالي، مدير التفتيش الدينى بوزارة الأوقاف: لا مانع شرعًا من أن تتلو امرأة القرآن تلاوة مجوَّدة تتفق مع أصول الترتيل التى دونها علماء القراءة.. وكل ما يلاحظ فى حديث المرأة أو قراءتها هو ألا يكون فى أنغامها لحن منكسر يخرج بالكلام عن طبيعته الجادة.. وهذه الملاحظة أيضا ينبغى ألا تفوت الرجل.
عبداللطيف السبكى: قراءتها تشبه المقرئين
وقال فضيلة الشيخ عبداللطيف السبكي، مدير التفتيش بالأزهر عضو جماعة كبار العلماء: إن قراءة القرآن بتطريب وتموج فى الصوت على نحو ما نسمعه من أكثر القرَّاء غير متفقٍ مع جلال القرآن، وتحسين الصوت بالقراءة فى حدود الأدب الشرعى أمر مستحسن ديانة، أما ما يراد تسجيله للسيدة أم كلثوم ومع احترامنا لها فما أظنها تستطيع القراءة على الوجه الذى يحتاج إلى رعاية دقيقة فضلاً عن أن جودة صوتها سوف تخرج عن ملاحظة العبرة وتحديد الخشية.
محمود شلتوت: لجنة القراء تبحث الموضوع
فضيلة الشيخ محمود شلتوت، وكيل الأزهر عضو لجنة كبار العلماء رئيس لجنة القراء بالإذاعة، قال: أعتذر لـاآخرساعةب عن إبداء رأيى فى هذا الموضوع الآن لأننى رئيس للجنة القراء، ورأيى إذا ما أعلنته فى الصحف فلا بُد أن أتنحى عن رئاسة اللجنة إذا نظرنا هذا الأمر. ولكن مع ذلك وبعد قراءتى لرأى الأستاذ محمود حسن إسماعيل سأحيل الأمر لبحثه فى لجنة القراء فى الاجتماع المقبل.
مصطفى إسماعيل: اسألوا الإذاعة
أما مقرئ القرآن الكبير، الشيخ مصطفى إسماعيل، فإنه يقول بعد تفكير طويل: أنا شخصيًا لا أرى مانعًا من أن تقوم أم كلثوم بتسجيل آيات الذكر الحكيم كلها وقراءتها، غير أنى أحب أن ألفت نظركم إلى الإجابة عن هذا السؤال: لماذا منعت الإذاعة المصرية منيرة المهدية، ومنعت كريمة العدلية من قراءتهما القرآن عن طريق الإذاعة؟ لماذا منعت هاتين الاثنتين؟ إن الإجابة عن ذلك فى رأيى هى التى تدعو إلى التفكير.
محمود حسن إسماعيل: خصائص أساسية للتلاوة
وقال محمود حسن إسماعيل، عضو لجنة القراء بالإذاعة: لا يمكن تكوين رأى فى هذا المشروع إلا إذا تحقق وجود مادة يستطيع الإنسان أن يحكم على ضوئها برأى قاطع فى ذلك.. ولو توافرت كل الخصائص بجانب الخامة الصوتية التى وهبها الله لأم كلثوم فإننا نكون قد كسبنا لأعلى كلام فى الدنيا أعلى طريقة يُؤدى بها.. هذا رأيى الخاص، أما بالنسبة إلى الإذاعة، فإن فيها لجنة رسمية هى لجنة القراء ومن اختصاصها إبداء الرأى فى مثل هذا الأمر.
عبدالفتاح الشعشاعى: سأبحث الموضوع
أما الشيخ عبدالفتاح الشعشاعي، المقرئ المعروف، فقال: على كل حال سأبحث مشروع قيام أم كلثوم بتسجيل القرآن من الناحية الشرعية، والشيء الذى يوافق عليه الشرع والناحية الفقهية سأوافق عليه.. ومن جهة أن صوت المرأة عورة فإننى سأبحث ذلك أيضًا من هذه الناحية الهامة.
عبدالباسط عبدالصمد: لن تتوافر فيها الشروط
وسألت اآخرساعةب الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، المقرئ المعروف، وقال: إن هذه الفكرة تدخل فى نطاق المسائل الدينية قبل كل شيء.. ورأيى فى هذا الموضوع أن يُستشار سادتُنا العلماء الأفاضل. أما رأيى الشخصى فمع احترامى للسيدة أم كلثوم التى لا يسمو على صوتها أى صوت، أعتقد أنه لا مانع من أن نقول إن لقراءة القرآن أحكاما خاصة لم ولن تتوافر لأم كلثوم.. ولذلك فأنا أعتقد أنه من الأفضل لها ألا تقدم على تنفيذ هذا المشروع.