لعل من أهم إصدارات 2021، مقالات الفيلسوف والمفكر الفرنسى ميشيل دى مونتينى التى ترجمها المترجم المغربى فريد الزاهى وصدرت، لأول مرة كاملة فى ثلاثة أجزاء، عن منصة ودار نشر معنى بالتزامن مع معرض الرياض الدولى للكتاب، ضمن إصدارات فلسفية عديدة تُرجِمت عن لغات مختلفة فى خطوة معنى الأولى كدار نشر، بعد أن عرفها القراء المهتمون بالفلسفة كمنصة إلكترونية مهتمة بالمقالات الفكرية والفلسفية.
لقد ظل مونتينى غائبًا عن قراء العربية لقرون، فمع أنه أحد المؤسسين للفكر السياسى والفلسفى الغربى وعاش فى القرن السادس عشر، إلّا أن مقالاته لم تُترجم كاملة سوى هذا العام، وهو تأخر كاشف عن مدى تجاهلنا لترجمة أمهات الكتب الفكرية المؤسسة فى الثقافات الأخرى، فى مقابل الاهتمام بترجمات أخرى قد تكون أقل أهمية. لا أتكلم هنا عن دور النشر الخاصة والمستقلة، بل أقصد مشاريع الترجمة الرسمية المختلفة أو الدور المدعومة ماديًا من الحكومات، فهى الأنسب لترجمة مثل هذه المؤلفات المرجعية، خاصة أنها قد لا تلقى اهتمامًا من عموم القراء، إذ رغم أهميتها القصوى تنحصر قراءتها، فى الغالب، داخل دوائر معينة.
وعن أهمية مثل هذه الترجمات يقول المترجم فريد الزاهى: «الأمر لا يتعلق بإغناء المكتبة العربية، كما يحلو القول، إلا إذا اعتبرنا ذلك مجازًا. الأمر يتعلق أكثر، كما ألح على ذلك العروى والشدادى، بإخصاب الفكر. فبما أننا لم نحقق نهضتنا ولا عصر أنوارنا فإن مؤلفين من قبيل مونتينى ومونتسكيو وروسو، رغم تجاوز الفكر الفلسفى والسياسى لهم منذ زمن بعيد، مؤلفون لا زالت راهنيتهم قائمة. فالمترجم وهو يُصدر كتابا لأحد هؤلاء، كأنه يدعو لإعادة تأسيس الفكر السياسى والفلسفى والثقافى العربى على أسس جديدة، وسد الثغرات التى تركناها وراءنا وإعادة النظر فى فكرنا وثقافتنا من جديد على أسس جديدة. فلا يمكن لفكر جديد أن ينبنى فقط على القطيعة وإنما أيضا على إعادة قراءة السابقين وتحديث فكرهم.»
ولأن لا يمكن لفكر جديد أن ينبنى فقط على القطيعة وإنما أيضًا على إعادة قراءة السابقين وتحديث فكرهم، كما يقول الزاهى، نأمل أن تكون هناك مشروعات كبرى مخصصة لترجمة هذه الكتب المؤسِسة وإخصاب الفكر العربى بها.
م.ع