عاجل

ناجي أبومغنم يكتب: ياسر رزق.. وجف حبر القلم

ناجي أبو مغنم
ناجي أبو مغنم

أي حزن هذا الذي خيم على الوسط الصحفي، وأي سواد كسا مهنة القلم، فقد كان نبأ ارتقاء روح ياسر رزق إلى بارئها، ثقيلا على القلوب وأدماها، وصدم العقول وأدمعت له عيون الآلاف من عائلة الأستاذ وأسرته وزملائه وطلابه وأحبابه وعارفي فضله ومن لامس إنسانيته وطيب معشره، وسمو أخلاقه، وتمكنه من أدوات مهنته وسبق جيله حتى صار في العقدين الآخرين الكاتب الأول بلا منافس.

 كان «ياسر» يسيرًا بسيطًا ودودًا رحيمًا، لم تغيره الشهور والدهور، بلا كلما زادت مناصبه زاد معها تواضعه ومواقفه النبيلة مع كل من حوله، وكان «رزق» رزقًا وفيرًا للصحافة التي كسبت مع ياسر رزق قلمًا ينبض بالإبداع ويخط بحب الوطن والدفاع عن بلده، حتى صار مدرسة تشرف وافتخر المئات من طلابه أنهم من روادها.

خلق مشير الصحافة كما نحب أن نطلق عليه، ليكون ناجحًا أينما حل واستقر، فقد ولد كبيرًا في مهنة القلم وكان قلمه رشيقًا وحبره مغذيًا للعقول ومشبعًا للفضول، وكلماته دوما رنانة، وتعبر عن الواقع.

كان محررًا للشئون العسكرية منذ تسعينيات القرن الماضي، وبعد سنوات قليلة من تخرجه والتحاقه بدار أخبار اليوم، وبعدها بات مندوبًا للأخبار في رئاسة الجمهورية، حتى صدر قرار الوزير أنس الفقي بتعيينه رئيسًا لتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، وارتقى بها وحقق قصة نجاح لم تعيشها المجلة في تاريخا لا زالوا يتغنوا بها حتى يومنا هذا وسيظلوا يفتخروا بتجربته ويشيروا لها.

عاد بعدها لرئاسة تحرير الأخبار في 2010 وقضى بها فترة صغيرة، وتمت الإطاحة به منها، لظروف ما بعد أحداث ثورة يناير، وكان مكانه محجوزًا على رأس الزميلة المصري اليوم، في 2012، قضى خلالها 15 شهرًا كانت ربيع الجريدة، وفترة ازدهارها، ورسم بها قصة نجاح وانتشار غير مسبوقة.

عاد مجددًا لبيته الأخبار وترأس تحريرها ورئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، كان خلالها حبيبا ومحبا للصحفيين والإداريين والعمال.

مقالاته كانت تمتاز بأفكارها المتفردة التي لم يسبقه لها أحد، ينتظرها القراء ويتمعنوا فيها ليتمكنوا من فهم رسائلها القريبة والبعيدة، فكان رحمه الله، واسع الأفق، صاحب نظرة مستقبلية صائبة، حالم بمستقبل أفضل لمصر.

كلما كنت اقرأ مقال الأستاذ ياسر رزق، وأمضى بين السطور استمتع بما تخط يداه، وأتمنى لو تطول الصفحة وتتسع لمزيد من كلماته، وكانت تلازمني ورقة وقلم، وأدون المصطلحات التي تقع عليها عيني لأول مرة، وأدون تشبيهاته وتعبيراته، فقد كان مقاله درسًا لن تجده في قاعات المدارس والجامعات.

سيذكر التاريخ هذا اليوم الذي كشر فيه القدر في وجه الصحافة والصحفيين، الذين نعوه على صفحات التواصل حتى تحولت لسرادق عزاء، وسرد لمواقفه الأبوية والإنسانية التي ستظل خالدة.

وفي نهاية رثائي لرجل يعز علينا رحيله، ولكنها سنة الحياة ولن يغلى على خالقه، أذكر أن أول موضوع صحفي بمؤسسة أخبار اليوم مكتوب عليه اسمي كان في عدد الأخبار المسائي التي يكتب على ترويستها الأستاذ ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم، رحمه الله، والأستاذ جمال حسين حفظه الله، وهذا مصدر فخري وعزي إلى آخر يوم في حياتي.

رحم الله الكاتب والمؤرخ ومعلم الأجيال والمشارك في صنع الأحداث والشاهد الأبرز على الفترة الأهم في تاريخ الحياة السياسية المصرية "ثورتين في سنتين".