قضية ورأى

بين «الإلغاء» و«الإبقاء»

د. أحمد عفيفى
د. أحمد عفيفى

طالتها شبهات كثيرة ونالتها مساوئ عديدة ولامستها ملامح الفساد، حتى باتت مثاراً لجدل كبير بين دعاة «إلغائها» ومؤيدى «إبقائها»، رغم وجاهة أغراضها وأهمية أهدافها.. إنها «الصناديق الخاصة» و«الوحدات ذات الطابع الخاص» و«الكيانات» التى تنشأ خارج الموازنة العامة للدولة. وانتفض مجلس النواب حديثا ليناقش مشروع قانون يستهدف أيلولة نسب متدرجة من أرصدة تلك «الصناديق» و«الوحدات» و«الكيانات»، وكذلك فوائض الهيئات العامة فى 30 يونيو 2021 إلى الخزانة العامة لدعم الموازنة.


    منذ نحو خمسين عاماً وهذه «الصناديق» تلعب دور «عرَّاب» الاستقلال المالى النسبى للمؤسسات الحكومية وتعزيز اللامركزية وفاءً لبعض الالتزامات والطموحات. ولكنها فى الجامعات خاصمت النجاح وتركتها «تئن» تحت وطأة سد الاحتياجات معتمدةً على كاهل الدولة الذى ينوء بالأحمال.
لقد اقتضت الضرورة أن تحيل الدولة إلى «الصناديق الخاصة» بالجامعات الحكومية بعض المستحقات الشهرية لأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم تصل نسبتها إلى 20% وتتمثل في: زيادة بدل الجودة، والساعات المكتبية، وحافز الاعتماد وغيرها. وتمتنع كليات كثيرة عن صرف تلك المستحقات بادعاء «الخواء» الدائم لحسابات الصناديق، الأمر الذى يدحضه منطق الأشياء. إن «الجامعات» هى المؤسسات المالكة «للصناديق الخاصة» وليست «الكليات» التى تعد مجرد روافد لجلب الإيرادات الذاتية على اختلاف أنواعها وتباين تدفقاتها المالية، طبقا لطبيعة البرامج الدراسية المطروحة والكثافات الطلابية ونوعية الخدمات المجتمعية المتاحة والاستشارات التكنولوجية المقدمة. هكذا تتغذى حسابات «الجامعة» التى لها إدارة خاصة تتبع الأمين العام. وليس لأية «كلية» الحق فى التعامل على «حسابها الخاص» الممول من قبل هذه «الإدارة» بنسب محددة سلفاً إلا بإذن «الجامعة»، علما بأن «صناديق الجامعة» تنعم بالإعفاء التام من النسبة المقررة قانوناً لوزارة المالية. ولضمان المساواة فى الوفاء بالتزامات «الكليات» إذا ما اختلت تدفقاتها المالية، فعلى «الجامعة» تطبيق مبدأ الأوانى المستطرقة (تساوى سطح السائل مهما اختلفت أشكال وأحجام الأواني).


    نحن أمام مشهد واحد وزوايا متباعدة، فالآلاف من أعضاء هيئة التدريس بجميع الجامعات الحكومية يقومون بنفس المهام الوظيفية وذات الأدوار التعليمية والبحثية، وعليه فقد كفل قانون تنظيم الجامعات 49 لسنة 1972 المساواة فى الحقوق والواجبات، وبالتالى ينبغى أن تنعدم التفرقة ويختفى التمييز بينهم فيما يتعلق بالمستحقات المالية المقررة لنفس الدرجة مهما كانت الجامعة أو الكلية.


سيظل عضو هيئة التدريس عصباً للتعليم الجامعى وعقلاً للبحث العلمي، وإهدار «حقوقه» يؤثر بالسلب على سلامة المناخ الأكاديمى وقوة المنتج التعليمى والبحثي. وعندما يصدر «حكم قضائي» لصالحه لا يشفع له فى صرف مستحقاته بل يصطدم بجدار الروتين السميك الذى تصنعه فئة من «الموظفين» ذوى الضمور المهنى والضمير المعطوب، فهم يضعون العراقيل حتى تستمر «أرصدة» الصناديق الخاصة كاملة غير منقوصة لأسباب غامضة، ويتدثرون بثوب «خزنة بيت المال» ويعيدون إلى الأذهان زمن «الحسابات السرية»، برغم أن أحكاماً مماثلة تنفذ دون عناء فى «كليات» أخرى تابعة لنفس «الجامعة» أو غيرها.


هل ستشهد «الجمهورية الجديدة» نهاية عصر «الصناديق الخاصة» التى غدت مغلقة على أسرارها؟، وتوجيه أرصدتها إلى خزانة الدولة وإدراجها ضمن الميزانية العامة وتولى وزارة المالية كافة ارتباطاتها، حتى تعود «الرقابة» إلى مجلس النواب وتسود مرة أخرى معايير «الموضوعية» و«المصداقية» و«الشفافية» و«المساءلة» و«المحاسبة».
> استاذ بعلوم القاهرة