تخيل معى لو أن وزير المالية تقدم بمشروع قانون لمجلس النواب يطالب فيه بفرض ضرائب على معدات التسليح التى تستوردها قواتنا المسلحة من الخارج لحماية هذا الوطن ومقدراته داخل وخارج البلاد.. أكاد أراك وأنت تبدى استياءك من مجرد تخيل الأمر، وليس حتى طرحه وانتظار إجابة عليه، على اعتبار أن الأمر يدخل فى إطار المسلمات والبديهيات.
ولكن للأسف شىء من هذا القبيل حدث قبل ساعات، عندما تقدم د. محمد معيط وزير المالية بمشروع قانون يتضمن زيادة فى ضريبة الدمغة، واستحداث بعض الأنشطة لكى تخضع لهذه الضريبة منها فرض ضرائب على المسارح والسينما.. ومعنى إقرار هذا القانون هو إطلاق رصاصة الرحمة على هذا النشاط الذى يمثل رأس الحربة فى قوة مصر الناعمة التى كانت البادئة بإعلان الحرب على الجماعة المنحلة، وكشفها وتعريتها أمام الرأى العام.
وأنا أتساءل، كما تساءل عدد من النواب عن المردود من هذا القانون فى هذا النشاط، وكم يمكن أن يمثل هذا العائد من «دراهم معدودات» فى وقت تسعى فيه مصر لاستعادة عناصر قوتها الناعمة، الأكثر عمقاً، والأكثر تأثيراً، والأقل كلفة.. الرئيس عبدالفتاح السيسى يعى ذلك جيداً، وتراه بأقواله وأعماله يدعم عودة السينما، والمسرح، والدراما إلى سابق عهدها، ويحرص بنفسه على تكريم نجوم أثروا بأعمالهم حياتنا، وكانت أعمالهم بمثابة النور الذى يكشف لنا معالم الطريق، ويضع أمام المواطن البسيط حقائق ما حدث فى إعادة بناء الدولة فى إطار درامى محبب كما حدث فى «الممر» و«الاختيار».
هذا ما يفعله الرئيس، ويفعل مثله عشرات المرات، ويتجلى فى مشروع العاصمة الإدارية التى أراد الرئيس بفكره أن تكون درة تاجها مشروعات ثقافية تعكس تاريخ وحضارة مصر وتعكس عناصر قوتها الناعمة من مسرح وأوبرا ومكتبات ومعارض ومتاحف.
هذا ما فعله الرئيس، فماذا فعلت الحكومة؟
الحكومة بمشروع قانونها لفرض ضرائب جديدة على المسارح والسينما، تعكس بداية نظرة دونية لهذين النشاطين، وثانياً هى بذلك تفرغ ما يريده الرئيس بعودة قوة مصر الناعمة من مضمونه.. كنت أنتظر العكس من وزير المالية الذى أحترمه وأقدره وأعتبره من أفضل وزراء المالية فى تاريخ مصر.
كنت أنتظر أن يتعامل مع المسرح والسينما، كما تعامل مع البقول وأعلاف الدواجن بإعفائها من الضرائب، لإتاحتها بأسعار رخيصة للمواطن، لا أن يفعل العكس والذى ستكون نتيجته أن يقاطع المواطن المسرح لأنه رفاهية لا يقدر عليها إلا المقتدر كما ترى الحكومة.
النائب محمود بدر، قال خلال الجلسة: أرفض القانون.. دولة عايزة تواجه الإرهاب بالفكر والثقافة وتفرض ضرائب على المسرح والسينما؟!
كنت أتمنى أن أسمع صوت د. إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة والأمينة على الدفاع عن صوت المثقفين وأصحاب الرأى.
أتمنى أن يعيد د. محمد معيط وزير المالية النظر فى هذا القانون، ويعيد دراسته، لعله بعد دراسته يأتى- كما ننتظر- بمنح تسهيلات، وليس ضرائب جديدة تعيد مصر لسابق عهدها الذهبى فى صناعة السينما والمسرح.
كل دار تغلق معناها خسارة أرض فى معركة الوعى والفكر والتنوير.
انطفاء أنوار دور السينما والمسرح هو غاية ومبتغى قوى الانغلاق.. لأنه ببساطة يعنى أنهم قد كسبوا المعركة.
د. معيط: حدد مع من تقف!