الدكتورعاطف نجيب يكتب: دلالات عقائدية للزي القبطي

د.عاطف نجيب يكتب : دلالات عقائدية للزي القبطي
د.عاطف نجيب يكتب : دلالات عقائدية للزي القبطي

الموضة لم تكن تتغير كثيرا لمدة قرنين من الزمان أو ما يزيد، وكانت بدورها تتغير على الأمد البعيد، فالجلباب الريفى أو الأثواب التى ترتديها النساء ولا تزال مستخدمة حتى اليوم، هى نفسها الحلى والأزياء التى صورتها لنا الحملة الفرنسية فى مطلع القرن الـ18.

من الصعب تقسيم الأزياء القبطية إلى فترات محددة، وهذا يرجع إلى أن قطع الأزياء التى تم العثور عليها فى الجبانات القبطية، والتى يتم تأريخها تقارب قرنين أو يزيد، إذ إن الموضة لم تكن تتغير كثيرا لمدة قرنين من الزمان أو ما يزيد.

وكانت بدورها تتغير على الأمد البعيد، وخلال حياتنا المعاصرة وتاريخنا الحديث حدث هذا الأمر نفسه، فالجلباب الريفى أو الأثواب التى ترتديها النساء ولا تزال مستخدمة حتى اليوم، هى نفسها الحلى والأزياء الموجودة والتى صورتها لنا الحملة الفرنسية فى مطلع القرن الـ18، وهذا يعنى أننا منذ زمن بعيد لا نزال نستعمل مثل هذه الأزياء. 

الزى دائما يعكس ذوقاً معيناً، ويعكس أيضا حالة التدين والحشمة، التى تقتضيها الظروف، خاصة بالنسبة للمرأة، وكذلك «ستر» الرجل والزخارف التى تكون عليها، فالمادة التى صنعت منها الملابس كانت «الكتان» وهو عبارة عن نسيج مصري.

وتصل به الدقة فى صنع ملابس ناعمة ورقيقة مثل «اللينو» وتصل به إلى درجة من الغلظة حتى تصل إلى «الخيش» والذى كنا نراه حتى فترات قريبة، وقد استخدم الصوف أيضا بكثرة فى العصر القبطي، وهناك ناحية فنية هى أن الكتان يصعب صباغته، بينما الصوف من السهل صباغته وتلوينه، أما القطن فلم يكن يستخدم فى عصور بعيدة، لأنه معروف أنه استخدم فى زمن متأخر جدا، ربما فى القرون الوسطى وما بعدها، وقد حل القطن مكان الكتان فى صناعات النسيج.


 لكن يجب العلم أن هناك مفردات للملابس المدنية فى مصر، إذ ظهر القميص «التونيك» وهو عبارة عن قطعة الملابس الرئيسية والتى وجدت بحالة جيدة ومعبرة عن الزى القبطي، وهو من الموروث الممتد منذ الإمبراطورية الرومانية، وما قبلها.

وقد ازدهرت الملابس القبطية المدنية بزخارفها، التى صنعت من نسيج «القباطي» وهذه الكلمة نسبة إلى أقباط مصر، وهى مقصود منها كل شعب وسكان مصر، فهى لا تحمل مدلولا دينيا لكنها تحمل مدلولا قوميا.

 
ويفصل القميص القبطى بشكل حرف «T» وكان يصنع من قطعة واحدة بالأكمام، ومن ضمن المفردات كان «الثوب» وهو الرداء الخارجى الذى كان يرتديه العامة فوق القميص السابق ذكره وكان يرتديه الرجال والنساء وهو يشبه العباءة الحالية. 


ملابس مدنية
أما بخصوص الملابس الداخلية التى تنتمى إلى العصر القبطي، فقد وجد الأثريون فى مقابر النساء وسقارة والشيخ عبادة، بعض القمصان الشفافة والتى صنعت من نسيج «خفيف» وكانت تلبس تحت القمصان السميكة، ويختلف شكلها عن القميص الخارجى. 


الملابس الداخلية كانت تصنع أيضا من الكتان، ووجد هذا على إحدى شواهد القبور الموجودة فى المتحف القبطى بالقاهرة، وهو الشاهد رقم 85-95 وموجود فى مخازن المتحف. وعندنا أيضا غطاء الصدر وهو ما وجد فى القطعة رقم 86-26 داخل المتحف القبطي.

ووجدت أيضا السراويل والتى تشبه «البنطلون» وكان له إفريز،كما وجدت كذلك أغطية الرأس والتى ارتداها عامة الشعب، وخاصة الطاقية الصوف، التى تنسدل على الأذنين وكانت أحيانا تحوى على زخرفة الصليب وأحيانا أخرى لا، لكن بشكل عام كانت تستخدم فى العصر القبطى. 


كما وجدت «شبكة الشعر» بالنسبة للسيدات والتى ترجع للعصر المصرى القديم، كما وجدت الأحزمة الصوف، كذلك الجوارب وحقائب اليد والصنادل والأحذية وقد صنعت من الجلد، وبشكل عام فالأزياء القبطية تميزت بالالتزام بقواعد الحشمة والنظافة.


لكن من الملاحظ أن الملابس القبطية المدنية صنعت معظمها من الكتان الخشن حتى لا يكون شفافا. 


الملابس الدينية
أما بخصوص الملابس الدينية فهى تتنوع حسب كل كنيسة وعقيدتها، وتتراوح ما بين ملابس الأطفال فى المعمودية وحتى ملابس الرهبان والراهبات.
فالطفل بعد المعمودية يُلبسه الكاهن تونية بيضاء و يضع على رأسه طيلسانًا فى حالة الأولاد أو طرحة بيضاء «طرحة العروس» للبنات.


وقد أفاضت المصادر الكنسية فى ذكر تفاصيل أشكال وتفاصيل الملابس الكهنوتية لكل درجة من درجات رجال الدين، فنجد قوانين محددة لضبط مثل هذه الأمور، ولعل أشهرها ما وصفه «ابن سباع» فى القرن الثالث عشر للميلاد، وعموما لا تختلف كثيرا عما نراه اليوم من ملابس كنسية. 


وبحسب تعاليم الكنيسة تختلف الملابس بحسب الدرجة الكهنوتية: فهناك ملابس البطريرك والتى تتكون من التاج لخاص بالبطريرك، ويلبس على الرأس وبه صور للسيد المسيح والقديسين، ويخلع وقت قراءة الإنجيل، ويصنع من الحرير أو الذهب، ويشير إلى إكليل الشوك الذى لبسه السيد المسيح كما يرمز إلى أكاليل الانتصار.


فضلا عن «القلنسوة» وهى تغطى الرأس كله ثم تتدلى خلف الرأس وعلى الكتفين فقط، والجزء الذى يغطى الرأس يوجد عليه 12 صليبا وهى تشير إلى عدد تلاميذ المسيح، و«البرنس» وهو رداء مستدير واسع مفتوح من الأمام بدون أكمام، ويستعمله رؤساء الكهنة أو الكهنة فى الأعياد، ويشير إلى عناية الله التى تحيط الخادم وتستره من كل جهة.


ويرتدى البطريرك ما يطلق عليه «المنطقة» وهو حزام من الحرير أو الفضة يلبسه رئيس الكهنة ليشيد بها وسطه، وهو يشير إلى اليقظة والخدمة والاستعداد الدائم.
كما يرتدى البطريرك «الصدرة» وهى خاصة بالكهنة والأساقفة، ولها فتحة تلبس منها فى العنق وتتدلى من الناحية الأمامية حتى القدمين، وينقش على صدره رئيس الأساقفة صور الإثنى عشر كما كان منقوشًا على صدرة هارون الكاهن أسماء أسباط إسرائيل الأثنى عشر، ويستعمل الكاهن الصدرة فى القداس والأكاليل والقناديل، ويلبسونها إشارة إلى حمل نير المسيح الواجب أن يحملوه.


ويرتدى البطريرك «البلين»، فهو خاص برئيس الكهنة، ويلبس على الصدر وتلف أطرافه بحيث تكون من الأمام والخلف على شكل صليب ويذكر لابسه بالصليب الذى حمله المسيح، وتختلف ملابس البابا عن الأسقف فى التاج إذ إنه يشير إلى رئاسة الكهنوت.

ولا يلبسه الأسقف إلا فى إبروشيته، بينما يرتدى الأسقف الطاقية إذا أراد استخدام القصلة. كما يمسك البابا أو الأسقف فى يده «العكاز» أو «الحية النحاسية»، وهى إشارة إلى الحية النحاسية التى رفعها موسى فى البرية والتى أبرأت كل من كان ينظر إليها.


ملابس الكهنة
تتكون ملابس الكهنة من «الطيلسانة» التى تشبه القلنسوة، وتلبس على الرأس، وتتصل بقطعة قماش طويلة وتتدلى من الخلف إلى القدمين ومرسوم عليها صليبين أحداهما على الرأس والآخر على الظهر، و«الصدرة» ولها فتحة تلبس منها فى العنق وتتدلى من الناحية الأمامية حتى القدمين.

وينقش على صدره رئيس الأساقفة صور الاثنى عشر كما كان منقوشا على صدرة هارون الكاهن أسماء أسباط إسرائيل الاثنى عشر، ويستعمل الكاهن الصدرة فى القداس والأكاليل والقناديل، ويلبسونها إشارة إلى حمل نير المسيح الواجب أن يحملوه، و«التونية»، يشترك فى لبسها جميع الخدام على اختلاف درجاتهم، وتكون بيضاء وواصلة للقدمين وعريضة على الأكتاف ومزينة بالصلبان، وتشير إلى أن الخادم يجب أن يكون رحب الصدر واسع البال وديعاً وحليماً.


ملابس الشمامسة
وتوجد رتب فى الكنيسة أخرى مثل «أرشيدياكون» وتعنى رئيس شمامسة، و«دياكون»، و«إبيذياكون»، و«أغنسطس» وتعنى قارئاً، و«إبسلتس» وتعنى مرتل، وجميع الرتب ترتدى «التونية»، و«البدرشيل» والأخير معناه فى اللغة اليونانية ما يعلق على العنق، ويلبسه «الايبذياكون» اى الشماس المساعد والذياكون والأرشيدياكون تحت الإبط الأيمن إلى الكتف الأيسر كأجنحة الملائكة، بحسب الاعتقاد المسيحي، ويلبسه «الأغنسطس» على شكل إكس من الخلف دلالة على حملهم صليب المسيح الذى تكرسوا لخدمته، وعلى شكل حزام من الأمام دلالة على ضبط النفس والتهيؤ للخدمة.


ملابس الرهبان
يرتدى الراهب «القلنسوة» وتغطى الرأس كله ثم تتدلى خلف الرأس وعلى الكتفين فقط، والجزء الذى يغطى الرأس يوجد عليه 12 صليبًا وهى تشير إلى عدد تلاميذ المسيح، أما فى وسط القلنسوة فيوجد فرق «قطع» يبدأ من أولها فوق الجبهة مباشرة.

ويصل إلى ثلثها تقريبا، وهذا الفرق «القطع» فتتم خياطته بطريقة عمل الشبكة «بعرض 1 سم تقريبا»، بحيث يظهر واضحا، وقطعتا القلنسوة متباعدتان عن بعضهما قليلا، وفى نهاية الفرق يجرى عمل صليب مطرز يكون خلف الرأس مباشرة.

وهو يشير إلى السيد المسيح، وتربط القلنسوة أسفل الرقبة من الأمام بشريطين رفيعين. وقد وأعاد البابا شنودة الثالث استعمال هذه القلنسوة بين الرهبان فى الأديرة، وهو أول من استعملها فى العصر الحديث.


كما يرتدى الراهب «المنطقة»، وهى عبارة عن حزام يصنع من الجلد أو من الكتان، يتمنطق بها الراهب على خصره، وتُدعى فى القبطية «زوناريون» أى زنار أو حزام، وهى تشير إلى القوة واليقظة والاستعداد الدائم للجهاد.


كذلك يرتدى «الإسكيم»، وهو وشاح يتشح به النساك الذين وصلوا إلى درجات عالية من النسك والتقشف، وهو عبارة عن سيور من الجلد الطبيعى مجدولة على شكل حرف إكس، يتخللها صليب كبير فى المنتصف من الجهة الأمامية وآخر من الجهة الخلفية، وفى منتصف كل طرف من الأطراف الـ4 للسيور الواصلة بين زوايا الصليبين الرئيسيين، يوجد صليب صغير أيضا من الجهتين.


أما خارج الكنيسة فيرتدى جميع رجال الدين جلبابًا أسود «الفراجية» وعلى الرأس عمامة سوداء أيضا، تمتاز بكبر حجمها فى حالة الأسقف أو البطريرك، ولعل اللون هنا من تأثير قرارات الخليفة الفاطمى «الحاكم بأمر الله» فى مطلع القرن الحادى عشر ميلادى، مع إنه لم يكن الأمر الملزم فيما بعد، إذ شاهدت فى بداية ثمانينات القرن الماضى بعضا من كهنة القرى بصعيد مصر يرتدون اللون الرصاصى أو البنى أو الكحلى، ولكن اندثرت تلك الألوان تماماً.

اقرأ ايضا | «أيقونات قبطية» بمتحف محمود سعيد