«الأخبار» تحاور جنود القوى الناعمة «1».. د. يحيى إسماعيل مدير مركز إليكترونيات النانو بالجامعة الأمريكية

حوار| الجامعات الدولية بمصر خطوة إيجابية بشرط استيعاب المتفوقين غير القادرين

د.  يحيى إسماعيل خلال حواره مع «الأخبار»
د. يحيى إسماعيل خلال حواره مع «الأخبار»

لاأفكر فى العودة لأمريكا فالعمل فى مصر كمن يزرع فى أرضه

التوسع| فى مدارس المتفوقين أجدى من الإصلاح العريض للنظام التعليمى

صورة البحث العلمى المصرى عالميا ليست على نفس سمعتنا الطيبة كباحثين 
صنعت قصة نجاح قابلة للتكرار.. وتجاوزت أزمة الانفصال بين البحث العلمى والصناعة
وضعت حلًا جذريًا لمشاكل الألواح الشمسية.. وأنتجت شريحة ذكية لتشخيص السرطان
التعليم والتدريب والصبر طريقنا لاستنساخ التجربة الهندية الناجحة

 

قبل سنوات كان الدكتور يحيى إسماعيل، أستاذ هندسة الاتصالات والإليكترونيات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، واحد من أبرز أساتذة جامعة نورث ويسترن الأمريكية، غير أن الرجل الذى تحمس لحلم الدكتور أحمد زويل فى إنشاء مدينة زويل، عاد إلى مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، ليشارك فى بناء هذا المشروع المهم، ويعمل من خلال المدينة والجامعة الأمريكية بالقاهرة على بناء جيل واعد من مهندسى الاتصالات والإليكترونيات، يصبحون إحدى أدوات القوة الناعمة لمصر.


وتمتلئ الشركات العالمية العاملة فى مصر والخارج بتلاميذ الدكتور إسماعيل، كما أن منتجاته التكنولوجية التى قدمت حلولًا للكثير من المشكلات، والتى نجح فى توفيرها عبر إحدى الشركات الناشئة التى خرجت من عباءة الجامعة الأمريكية بالقاهرة بمجهوده ومجهود طلابه من أبناء مصر، تعلن بوضوح أن عبقرية المصرى، كانت ولاتزال إحدى أدوات قوته الناعمة.


 وبالرغم من شهرة هذا الرجل العالمية، والتى يكشفها بوضوح حجم نشره العلمى، وسيرته الذاتية المليئة بالجوائز والخبرات والتجارب الناجحة، إلا أنه لا يفكر مطلقًا فى العودة من جديد إلى أمريكا، مفضلًا أن تكون رئاسته لمركز أجهزة وإليكترونيات النانو فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، بؤرة مضيئة يمكن أن يقدم من خلالها النموذج، لكيف يمكن أن يصبح البحث العلمى قاطرة للنهضة..

وخلال حواره مع «الأخبار» الذى نستهل به سلسلة حوارات «جنود القوى الناعمة»، بدا إسماعيل سعيدًا بنجاح تجربته فى مركز أجهزة وإليكترونيات النانو، وقدم رؤيته لكيفية النهوض بالبحث العلمى من واقع هذه التجربة، مؤكدا أن الباحث المصرى يمتلك سمعة عالمية، كواحد من أذكى عقول العالم، ولكن ما ينقصنا هو أن تكون سمعة منظومتنا البحثية فى مصر على نفس قدر سمعة أبنائها، وهو أمر ليس بالمستحيل كما يؤكد إسماعيل، والذى كان حريصًا وهو يقوم بتشخيص المشكلة على تقديم العلاج.. وإلى نص الحوار.
 

دائما ما ينصرف مصطلح «القوة الناعمة» لدولة ما، إلى رموزها الفنية والأدبية والثقافية، القادرة على التأثير فى الآخرين، مع أن العلماء يمكن أن يكونوا إحدى الأدوات المهمة لهذه القوة، فكيف يمكن أن يكون العالم المصرى مصدرًا للقوة الناعمة؟

يرد على الفور: لا أتفق معك فى أن الذهن ينصرف لرموز الفن والأدب والثقافة فقط، نحن مثلًا عندما نفكر فى دولة مثل ألمانيا، ينصرف الذهن مباشرة إلى امتلاكها مهندسين على درجة عالية من الكفاءة، وأمريكا ترتبط فى الأذهان بامتلاكها للتكنولوجيا الحديثة، فجانب كبير من احترامنا للغرب، هو بسبب تقديرنا لتقدمهم العلمى، والذى أنتج نظريات قامت عليها العديد من فروع العلم مثل نظرية «ماكسويل» فى القوة الكهرومغناطيسية.

وهل نحن بعيدون عن اكتساب احترام العالم عبر بوابة العلم؟

يومئ بالرفض قبل أن يقول: بالطبع لا، ولكن دعنا نفرق بين أمرين، وهما سمعة الباحث المصرى وسمعة المنظومة البحثية المصرية، فالباحث المصرى له تقدير كبير بالخارج، والجامعات والشركات فى أمريكا على سبيل المثال تملأ بالباحثين المصريين الذين نجحوا فى بناء هذه السمعة، ولكن فى المقابل فإن المنظومة البحثية المصرية ليست على نفس القدر من السمعة الطيبة للباحث.
 

لا يوجد تعارض

ولماذا، فالمنطق يقول إن هذه المنظومة هى التى أنتجت هذا الباحث، وأنت خير مثال، لكونك من خريجى جامعة القاهرة؟

يرد على الفور: لا يوجد تعارض، فالمعروف أن الباحث المصرى عندما يسافر للخارج سيحقق نجاحا وسيندمج سريعا فى المنظومة الغربية، لأنه يمتلك قدرات جيدة، ولكن نفس القدر من السمعة ربما لا تحظى به المنظومة البحثية المصرية، ربما لضعف الإمكانيات.

لا أفهم كيف لا يتم تقدير منظومة بحثية تخرج فيها باحثون تقول إن سمعتهم طيبة؟

يصمت لوهلة قبل أن يقول: لم أقل إنه لا يتم تقديرها، ولكن صورتها أقل من سمعة الباحث المصرى، ولكن هناك قصص نجاح فى بعض المجالات يمكن البناء عليها.

مثل ماذا؟

سأحدثك مثلا عن مجال الإتصالات والإليكترونيات، حيث يوجد قرابة 6 آلاف مهندس مصرى يعمل داخل مصر فى شركات أجنبية لها فروع عندنا، وهذا ساهم إلى حد كبير فى بناء سمعة طيبة  للمهندس المصرى والمنظومة البحثية التى تخرج فيها، ولكن ما تحقق حتى الآن هو خطوة يجب أن تتبعها خطوات، حتى نستطيع مثلا أن نصل لما وصلت له الهند فى هذا المجال.

وما هى الخطوات التى يجب أن تتخذ؟

يمتلئ وجهه بمشاعر الحماس قبل أن يقول: الخطوة الأهم الأساسية أننا يجب أن نخرج أعدادا كافية من المهندسين المدربين على أعلى مستوى، فعدد الـ 6 آلاف مهندس العاملين فى الشركات الأجنبية بمصر يمكن أن يكونوا 60 ألفا، ولو أوجدنا هذا العدد سيكون ذلك عامل جذب للعديد من الشركات الأجنبية التى يمكنها استيعاب هذا العدد وأكثر.


التجربة الهندية

أفهم من ذلك أن العدد الكبير من خريجى كليات الهندسة غير كافٍ؟

يشير بسباته قائلا بلهجة متحمسة: أنا أتحدث عن الخريج المميز الذى يمكن أن يندمج سريعا فى نظام عمل الشركات الأجنبية، وهذا الخريج المميز يمكن توفيره إذا نجحنا فى استيعاب درس التجربة الهندية، ونقلها إلى مصر.

وما هى خلاصة هذه التجربة؟

خلاصتها أنه كان لديهم وزير للتعليم يدعى «أبو الكلام» آمن بقيمة العلم، ودشن مشروعا للاستثمار فى البشر، فأسس المعهد الهندى للتكنولوجيا الذى أصبحت له فروع فى أكثر من مكان بالهند، وفيه تم تعليم الآلاف ثم تدريبهم، فأصبحوا هم الأساس الذى قامت عليه نهضه الهند التكنولوجية، حتى أن ولاية هندية تسمى «بنجالور»، أصبحت معقلا لعشرات الشركات العالمية فى مجال التكنولوجيا.

وما المميز فى التجربة، نحن لدينا كليات الهندسة التى يتخرج فيها الآلاف سنويا؟

المميز هو جودة التعليم، ثم التدريب، والصبر على التجربة، لأنها لن تؤتى ثمارها مباشرة، والنقطة الأخيرة مهمة جدا، لأننا فى مصر نتعجل قطف الثمار، فلا تكتمل أى تجربة بدأت بشكل جيد، وعندما يصبح لديك الخريج المؤهل، يجب أن تسعى لتوفير فرصة العمل المناسبة له، من خلال مخاطبة الشركات العالمية للاستثمار فى مجال التكنولوجيا.


تجربة مدارس «ستيم»

آراك بدأت من التعليم الجامعى، ولم تتطرق لمرحلة التعليم الأساسى، حيث توجد لدينا الآن تجربة يسعى لتنفيذها وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقى.. فما هو تقييمك لهذه التجربة؟

 يصمت لوهلة قبل أن يقول: تجربة طموحة، لكنى اختلف معه فى طريقة التنفيذ، فالتغيير العريض فى وقت واحد صعب، وكان يمكن تنفيذ التجربة فى مكان ما تتوفر له مقومات نجاحها، ثم يتم التوسع تدريجيا خطوة خطوة، للوصول إلى إحداث التغيير الشامل، لأن مشكلة التغيير العريض ليس فى الأفكار المراد تطبيقها، ولكن فى آليات التنفيذ، فمن الممكن أن تكون الفكرة ممتازة، ولكن ستصطدم بأن البنية التحتية فى مجال الاتصالات لا تعينك، ولا يوجد لديك المدرس المؤهل لتنفيذ هذه الأفكار.

ولكن التنفيذ بهذا الشكل العريض سيحتاج لوقت طويل حتى تظهر ملامحه؟

يرد على الفور: هذه مشكلتنا التى سبق أن أشرت إليها، وهى استعجال قطف الثمار، فمثل هذه المشروعات يجب الصبر عليها، فأنا كنت أفضل أن يتم التوسع فى مدارس «ستيم» للمتفوقين، فهى تجربة رائدة، ومستوى خريجى هذه المدارس متميز جدا، ويتم بالتوازى مع ذلك، إصلاح المنظومة الكاملة بشكل مرحلى، بعد أن يتم العمل أولا على توفير الأدوات التى تساعد على النجاح من بنية تحتية ومدارس مؤهلة ومدرسين قادرين على استيعاب التطور.
الجامعات الدولية

وما هو تقييمك لتوجه التوسع فى إنشاء الجامعات.. هل تراه سلبيا أم إيجابيا؟

يصمت لوهلة يأخذ خلالها رشفة من الماء قبل أن يقول: يمكن أن يكون توجها إيجابيا، من منطلق أننا لو أردنا استيعاب أعداد كبيرة من الخريجين فسنجد جامعات، ولكن سيكون سلبيا إذا كان الهدف الأساسى لهذه الجامعات استثماريا فقط، حيث يكون هدفها فقط المكسب وإرضاء الطالب الراغب فى الحصول فقط على مجرد شهادة، على حساب جودة التعليم.

لا أظن أن هذه المخاوف يمكن أن تكون موجودة فى بعض الجامعات الدولية ذات السمعة الطيبة، والتى سيكون لها فروع فى مصر بالعاصمة الإدارية؟

يومئ بالموافقة قبل أن يقول: صحيح أن العملية التعليمية بهذه الجامعات ستكون جيدة، ولكن دعنا نتفق على أن هذه الجامعات لن يكون بمقدور أى طالب الإلتحاق بها، وستكون مقصورة على فئة من الطلاب الميسورين ماديا، ولذلك يجب الاشتراط عليها أن تقوم بتخصيص منح للطلاب الفائقين، حتى يتمكن غير القادرين ماديا من الفائقين الإلتحاق بها، وهو ما تفعله الجامعة الأمريكية بمصر على سبيل المثال.

إحدى مشاكل هذه الجامعات أيضا، كما قال لى أحد الأساتذه، إنها ترهق الأستاذ فى التدريس، فلا يجد الوقت المناسب للبحث العلمى.. هل تعانى من هذه المشكلة فى الجامعة الأمريكية؟


>> يومئ بالرفض قبل أن يقول: الجامعات الأمريكية ربما تكون أقل الجامعات الدولية من حيث ارهاق أساتذتها فى التدريس، هذا فضلا عن أننى شخصيا بحكم رئاستى لمركز أجهزة وإليكترونيات النانو، ليس لدى عبء تدريسى كبير، وجانب كبير من وقتى مخصص للأبحاث.


 ولكن خارج الجامعة الأمريكية، فهذه مشكلة كبيرة، لأنه أصبح لدينا عدد كبير من الجامعات، وهذه الجامعات ستستوعب عددا كبيرا من الأساتذة، الذين سيكون أغلب وقتهم مخصص للتدريس، والمشكلة أن من يقوموا بالتدريس لهم قد يكون أغلبهم ممن تتوفر فيهم فقط المقدرة المادية، أى أنهم ليسوا من صفوة العقول، وبالتالى سيكون ذلك مجهودا ضائعا.


 وعندما تضع هذا الوضع فى مقارنة مع الجامعة التى كنت أعمل بها فى أمريكا قبل المجىء لمصر، ستدرك الفرق، فقد كنت أعمل فى جامعة نورث ويسترن، وهى الجامعة رقم 9 فى أمريكا، وكان حجم التدريس الموكل للأستاذ هو ساعتين فقط أسبوعيا، ليكون أغلب وقته مخصصا للأبحاث، لاسيما أن الجامعة تملك ميزانية ضخمة للإنفاق على الأبحاث، والصناعة تدعم الأبحاث أيضا، وكذلك الدولة.


حل شخصى

وما الحل إذن من وجهه نظرك؟

يضحك قبل أن يقول: أنا أوجدت الحل الخاص بى، فأنا أدير مركز أجهزة وإليكترونيات النانو بنفس طريقة جامعة نورث ويسترن، فأنا أعمل مع صفوة الطلاب، وأجلب لهم التمويل المناسب من الخارج والداخل حتى يعملوا دون ضغط.

وماذا عن الحل العام؟

يصمت لوهلة قبل أن يقول: يجب أن تحدد مصدر قوتك وتحاول استغلالها، فدعنا نتفق أننا لسنا بلدا غنية، ولكن فى المقابل لدينا عقول جيدة، وبالتالى يجب أن ننفق ما يتوفر لدينا من أموال قليلة فى بناء «بلاتفورم» يستفيد من هذه العقول.

كيف؟

سأشرح لك ببساطة.. هل تعرف ما هو القاسم المشترك بين جوجل ويوتيوب وأوبر ودولة الصين؟.. الذى يجمعهم هو كلمة «بلاتفورم»، فجوجل أنشأت «البلاتفورم» والعالم كله هو من يضع المحتوى بها، واليوتيوب أنشأت «البلاتفورم» والعالم هو من يضع الفيديوهات، وكذلك أوبر التى أنشأت «البلاتفورم» الذى يحقق التواصل بين السائق والمستخدم، والصين على المستوى الكبير كدولة أنشأت بدورها «البلاتفورم» الخاص بها، الذى يتكون من عمالة مدربة وجمارك خفيفة وموانئ سريعة، وهذا «البلاتفورم» جذب كل الشركات للعمل فى الصين.


 إذن ما ينقصنا هو أن يكون لدينا «البلاتفورم» الخاص بنا، ولكن للأسف ستجد أن لدينا كثيرا من المشكلات، فالجمارك عندنا بطيئة جدا، والقوانين غير مشجعة، وهذا ينفر المستثمر الأجنبى، ولكن كما قلت لك فى بداية الحوار عندنا بصيص من الأمل فى قطاع الإليكترونيات، وهو وجود شركات أجنبية يعمل بها 6 آلاف مهندس مصرى، لكن إذا أردنا أن يكون الستة آلاف ستين ألفا وأكثر، فلابد أن يكون لدينا «البلاتفورم» الخاص بنا، فهذه الشركات ميزانيتها بالمليارات، وستوفر آلاف الوظائف إذا جاءت للاستثمار فى مصر، ولكن مجيئها مرتبط بأن تجد «البلاتفورم» المتمثل فى مهندس مدرب جيدا وقوانين مشجعة وجمارك خفيفة وموانئ سريعة.


غياب «البلاتفورم»

ما أعلمه أنك حققت من خلال مركز أجهزة وإليكترونيات النانو بالجامعة الأمريكية قصة نجاح ملهمة، فكيف تمكنت من ذلك، بالرغم من غياب «البلاتفورم» على مستوى الدولة؟

لم ينتظر استكمال السؤال وقال بلهجة متحمسة: صنعت «البلاتفورم» الخاص بى فى حدود إمكانياتى، فأنا أعمل مع صفوة من الطلاب، فرغم مشكلات التعليم التى تحدثنا عنها، ستجد عددا متميزا يمكن الاعتماد عليه، وأنا أعتمد فى المركز على هؤلاء المتميزين، ونجحت فى توفير تمويل مناسب من الشركات الأجنبية فى أمريكا وإسبانيا وغيرها من الدول للإنفاق على الأبحاث ودفع رواتب لهؤلاء الباحثين، وأعمل أنا وهؤلاء الباحثين على مشكلات حقيقية فى الصناعة، وهذا يجلب لنا المزيد من التمويل، ويعطينا ميزة فى النشر البحثى، ويجعل الشركات تفضل العمل معنا.

وجزء من «البلاتفورم» هو أن الجامعة لديها نظام يجعل هذه الشركات مطمئنة أن أموالها تنفق فى الإتجاه الصحيح المتفق عليه، فالتمويل الذى أحصل عليه، أملك قرار التحكم فيه، ولا أملك قرار صرفه فى غير ما هو مقرر، كأن أوجه مثلا بصرف رواتب منه لبعض الباحثين، ولكن لا أملك مثلا استخدامه فى السفر إلى الخارج فى درجة «فرست كلاس»، بينما المتاح وفق التمويل أن يكون السفر بالدرجة السياحية.

وهل يوجد ما يمنع من تكرار هذا النموذج؟

يومئ بالرفض قبل أن يقول: بالطبع لا، ويوجد بالفعل من خريجى المركز من قام بنقل التجربة لجامعات أخرى، مثل ماجد غنيم فى جامعة عين شمس، وحسن مصطفى فى مدينة زويل، وهذا من شأنه تحقيق نجاح نسبى، ولكن النجاح الكبير الذى يظهر تأثيره على مستوى الدولة، يحتاج إلى تدخل أكبر تديره الدولة، وليس أشخاصاً.

مثل هذه المبادرات الناجحة، إذا انتشرت فى أكثر من مكان، ألا يمكن أن تكون مؤثرة؟

يؤمئ بالموافقة قبل أن يقول: أتفق معك، وهذا ما يسمونه بالتغيير التصاعدى (bottom up)، أى أن الفكرة تبدأ صغيرة ومحدودة ثم تنتشر رويدا رويدا، ولكن هذا يحتاج لبعض الوقت.
 

ثلاثة مجالات

وماذا عن أبرز المنتجات التى خرجت عن مركز أجهزة وإليكترونيات النانو؟

بلهجة متحمسة يقول: نحن نعمل فى ثلاثة مجالات بالتوازى، الأول هو مجال تصميم الإليكترونيات، فكما يقوم المهندس المدنى بوضع تصميم للمبنى باستخدام برامج الكمبيوتر، فنحن نقوم فى هذا المجال بإنتاج برامج تساعد فى تصميم الشرائح الإليكترونية.


 أما المجال الثانى، فهو تصميم الشرائح الحيوية، وقطعنا فى هذا المجال شوطا كبيرا فى اتجاه تصميم بعض الشرائح، مثل شريحة للكشف عن السرطان من نقطة دم. 

وأخيرا: المجال الثالث المتعلق بالطاقة الشمسية، حيث قمنا من خلال مشروع ممول من شركة إسبانية والحكومة المصرية بتنفيذ نظام لمراقبة جودة الألواح الشمسية فى محطات الطاقة الشمسية الكبيرة، وهو اختراع من شأنه أن يزيد من إنتاجية الألواح الشمسية بمعدل 20%..

لأن المحطات يتضاءل إنتاجها، ولا يعرف القائمون عليها سبب ذلك فى ظل وجود آلاف الألواح فى محطة تبلغ مساحتها على الأقل 100 فدان، ونظام المراقبة يرسل لك رسالة عن مكان الوحدة التى انخفضت إنتاجيتها حتى تستطيع معالجة المشكلة.


الربط مع الصناعة

أشعر فى حديثك بحماس واضح، وتكاد تكون الباحث الوحيد الذى ألتقيه ولا يشتكى من أن منتجاته البحثية لا تجد الاهتمام الكافى، فكيف نجحت فى ذلك؟

ترتسم على وجهه علامات التركيز الشديد قبل أن يقول: السر فى معالجة الأبحاث لمشاكل حقيقية فى الصناعة، وعندها يمكن أن تأخذ علاقتى مع الصناعة ثلاثة أشكال، فإما أن الصناعة تعطينى تمويلا فى مقابل منحهم أدوات تحل مشاكلهم،على أن يمتلكوا هذه الأدوات، ولا يكون لك أى حق فيها، وفى هذه الحالة تدفع الشركات أموالا ضخمة، ولكن هذا النمط من التمويل ليس مفضلا لى، وقد جربته مرة، ولن أكرره مجددا.


 أما النمط الثانى، هو أن أحصل على تمويل من الشركة يكون أقل من الأول للعمل على إتاحة أدوات حل المشكلة، وعندما أصل للحل أمنحهم فرصة لاستعماله، على أن يكون لهم الأولوية فى الشراء بأموال أخرى، إذا قررت بيع الفكرة، وهذا النوع من التمويل هو المفضل لى، كما تفضله بعض الشركات، لأنها لن تنفق المزيد من الأموال، إلا إذا تأكدت من نجاح الأداة المنتجة.

أما النمط الثالث، فهو أن أقوم بتدشين شركة «ستارت آب»، لأقوم من خلالها ببيع الفكرة كمنتج، وهذا النمط يأخذ مجهودا أكبر من الباحث.

ومن يقوم بتمويلك فى هذا النمط الثالث؟

نعتمد على مستثمرين يقومون بتمويل هذه الشركات، نظير نسبة يحصلون عليها من أرباح الشركة، وبالفعل قمنا بتأسيس شركة فى أمريكا متخصصة فى تصميم الإليكترونيات، تحت اسم (سويترا).

ولماذا لم تؤسس الشركة فى مصر؟

لأن الصناعة التى تخصصت فيها هذه الشركة أقوى فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يوجد توجه لدينا لافتتاح فرع لها فى مصر قريبا.

بما أن الصناعة التى تعمل عليها لها سوق فى أمريكا، فلماذا عدت إلى مصر، وهل تشعر بعد سنوات من العودة أنك اتخذت القرار الصحيح؟

بدون تردد يقول: الحمد لله، أشعر أنى أخذت القرار الصحيح، وساهمت فى تعليم الكثيرين، وجلبت شركات عالمية لتمويل الأبحاث، وطلابى المصريون منتشرون فى أنحاء العالم، وهذا يجعلنى أشعر بالرضا النفسى، مثل المزارع الذى يزرع فى أرضه، وليس فى أرض الغير.

إقرأ أيضاً|اتفاقية تعاون بين جامعة العلمين الدولية وجامعة «تمبل» الأمريكية