وفاء الشابوري تكتب.. زحام من النعم

وفاء الشابوري
وفاء الشابوري

وهب الله الإنسان جبال من النعم، فمنا من يحمد الله على سعةالرزق ، ويؤدى ما أمره الله به، ومنا من يقول كما قال قارون «قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِىٓ » ، فكل إنسان محاسب على النعم التى وهبه الله إياها، فنعم الله عزوجل كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولو بدأ الإنسان بعد هذه النعم، فسيبدأ بنفسه، إذ إنَ أكبر نعمة أنعمها الله عليه هي خلقه في أحسن تقويم وأجمل صورة، كما جعل هيئته مستقيمة، وميزه عن .جميع المخلوقات بالعقل، وسخر له جميع المخلوقات من حيوانات ونباتات وجمادات ليستفيد منها ويستخدمها لمصلحته 

وكلما كان تقدير الإنسان لهذه النعم أكبر، كلما غمرت السعادة قلبه بشكلٍ أكبر، وكلّما كان شعوره بالرضى أكبر، خصوصًا أنَّ النعم التي يراها الإنسان في الدنيا ما هي إلا جزء بسيط جدا من النعم الكثيرة التي سيراها المؤمنون في الآخرة، وكلما زاد الشكر زادت هذه النعم، فالله تعالى يقول في القرآن الكريم: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»..

وهناك الكثير من القصص التى توضح لنا الجزاء في الدنيا قبل الآخرة على كل عمل صالح يقوم به الانسان.. من هذه القصص المؤثرة التى قرأتها، وتركت بالغ الأثر فى نفسي، والتى تبعث الأمل وتكون منهجا ودستورا يجب أن يكون بين الإنسان، يبعث الرحمة بين المواطنين، ويعيد التراحم بين بني البشر، أسردها كما قرأتها: «بقالي ساعة بلف بالعربية عشان ألاقي ماكينة ATM فاضية عشان أعرف أسحب فلوس ومش لاقيه، يا عطلانة يا زحمة جداااا..مشيت كتييير عشان آلاقي وآخر ما زهقت لقيت واحدة خفيفة شوية، نزلت وانا متأففة جدا إنى هقف فى الطابور ده كله.. المهم إنى وقفت.. ولاحظت الراجل اللى قدامى وهو في أوائل الخمسينات من عمره ، ويبدو من مظهره أنه من الطبقة المطحونة.. الراجل كان عرقان جدا وجسمه بيتنفض مع إن الجو مش برد ولا حاجة بس ماركزتش أوى معاه، بعد شوية لقيته بيقولى «هستأذنك بس تحجزي لى المكان عشان مش قادر أقف وخايف أقعد يروح عليا دورى» فقلت له اتفضل ودورك محجوز، الراجل قعد على الرصيف اللى جنبي وبدأ ينشف العرق اللى مغرقه ورافع ايديه للسماء وبيقول "يارب وحياة حبيبك النبي أنا مينفعش خالص أعيا النهاردة بالذات خد بإيدى بس لحد بكرة يارب"

الراجل كان بيتوسل لربنا إنه ميتعبش بطريقة لفتت انتباهي ...قربت منه وسألته "أنت كويس"؟

قالي كلمة هزتني بجد «الحمد لله فى زحام من النعم»، بقوله واضح إنك تعبان طيب ماتروح لأقرب دكتور، لقيت الراجل عينيه دمعت وهو بيقولي ما ينفعش أتعب يا أستاذة دى تبقى رفاهية أنا مش أدها ..وبدء يسرد فى حديثه معى ويحكى، «أنا زوجتي متوفية من 8 سنين وعندي 4 ولاد كبيرهم فى الكلية ومحتاج مصاريف كليته النهاردة ووعدته إني هقبض وأروحله الجامعة أديهومله، التلاتة التانيين في ثانوي وإعدادي وكتر خير والدتي كانت بتراعي ولادي بعد موت مراتي، لكن دلوقت أمى كمان مريضة مرض موت وبراعيها هي وعيالي.. وأنا موظف حكومة مرتبى 2700 جنيه وبشتغل بعد الضهر عامل توصيل مطعم بألفين جنيه ، وكل ده مش ملاحق على البيت والأولاد والدروس ومصاريف علاج والدتي، وصاحب البيت كاسر علي إيجار متأخر وآخر معاد انهاردة عشان ياخد نص فلوسه بعد محايلات مني ومن الجيران عشان ميرميش عفشي وأمى المريضة وعيالي في الشارع..

أنا وقفت قدام كلام الراجل مش عارفة أقول إيه، الراجل عنده كل ده وبيقولي «الحمد لله فى زحام من النعم»، وأنا اللى ظروفي أحسن منه مليون مرة متضايقة ومخنوقه، كأنه إدانى قلم على وشي وقالى أنت جاحده بنعم ربنا..

المهم بعد ما صرف الفلوس أخدته المستشفي بعد محايلات منى وأصريت استناه وأوصله بيته بالعربية، علشان أتفاجئ بمفاجأة أكبر، والدته في الثمانيين من عمرها وكفيفة وراقدة على فراش الموت، وكل كلامها الحمد لله على نعمه والشكر لله على واسع فضله.

بصيت حواليا أشوف واسع فضل الله اللي بتشكره عليه، لقيت بيت عبارة عن دور أرضي حيطانه أكل عليها الزمان وشرب وكله رطوبة الفرش سريرين ودولاب وكنبتين بلدي وحصيرة، لسه ببص حواليا لقيت الباب بيخبط وطلع كلامه حقيقي كان صاحب البيت عاوز فلوسه وداخل يزعق ويتوعد ويهدد بطرده، المهم بعد تدخل مني ، ورفض شديد من الراجل المحترم ده اللي علمني درس عمري كان رافض تماما إنى أدفع الفلوس بتاعة الإيجار، دفعت الفلوس لصاحب البيت ومعاهم إيجار سنة مقدم وأخدت منه إيصالات الإيجار واديتهاله، الراجل فضل يعيط زى الأطفال ويقولى «إنت طلعتيلى منين؟ أنا طول الليل منمتش وعمال أصلي وادعى ربنا يسترنى وما تفضحش قدام الجيران ف الشارع».. قلتله ربنا عطّل لك 4 ماكينات صرافة وزحم 6 ماكينات تانيين عشان يبعتنى ليك وبعتك أنت كمان ليا عشان تعلمنى أتأدب مع ربنا في ابتلائي».

قصة مؤثرة ولها مدلولات نتمنى أن نراها بين طبقات المجتمع، فالانسان عندما يكون فى عون أخوه الانسان ، فذلك حمد وشكر لله تعالى على النعم التى وهبها الله للانسان، فبني البشر لا قيمة لهم الا بشكر الله على النعم التى وهبها لهم.. وأعظم آيات الشكر لله أن يقف الانسان بجوار أصحاب الحاجة ومن جاءت عليهم الدنيا بهمومها، وحولت حياتهم إلى مذلة، بسبب ضيق الحال، فلا أحد يعلم جزاء الله وعطاءه لمن يكون فى عون أخيه ، ودائما يردد لسان حالنا «اللهم حمدا كثيرا كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.. اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي »