صباح الفن

سر الغرفة 921

إنتصار دردير
إنتصار دردير

لأننا لم نعش زمن الأوبئة، إلا أن ما وجهناه ونعيشه فى «زمن كورونا» لم نشهد له مثيلاً، وربما يستحق أعمالاً سينمائية أو روايات على غرار «الحب فى زمن الكوليرا»، وهذه إحداها..

بدا عليها الارتباك وهى تغلق حقيبتها، وترتدى ملابسها فى عجالة، لتلحق بآخر عشر دقائق قبل أن تتحرك الحافلة بزملائها إلى المطار، لتكتشف أن نتيجة تحليلها وهى ورقة العبور إلى الطائرة لم تصلها عبر الإيميل، اتصلت بالجهة المسئولة فأخبروها أن النتيجة إيجابية، ولن تتمكن من السفر ويجب أن تعود إلى الفندق، أصبحت فى حالة يرثى لها مع دعوات أقرب إلى المواساة، لم تتمالك نفسها وانخرطت فى البكاء.

شتان بين المرة الأولى التى وصلت فيها إلى غرفتها، وهذه المرة، بخطوات بطيئة، سحبت حقيبتها، وأغلقت بابها، بعد أن أعلنت حالة الطوارئ، ووصم الدور التاسع الذى يحوى غرفتها وتحمل رقم (921) بعلامة حمراء، يدركها العاملون وكأنها سر حربى يتعاملون معه بحذر شديد.
حملقت فى سطح المبنى المواجه لغرفتها، راقبت عبر الزجاج حركة السيارات المتسارعة، فيما كان قلبها الذى تتسارع دقاته ينبض بالخوف، إلا أنها وسط ما تعانيه استعادت ذكريات مبهجة لأيامها الماضية.

فى مدينة تاريخية على البحر الأحمر، سارت فى شوارعها وشاهدت مبانيها، وعاشت مع ناسها، التقت نجوماً من كل أنحاء العالم، وشاهدت أفلاماً عكست ثقافات مختلفة، وكان يلفت نظرها دائماً تلك الأطباق الهوائية التى علاها الصدأ، ثمة تغييراً قد أصاب هذا المكان، تتذكر جيداً أنه حتى فترة التسعينيات لم يكن مسموحاً بتركيب هذه الأطباق، لكن الزمن تجاوزها وشهد المكان أول مهرجان سينمائى، كان حلماً عصياً غير أنه صار واقعاً.

خمسة أيام لم تغادرغرفتها انتابتها الهواجس، ماذا لو طالت المدة، أو كتب عليها أن تودع حياتها هنا، حاولت النوم لكنه خاصمها، تتابعت اتصالات الزملاء والأهل والأصدقاء ومسئولى المهرجان والفندق يتابعونها ويطمئنونها، وكان ذلك كفيلاً بأن يتسلل إليها الهدوء لتستعيد الثقة.

تساؤلات كثيرة عشتها بالفعل مع كل هذه التفاصيل، وأهمها ما معنى ما وصلنا إليه من إنجازات لا تستطيع مواجهة فيروس لا يُرى بالعين المجردة، فى زمن مُوحش، مُحاصرين خلاله بالحظر والتباعد، والألم والمرض، ومخاوف فقدان الأحبة.