كنا نحلم بلغة أخرى

كنا نحلم بلغة أخرى
كنا نحلم بلغة أخرى

هذا الإصدار الذى بين يديك عزيزى القارئ جعلنى أعود بذهنى للخلف لألقى نظرة على مسيرتى رحلة طويلة من 1974 حين صدرت لى أول مجموعة شعرية وحتى اليوم.
الشعر، مثل كل الفنون، هو عشق ومقاومة على التوازى، سعيت نحو الإبداع فى مغامرة طويلة ومستمرة لم تنته بعد كنت محظوظًا كونى ولدت فى وطن يغمره النور دومًا ونشأت فى بيئة تنعم بالحرية لم اضطهد قط وفعلت كل ما كنت أرغب فيه. علمنى الزمن أنه ليس هناك ثمة لقاء فى الحياة يحدث مصادفة، فهناك قوة ما تحدد وتقرر لهذا اللقاء.


فى مقدمة ثانى كتاب لى صدر فى عام 1974 استهللته بهذه الجملة التى أعرّف بها الشعر من وجهة نظري: «إن الشعر هو تحقيق لكل الأحلام من خلال الفكر والحرية»


أما فى عام 1981 فاستهللت كتابى السادس بما يلي: «إن الشاعر يرفع ثقل الفرد والجميع فى نفس الوقت معبرًا وعائشًا فى مناطق مشتركة»
فالأبيات التى يكتبها وإن بدت شخصية هى ليست إلا أبيات الفرد والجميع، إذ أن زمنه هو زمنهم وفى المرآة التى يرى فيها وجهه يظهر وجه العالم كله»
على أثر هذه التعريفات مضيت فى رحلتى الشعرية أتحسس الماضى وأقتفى أثر الحاضر وأسعى نحو مستقبل أفضل جاعلًا من الشعر ممارسة كشف تأتى بالنور وقشعريرة المفاجأة والحكاية الداخلية للإنسان والشغف والخوف من الموت والإشتياق والأمانى.


أشعر بحاجة ملحة لشكر الدكتور خالد رؤوف من أعماقى على ترجمته لمختارات من قصائدى إلى اللغة العربية وأعلم أنه بما يملكه من معرفة وحب لفن الشعر والرهافة التى تميزه سيصل بهذه المهمة إلى أفضل نتيجة ممكنة، ينقل د.خالد رؤوف هذا الكم من التأثر والمشاعر والفكر باستخدام الكلمات التى تعبر فى جوهرها عن عالم لا ينفصل فيه الإنسان عن الطبيعة مستمرًا فى نقل الشعر اليونانى إلى العالم العربى.


سبيروس كوكيناكيس، أثينا، 2021
مسافات
بينه وبيني
كل ما تخشاه
غسلوا الجسد و ألبسوه
وقَطَّروا عليه العطور.
بعد ذلك ناحت عليه
كائنات حدباء
تنضح بياضًا
تحمل أوعية الزيتون
مشاهد من مطاردات العشق.

ثم رشوا عليه التراب
فيما ينظرون إلى الظل وهو يسافر
بقطعة عملة معدنية فى فمه
عسل الزهور وملابس نظيفة.

عندما أشرق أول شعاع شمس
الماء المالح غطى كل شيء.

بينه وبيني
عالم بلا سلوان.
متَنَفسًا

على الجانب الغربى للجبل
تمشط كليتمنيسترا شعرها وهى تغني

على الضفة اليمنى للنهر
الحاكم ينشئ روابط العنف

من وراء ظهر الحاكم و كليتمنيسترا
يتمتم أجاممنون باستمرار ترانيم جنائزية
إلهام غير مسمى ومقاومات و شعور بالذنب والشفقة

 

خلف الكلمات تتوارى
أنفاس
وجوه لم تختر التضحية
شباب يضيعون دون أن يعرفوا

خلف الكلمات تختبئ
قرارات عظيمة تقتل على طرق معبدة.
لاجئ
لأصبحنا فى أرض غريبة
كدحنا من أجل أرض غريبة
أولادنا ولدوا فى أرض غريبة
وهنا لا يسرى قول قدمائنا «أينما تعيش تستوطن»
اشتقنا إلى طين أرضنا
بيتنا الذى تركناه
لم نكن نصدق أننا سوف نجد حيويتنا من جديد 
كنا نظن أننا سنجد الطين الذى داسوه
يجب أن تصدقنى يا صديقى العزيز
كنا نتحدث بلغة أخرى
كنا نحلم بلغة أخرى

اقرأ ايضا

ما تبقى من الليل .. رواية اليونان