لم يزعجني السؤال ولا صاحبه بقدر ما أزعجني تكرار إثارة الشكوك في بعض الثوابت الراسخة في أذهاننا منذ قرون طويلة

كيف  أن الرسول (صلي الله عليه وسلم) لم يعش في مصر ولم يرها يوماً ولم تكن مصر قد فتحت في زمنه، وتريد أن تقنعني أنه يعلم أن في مصر خير أجناد الأرض؟ وإن كانوا خير أجناد الأرض، فكيف استطاع عمرو بن العاص ان يغزو مصر ويهزم خير أجناد الأرض؟
استكمالاً لمسلسل التشكيك، ورد لي هذا السؤال تعليقاً علي ذكري ماورد في جزء من خطبة طويلة لعمرو بن العاص (رضي الله عنه) في أهل مصر قائلاً: حدثني عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يقول : (إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفاً، فذلك الجند خير أجناد الأرض.. فقال له أبو بكر : ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال: لأنهم في رباط إلي يوم القيامة)..
أخرج هذه الخطبة إبن عبد الحكم (ت257هـ) في «فتوح مصر» (ص/189)، والدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (2/1003)، ومن طريقه إبن عساكر في « تاريخ دمشق»(46/162)، وأخرجها إبن زولاق الحسن بن إبراهيم الليثي (ت 387هـ) في «فضائل مصر» (ص/83)، وعزاه المقريزي في «إمتاع الأسماع» (14/185).
في الحقيقة لم يزعجني السؤال ولا صاحبه بقدر ما أزعجني تكرار إثارة الشكوك في بعض الثوابت الراسخة في أذهاننا منذ قرون طويلة والتي يريد مروجوها بها أمراً.. وكان ردي ببساطة علي السؤال الأول أنه: «إذا لم يُوثق في حكم رسول الله (صلي الله عليه وسلم) علي ما بعد وفاته ببضع سنين فقط، فكيف نثق الآن في حكمه علي أمور أخري بعد وفاته بقرون!! وكيف يوُثق في أمور علمية حكم فيها وهو لم يتعلمها في كتاب من أصله وهو نبي أمي؟.. أما الإجابة علي السؤال الثاني فهي أن:»العدو الذي قابله عمرو بن العاص عام 641 ميلادية وهزمه في مصر لم يكن الجيش المصري بل جيش البيزنطيين ولم يكن بينهم مقاتلون مصريون».
ألم يكن من الأحري أن يكون السؤال «لماذا إذن هُزم المصريون وتم احتلال أراضيهم أكثر من مرة؟»، والإجابة ببساطة:أنه ليس لـ»خير أجناد الأرض» أن يحققوا النصر الدائم المبين ما لم يكن لديهم عقيدة إنسانية حقيقية يدافعون عنها، وما لم يتدربوا علي القتال لدرجة الاحتراف وما لم يكن ضمنهم قيادة قوية رشيدة.. وغير ذلك الكثير..
أما عن أهم سؤال وجب طرحه علي الإطلاق فهو»كيف أظهر الجيش المصري في العصر الحديث أنه خير أجناد الأرض طالما ليس بالانتصارات علي العدو حتي ولو كان انتصارات حرب أكتوبر المجيدة؟».. والإجابة التي لمستها بيدي خلال خدمتي الطويلة بالقوات المسلحة مروراً بمواقفها عقب ثورتي يناير ويونيو: «أن النصر الحقيقي للجندي المصري يكون علي النفس منفذين المهام المنوطين بها.. فعلي مر العصور وصولاً إلي ما سُمي بالربيع العربي وفي حالة ثورة أي شعب علي نظامه نجد الجيش ينحاز لإرادة النظام.. أما في مصر وخلال ثلاثة أعوام فقط ثار الشعب فيها علي نظامين مختلفي التوجه والأيدولوجية وجدنا جيش مصر في المرتين ينحاز إلي إرادة شعبه ضد النظامين المستبدين.. ولقد كنت علي رأس إدارة العمليات لأحد أهم أجهزة القيادة العامة وأعلم ما أقوله وما كُلفت به وما لمسته بيدي جيداً من خلال الأوامر التي تلقيناها والتي لم أكن لأنفذ غيرها أنا ورجالي.. وكم أتمني أن تتاح الفرصة لأي مُشكك أن يشارك في إحدي المناورات التدريبية او المشروعات التكتيكية التي تنفذها تشكيلاتنا ووحداتنا ليري بنفسه كيف بإمكانيات محدودة وفي ظروف شديدة الصعوبة يفعل الجنود المصريون المستحيل.. فبأمر من قائدهم تراهم يحركون جبلاً».
إذا كان التشكيك بحق في صحة حديث شريف فلماذا الآن بالذات وبواسطة فصيل مُعين بعينه؟ الحقيقة أن التشكيك المقصود يستهدف إرادة مصر والمصريين شعباً وجيشاً والسعي لإشعال الفتنة بينهما، وبصرف النظر عن المشككين في الحديث الشريف صحيحاً أو غير صحيح في وصف جنودنا أنهم «خير أجناد الأرض» فيكفيني ما لمسته بيدي بين جنودي طوال خدمتي بالقوات المسلحة وكثيرون غيري يشعرون ويتفهمون جيداً ما اقوله.