مصر الجديدة:

حادث الإسماعيلية

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

امتلأ الفضاء الافتراضى بفيديو يصور شخصا يقتل شخصا آخر أكبر منه سنا بساطور ويفصل رأسه عن جسده ويمشى حاملا الرأس متفاخرا بالإنجاز مهددا كل من يفكر فى الاقتراب منه.

طبيعى بعد ذلك أن يتكاثر عليه الناس ويأتى رجال الأمن ويتم القبض عليه لنعرف ما وراء هذا الفعل البشع.

انهالت الانتقادات لمن صوروا الفيديو إذ كيف يفعلون ذلك ولا يفكرون فى الهجوم على القاتل الذى لم يفعل جريمته فى ثانية أو دقيقة.

لكنى وجدت أنه من الأفضل ألا أشاهد الفيديو. لن أتحمل فلست أمام فيلم سينما بل حقيقة فاقت الخيال.

دعنا من تسابق الصحف بعد ذلك لمعرفة السبب.

والحقيقة أن كل ما ينشر بعد الجريمة مباشرة يدخل فى دائرة التخمين أو الكلام المرسل فالجانى لن يقول الحقيقة إلا فى تحقيقات هادئة بعد هدوء يناله هو أيضا .

لقد مرت على فى حياتى حوادث قتل بشعة وحوادث ثأر لكنى لم أر تفاخرا برأس القتيل أو جثمانه إلا فيما ارتكبته داعش من مجازر فى العراق والشام.

وطبعا لا يعنى ذلك أن القاتل داعشى ولا أن القتيل من أعداء داعش.

هما مثل الملايين يعيشون حياتهم بهدوء وسلام. لكن الشيء بالشيء يذكر. كما أن الميديا التى نشرت كثيرا مشاهد القتل الداعشى ربما فتحت الطريق لتطور غير متوقع فى حوادث الثأر . ماذا فعل المجنى عليه ليتفاخر الجانى بحمل رأسه واستمرار طعنها ثم القائها فى الطريق.

مهما نعرف من اسباب لن ننتبه ان وراء ذلك ايضا ضعف نفسى كبير لأى سبب جعل القاتل لا يميز حتى  أن القتل وحده يكفي.

وأنه حتى لم يفكر أن يقتل سرا كما يفعل الكثيرون. لقد صار الاجرام راية تريح النفس ومهما يكون من سبب وراء ذلك، فالسبب الاكبر هو ضعف نفس القاتل.

فى النهاية هى جريمة مع سبق الاصرار وستكون نتيجتها الاعدام مهما قدم المحامون من مبررات لكنها ستظل تعكس حالة جديدة فى الانتقام لم تعرفها بلادنا من قبل وأعنى بها أن يتم القتل والتمثيل بجثة القتيل علنا.

ذلك تاريخ قديم فى العصور الاسلامية المختلفة فكم من خلفاء او حكام قتلوا معارضيهم او خصومهم علنا ومثلوا بجثثهم.

لقد استمر الأمر حتى بدايات العصر الحديث يرتكبه حكام مصر على سبيل المثال من العثمانيين والمماليك لكن لا اظن ان القاتل قرأ شيئا من ذلك.

هو فى اقصى تصور ممكن شاهد ما تفعله داعش.

حدث هذا فى وقت تتحرك فيه الدنيا حولنا بقضايا لا تبتعد عنا اولى بنا الانتباه اليها مثل ما يحدث فى اثيوبيا وتقدم ثوار تيجراى الى العاصمة او ما يحدث فى السودان وعودة المظاهرات  او حتى ما يحدث بين دول الخليج ولبنان من خلافات. السؤال هو لماذا صار الاهتمام الاكبر بجريمة الإسماعيلية.

الإجابة هى ما أصاب الكثيرين وربما الأغلبية من الأحداث السياسية.

وأى رأى تقوله ستجد من يتهمك باتهامات لا  تخطر على بالك. الانقسام السياسى يأخذ كثيرا جانب التشفى ولا يقف عن مجرد الاختلاف فى الرأى .

ولقد اتاحت الميديا للاغلبية التى اكثرها من الاشخاص العاديين ان ترى العالم كما تراه ومن لا يراه مثلهم يتم تخوينه او الشماتة فيه اذا حدث واصابه مكروه.

 لكن فى النهاية يظل حادث الاسماعيلية مؤشرا على حالة نفسية قد تصيب الآخرين ممن اصابهم سوء من اى احد فى الطريق يمكن ان تنغلق امام اى احد رغم انها بنظرة هادئة قد تكون مفتوحة بالقانون. لكن من أين تأتى النظرة الهادئة فى هذا العالم القاتل الذى صارت فيه الحفاوة بالجرائم شاغلة الميديا أكثر من أى شىء والحفاوة هنا تعنى الاهتمام.