عقل الإعلام « ١ » المذيع النجم .. الحاكم بأمره

عمرو أديب
عمرو أديب

ريزان العرباوى

بالرغم من جهود مؤسسات الدولة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بوضع عدد من الضوابط والإلتزامات لبرامج التوك شو والبرامج التلفزيونية المختلفة، لضبط المشهد الإعلامى، إلا أن ذلك لم يمنع أو يحد من بعض التجاوزات وانتشار ظاهرة المذيع الواعظ الفيلسوف، تحول كرسى المذيع إلى منبر لاطلاق وجهات نظره والاستئثار بآرائه الشخصية والبعد عن الحيادية دون الالتفات إلى بنود ميثاق الشرف الإعلامى، فهل أصبحت المهنة خاضعة لأهواء شخصية أكثر من كونها خاضعة لضوابط مهنية وأخلاقية؟.

وبناءا عليه.. وجب التنبية إلى ضرورة الابتعاد عن خلط الخبر بالآراء الشخصية وتقديمها باعتبارها الحقيقة للعيان فى البرامج التلفزيونية، حتى لا يسود الإعلام التعبوى الذى لا يخاطب العقول ولا يدعو إلى التفكير، في السطور التالية نقوم بفتح هذا الملف وطرح جملة من التساؤلات وعلى رأسها، معرفة حدود المذيع ولو كان نجما.

شهدت الفترة الأخيرة قرارات صادرة من الهيئة الوطنية للإعلام بوقف عدد من مقدمى البرامج التلفزيونية، لتخطيهم حدود الضوابط الإعلامية والاسهاب فى طرح آرائهم الشخصية ووجهات النظر الخاصة بهم بما يتعارض مع ميثاق الشرف الإعلامي وبند من بنود مدونة السلوك المهنى الذي ينص على الامتناع عن إثارة الكراهية والتمييز والتحريض بكل أنواعه بين أطياف الشعب وفئاته، وكان آخر تلك القرارات إيقاف المذيع حسام حداد عن العمل وإحالته إلى التحقيق، على خلفية تصريحاته التى أبدى فيها رأيه الشخصى بالنادي الأهلي، وقال فيها «ليس مطلوبا من مشجعي الزمالك تشجيع الأهلي».


أثارت تصريحات حداد  التى أدلى بها عبر برنامج «صباح الخير يا مصر» موجة من الجدل في أوساط المشجعين الرياضيين، وسبق ذلك اصدار قرار من المجلس الأعلى للإعلام بإيقاف برنامج الإعلامي تامر أمين وإحالته للتحقيق، بعد تصريحاته التى اعتبرت إهانة لأهلنا في الصعيد، وتقدم تامر أمين باعتذار علنى عما صدر عنه مؤكدا أن البعض حرف تصريحاته واجتزءها من سياقها.


وتقدم أيضا محامى شهير برفع دعوى قضائية طالب فيها بوقف برنامجي «هي وبس» و«الستات ميعرفوش يكدبوا» والتحقيق مع المذيعتين رضوى الشربيني ومفيدة شيحة، لتحريضهما على تفكيك وحدة نسيج المجتمع المصري وإبداء كراهيتهما للرجال على الملأ مما قد يؤدى إلى زيادة نسب معدلات الطلاق وحدة الصراع بين الرجل والمرأة.


ضوابط المهنة

ويؤكد الدكتور محمد المرسى أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، ضرورة إلتزام المذيع بحدود ومهام وظيفته التى تحتم عليه مراعاة الضوابط الإعلامية، ويقول: «المذيع بشكل عام من المفترض أن يلتزم بمعايير الدقة والتوازن والموضوعية فى طرح القضايا المتنوعة، وعدم تخطى حدوده ومهامه التى تفرضها طبيعة وظيفته من طرح الأسئلة والمحاورة وتقصى الخبر من مصدره دون الاستفاضة فى طرح آراء شخصية حتى وإن اختلف أو اتفق فى الرأى مع الضيف، لأنه يعتبر خروج عن المهنية، بل عليه أن يترك الحكم فى النهاية للمشاهد أو المستمع، وهذا جانب إلزامى.


ويضيف: «لكن فى بعض الأحيان قد يتقبل المتلقى رأى المذيع ووجهة نظره فى حالة واحدة استثنائية، وهى عندما يكون المشاهد على علم مسبق بأن هذا المذيع متخصص فى الأمر نفسه، على سبيل المثال إن كان المذيع أستاذا كبيرا فى القانون ويقوم بتقديم برنامج عن القضايا والشئون القانونية، فى هذه الحالة سيتقبل المشاهد آرائه دون أن تتزعزع قناعته لأنه حجة فى القانون وعلى سعة معرفية كبيرة فى هذا المجال، وبالتالى كلما كان مقدم البرنامج متخصصا فى نوعية القضايا والموضوعات التى يناقشها البرنامج كلما كانت وجهات نظره مقبولة منه ولكن دون الإفراط  فى الطرح لأن هذا الاستثناء لا يلغى القاعدة».


ويتابع قائلا: مع الأسف نسبة الالتزام بالضوابط المهنية واحترام بنود ميثاق الشرف الإعلامى، أصبحت نسبة قليلة خاصة فى برامج التوك الشو، وتخطى ضوابط وأخلاقيات المهنة له أسباب متعددة منها تحكم رأس المال خاصة فى القنوات الخاصة وسبب آخر هو رغبة المذيع «وكاست» البرنامج فى تحقيق مزيد من الشهرة والذى أصبح يعرف بمصطلح «التريند» وهو يعلم جيدا أنه لن يستطيع تحقيقه إلا بالخروج عن المألوف، وللعلم معظم من يخرج عن النص ويتخطى حدوده يعلم جيدا أن سلوكه يتنافى مع ضوابط المهنة وأخلاقياتها، ليضمن تثبيت أقدامه بمزيد من الإعلانات، فالضوابط الإعلامية معروفة والكود الأخلاقى والمهنى معروف وكل محطة تلفزيونية لديها عدد لابأس به من البرامج ولكن الإشكالية فى الأهداف المنشودة لتحقيق أعلى نسب فى المشاهدة حتى وإن كان سبيله التخلى عن إرساء قواعد مهنية رشيدة، وفى ظل الحالة التنافسية بين الفضائيات تتغاضى أحيانا عن ذلك الخروج بل وقد يفرط بعض أطقم التحرير والمعدين فى استحقاقاتهم وأدوارهم نحو وظائفهم، إلا أنهم لم ينتبهوا إلى نقطة غاية فى الأهمية تخص فهم واستيعاب الفرق بين السعى لمزيد من الشهرة وبين تحقيق الجماهيرية المطلوبة، والأخيرة ركيزتها ثقة الجمهور فالشهرة وارتفاع نسبة المشاهدة ليست مقياسا لمدى الـتأتير والاقناع.


سقف الحريات

تعطي الدكتورة ماجى الحلوانى أستاذ الإعلام جامعة القاهرة، الحق للمذيع فى طرح أرائه ووجهات نظره من خلال شاشة التلفزيون، وتقول:» الحرية المكفولة للإعلام والدعوة لارتفاع سقف الحريات تعطى المذيع الحق فى عرض أرائه الشخصية فى قضية أو موضوع ما، ولكن دون إجبار المشاهد على تبنى هذا الرأى وإن كان يفضل عدم الاسهاب فى ابداء أرائه الشخصية لتجنب تضارب الأراء وإثارة الفتن والبلبلة والتى تؤثر سلبا على المتلقى، فالمذيع وظيفته تقديم الخبر وطرح ومناقشة القضايا لمعالجتها من خلال استضافة المختصين، إلا إذا كان موضوع وطنى او إنسانى يحتاج إلى دعم معين من عقول الإعلام، فنسبة اقتناع الجمهور بالمذيع وأرائه تعتمد بشكل كبير على جماهيريته ومدى حبهم له.

وتضيف قائلة: من سمات هذا العصر وجود مساحة كبيرة من الحرية الملموسة والتى تتيح لكل إعلامى عرض أفكاره وقناعاته، ولكن سوء استخدامها وتوظيفها أدى إلى تقلص الالتزام بالضوابط الإعلامية وهنا يأتى دور المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الذى يقف للمخالفين بالمرصاد وفرض عقوبات كالمنع من الظهور إعلاميا لعدة أسابيع أو أشهر على حسب مدى أهمية البرنامج ومدى خطورة ما قاله، فعلى كل مذيع أن يعى جيدا ويفهم ميثاق الشرف الإعلامى وما يندرج تحته من بنود بحيث لا يتعدى حدود هذا الميثاق واحترام الغير، ومن حيث الاتيان بالمعلومات من مصادر الأخبار الرسمية والصادقة الموضوعية، حتى لا يتحول الإعلام إلى ساحة للمعارك وتصفية الحسابات الأمر الذى يؤدى للفوضى وتأجج النزاعات واثارة الفتن ويؤثر بالسلب على ثقة الجمهور بوسائل الإعلام المحلية. وحتى لاتتفاقم الأزمة بسبب الأنماط المفتقدة لمعايير الدقة يجب الفصل بين المذيع وصاحب الرأى والعمل على تقصى الأخبار والتقديم بالشرح الوافى المدعم بالمستندات والأدلة فى سبيل استعادة الكرامة المهدرة للمهنة وحتى لانعانى من إعلام هزيل وهش».


يتعارض رأى مقدمى البرامج التلفزيونية مع آراء المختصين فى الإعلام، إذ أكد الإعلامى عمرو أديب فى أحد تصريحاته، بأنه من حق الإعلامي أن يعبر عن رأيه، الذي من الوارد أن يكون خطأ، معقبا: «نحن لسنا أنبياء أو علماء أو لنا حق الفتوى، لكن لنا أن نعبر عن رأينا».


كما صرحت أيضا لميس الحديدى مؤكدة انحيازها الواضح تجاه قضايا معينة وأنها ضد الحياد، فقد اختارت طريق اللاحياد والانحياز لقضايا معينة، فلا يوجد حياد في الإعلام لكن يوجد محاولة موضوعية وعرض وجهات النظر المختلفة، ومع ذلك احاول تحرى الموضوعية بقدر المستطاع، على حد قولها.
بينما اعترضت نجوى إبراهيم على وجهة نظر لميس الحديدى ونوهت إلى ضرورة التفرقة بين طبيعة العمل الصحفى الذى يعمل على طرح الرأى والرأى الآخر وبين طبيعة عمل المذيع على الشاشات التلفزيونية، والذى يتطلب الحيادية والابتعاد عن التصريح بأراء شخصية حتى لايؤثر ذلك بالسلب على الجمهور.