حي الغورية.. 500 سنة من عظمة القاهرة ونهاية مأساوية لمؤسسه قنصوة

حي الغورية.. 500 سنة من عظمة القاهرة ونهاية مأساوية لمؤسسه قنصوة 
حي الغورية.. 500 سنة من عظمة القاهرة ونهاية مأساوية لمؤسسه قنصوة 

الشوارع الضيقة والحوانيت المتلاصقة العربات الكارو الزحام والضجيج الملاية اللف جهاز العروسة والقناديل والعطارين، كل الصور التي كانت تعيشها القاهرة منذ أكثر من خمسمائة عام مازالت موجودة حية هنا في حي الغورية حي الألوان المتعددة الذي يحكي مرحلة هامة من حياة القاهرة مدينة الألف مئذنة.


قنصوة الغوري .. يقول التاريخ إن فترة حكمه 1501-1516 كانت من أهم الفترات الحاسمة في تاريخ القاهرة وكان من الممكن أن يكون هذا الرجل أحد حكام القاهرة العظام لولا أنه لسوء حظه ترسبت في فترة حكمه مساوئ العصر المملوكي كله وربما كان هذا هو سبب اعتذاره عن قبول ولاية مصر أكثر من مرة رغم تكالب المماليك كلهم عليها حتى قبلها في النهاية بعد إلحاح شديد من المماليك.

ويقول عنه ستاتلي ليفبول في سيرة القاهرة: إنه برغم كبر سنه كان حازما نشيطا أعاد الأمن إلى القاهرة بعد الفوضى العارمة وبعد أن جمع ضرائب كثيرة بدأ ينفق في سخاء على الأعمال العامة العظيمة كتمهيد الطرق وحفر الترع وتحصين السواحل وتمهيد طريق الحج إلى مكة، بحسب مجلة آخر ساعة.

ومما يذكر لهذا الرجل أيضا أنه بنى مئذنة جديدة للجامع الأزهر ومسجدا منذ مقياس النيل بجزيرة الروضة والكثير والكثير من الأعمال العامة وربما من أعظم أعماله بناء الأسطول المصري الذي سيره إلى الهند حيث هزم بالاشتراك مع أسطول حاكم دير الأسطول البرتغالي الذي كان يسعى إلى السيطرة على طرق التجارة مع الهند.

ولكن رجال الفنون الشعبية والمهتمين بدراسة العادات والتقاليد القديمة يذكرون له أشياء أخرى فهو الذي كان يستقبل الشعراء والموسيقيين والمنشدين والمداحين وكانت تنصب له في الأعياد الخيمة الكبيرة الدائرية التي سلمت في زمن الأشرف قايتباي وأنفق على صنعها وزخرفتها ثلاثين ألف دينار.

وهو أيضا الذي أمر بإعادة ألعاب الرماحة – الفروسية – ولكن الحالة لم تدم على هذا المنوال بالنسبة للغوري إذ سرعان ما طمع سليم العثماني في مصر وبعد عدة مكائد ومناوشات كاد الغوري أن ينتصر لولا الخيانة التي أدت إلى هزيمته في مرج دابق وسقوطه تحت سنابك الخيل.

ويقال إن جثته لم يعثر عليها ولا يعرف مكانها ذلك لأن بعض أعوانه فصلوا رأسه عن جسده بعد المعركة وألقوا برأسه في بئر قريبة هذه هي حكاية الغوري الذي سمى الحي الشعبي باسمه.

وتعاقب الحكام على مصر واختلفت العهود ولكن الغورية ظلت تحتفظ بكل مظاهر الحياة التي شهدتها يوم مولدها، ولقد زار الغورية وأعجب بها عدد كبير من الرحالة العرب والأجانب بوصفها قلب القاهرة القديمة النابض بالحركة والحياة الزاخر بألوان القديم المتألقة هنا وهناك.

ومن الذين كتبوا عنها المسعودي وناصر خسرو وعبداللطيف البغدادي وابن جبير وابن سعيد وابن دقماق والسيوطي وسترينج وماكس فان برشيم ورافيس وغيرهم وكتب أيضا «لبن» أحد الرحالة القدماء عن الغورية يقول: إنك تستطيع أن تشم هنا وهناك رائحة الشرق الخاصة التي تنضح إمارتها في كل مكان.

حتى عندما تطل من نافذة غرفتك في الفندق الذي تقيم فيه تشاهد رجلا جائلا ينشد على ربابته أنشودة ما ويحمل إليك أنغام البلد الأصلية لم لا تلبث أن تسمع أصواتا أخرى كأصوات الأطفال الرضع تنبعث من صنوج الشربتلي الجوال الذي يحمل على جنبه إناء زجاجيا يصب منه شرابا يسمونه السوبيا أو العرقسوس المشروب الشرقي المشهور حيث يحمل عددا من الأوعية النحاسية التي لا ينفك بوقع عليها بين لحظة وأخرى دون ملل أجراسا وأنغاما تسترعي أسماع المارة أنها وسيلة عجيبة لاختلاس النوم ولكنها دعاية رائعة.

ويقول صاحب سيرة القاهرة : انك تجد بضعة حوانيت متجاورة ولمسافة طويلة يتجر أصحابها في نفس السلعة فلتكن هذه سكر نبات وتلك احذية للغرفة _ شباشب _  ولهذا النظام مزايا فإذا كان احد التجار يبيع بأسعار مرتفعة فقد تجد جاره يبيع بسعر أرخص منه.

كما تشاهد في شوارع الغورية بضعة جمال محملة بالدريس أو التبن أو البرسيم تمشي بخطوات متثاقلة وتجد سكان المدينة المحترمين راكبين حميرهم الشهب أو السمر . اما السراة فأنهم يركبون العربات التي يجرها جوادان ومن امامهما عداءون يلهثون من فرط التعب ويفسحون لسادتهم الطريق وهم ينادون بكل ما اوتوا من قوة وصوت مرتفع شمالك يا ولد يمينك يا ست.


وتجد النساء وقد حملن فوق رءوسهن الصينيات ومن فوقها ألوان الطعام والسقاء وقد حمل تحت ذراعيه الماء في قربة مصنوعة من جلد الماعز.


هكذا كان يعيش الناس في الغورية وفي معظم أنحاء القاهرة القديمة وإذا كانت معظم مظاهر الحياة قد تطورت في كل ركن من أركان القاهرة إلا أن الغورية مازالت صامدة محتفظة بالكثي…

اقرأ أيضا |غزوة تبوك في رمضان.. أظهرت قوة الدولة الإسلامية الجديدة الفتية