أمس واليوم وغدا

رصاص.. فــــى قلبنا!

عصام السباعي
عصام السباعي

الاهتمام الكــــــبير الذى تولـيــــــه الحكـــــــومـــــــــة بالأطـــــــــــفـال والعملــــيــــة التعليمية، يرجع لكونها تعرف جيداً أنهم هم الذين سيصنعون المستقبل، وسيرفعون أعلام الوطن فى كل مكان ومجال، على الجبهات وفى بطولات الرياضة والأولمبياد، وعلى منصات تكريم العلماء، هم رجال بكرة وأبطال مصر فى كل مجال، هم وقود الانتصار ومصدر الاعتبار للدولة المصرية فى المستقبل، ويمكن من هنا أن نرصد اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى بالطفل المصرى بمن فيهم أصحاب الهـمم والعقول الصافية، ومكانه محفوظ فى كل المشروعات التنموية العملاقة، وفى مقدمتها ملحمة «حياة كريمة»، فكلها توفر المناخ الصحى للنشأة والتنشئة السليمة لأطفالنا، وعلى تلك الخلفية أستطيع تثمين وتقدير كل جهد يتم فى تطوير منظومة التعليم لأنها القطار الذى سيحمل هؤلاء الأطفال للقيام بأدوارهم المختلفة، وهــــــــم رجال المستقـبل، وقضيـة التعليم أكبر بكثير من قضية منهج الصف الرابع الابتدائى التى تحتدم حاليا، ولكنى أعتبرها دلالة ومؤشراً لأشياء كثيرة يجب أن نتوقف عندها ونناقشها بصراحة ووضوح، لأن الأمر يستحق، فكل خطيئة وكل خطأ نتركه يمر بلا دراسة، هو رصاصة فى صدور أولادنا ووطننا ومستقبلنا، ولن يهزمنا أعداؤنا إلا لو تمكنوا من إحكام سيطرتهم على ذلك الملف، الذى يصنع عقول الأبناء ويوجه وعيهم ويصيغ أولوياتهم وولاءهم.. فتدبروا!

تلاميذ كوبرى مشاة سحالى الصحراء !

أعرف أن هناك مجهوداً كبيراً قامت به وزارة التعليم لتطوير المناهج، ولكننى لا أعرف شيئا عن التفاصيل، وأعترف أننى مثل الملايين توقفت دقات قلوبهم وهم يتابعون فيلم مشروع الوحدة الأولى للصف الرابع الابتدائي، بعنوان «مشروع الخفافيش»، ثم تجمدت الدماء فى شرايينهم وهم يتابعون مسلسل الجزء الثانى للمشروع عن تصميم نموذج مصغر من خامات البيئة لكوبرى مشاة يمر فوق الصخور لمساعدة سحالى الصحراء، وأعترف أنى عندما قرأت تلك السطور، تخيلت أنهم سيدرسون للطلاب قصيدة «زى السحالي»، وهى واحدة من إبداعات شاعرنا الكبير فؤاد حداد فى ديوانه «رقص ومغنى»، ويطلب صانع المنهج من التلاميذ تطبيق ما قاله الشاعر وأبدع فيه: «أنا أبقى سحليه وسيمه ويجينى برص بتاع سيما»، ولكن من حظ الأولاد أنه مشروع علوم وليس حصة العربى!
ما أريد أن أقوله وباختصار، يلخصه كتاب تربوى سبق وقرأت صفحات منه بعنوان «تفكير القبعات الست فى العلوم»، وهو مصطلح يعنى بلغة الكيمياء، أن لكل لون طولاً فى الموجة والتردد، ويميزه ذلك عن غيره من الألوان، ولكن فى النهاية يظهر الضوء الأبيض الذى يجمع كل تلك الألوان ليرشدنا إلى الطريق الصحيح، وحسنا قد فعل الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني،عندما قالها صراحة عبر جروب اتحاد أولياء أمور المدارس التجريبية: «هذا اجتهاد فردى والوزارة لم تطلب شيئا من الطلاب»، ولو سلمنا بأنه بالفعل كذلك، فهل يتخيل أحد أن نترك الأطفال فى تلك السن تحت رحمة اجتهاد من مدرس، سيصيب الأولاد بالتخلف العقلى؟!، ولدى هنا اقتراح مهم جدا، بأن يتم تصميم تلك المشروعات من صميم البيئة التى يعيش فيها الطلاب وستحقق الهدف المطلوب، مثلا عجين الفلاحة، التزويغ بدون النط من السور، ولا أقصد هنا السخرية بحال من الأحوال، ولكن الواقع يؤكد لنا أنه من الصعب أن يسقط واضع المنهج من اعتباره أولياء الأمور والأطفال أنفسهم، وأن يصبح عرضة لضحكاتهم أو استغرابهم، وهو الأمر الذى يجب أن يجعلنا نتوقف ونفكر فيما حدث وكيف حدث ولماذا حدث؟ لأن النتيجة ستكون أكثر من سلبية، وأبسطها زيادة نسب التسرب من التعليم، وما أدراكم الكوارث الناجمة عن ذلك .. فتدبروا !

رسالة من د. طه حسين

لا يمكن أبدا أن يتم فرض المناهج بطريقة فوقية.. لا يجب أبدا أن نجبر الطلاب على أشياء خارج بيئتهم .. ولا يصح أبدا أن يتم تطبيق المناهج بدون تقديمات ومقدمات وشروحات إقناع واقتناع لكل الأطراف المعنية، ومن خلال خبراء وطنيين وليس أجانب، على علم بالبيئة والذوق المصري، ومدركين لما سبق من تجارب ومقالب، وأن تكون العملية التعليمية تحت إشراف كامل من البرلمان المصري، بحيث نبدأ مشروعا مصريا وطنيا لتطوير التعليم المصري، ولكم أن تتخيلوا أنه منذ أصدر الدكتور طه حسين كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر» عام 1938، وكل ما فيه مازال من المقترحات المهمة والعاجلة، كان قد توصل إليها خلال مشاركته فى مؤتمر للتعليم العالى فى باريس، ولم يكن غريبا أن تكون أولى صفحات الكتاب تحت عنوان «الثقافة والعلم أساس الحضارة والاستقلال»، وهما هدفان لا يوجد أسمى منهما لأى دولة. ما أود طرحه أن يتولى البرلمان مهمته القومية، ويبدأ فى جلسات استماع علمية حول الوضع الحالي، وخطط التطوير، ويكون للخبراء الوطنيين اليد الطولى والعليا فى كل جلساته، مع دراسة تجارب الدول الأخرى، وإمكانيات «تمصير» تلك التجارب، وكم أرجو أن يتبنى ذلك الاقتراح حزب الأغلبية «مستقبل وطن»، من أجل صالح الوطن، وتنفيذا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، وباعتبار ذلك المطلب الوطنى لتطوير التعليم، من أهم المداخل إلى الجمهورية الجديدة، جمهورية العلم والعمل والإنسان، إنها رسالة من طه حسين إلى كل المصريين والبرلمان المصرى، بأن يدرسوا ما كتبه، ومن المفارقات أنه لم يكتب تقريرا لوزارة المعارف بكل ما رصده فى مؤتمر باريس، وقال لنفسه، إن ذلك التقرير سيكون مصيره أحد الأدراج، وقد يتم العودة له أو ينام فيه لآخر الدهر، ولذلك حرص على نشره فى كتاب ليحظى باهتمام المصريين، ولم يحدث ذلك الاهتمام بكل أسف على مدار 83 عاما.. فتدبروا ! 

بوكس

هناك قضايا لا تحتاج لمهندس، ولكن إلى مفكر وصاحب رؤية، وهناك مجالات لا تحتاج لخبير أجنبي، ولكن إلى عالم بظروف أولاد بلده، ومفاتيح عقولهم وقلوبهم!