من وراء النافذة

تقاليع البنوك

تقاليع البنوك
تقاليع البنوك

ظاهرة امتناع البنوك عن تسليم المودعين أو المشترين الجدد لشهادات الاستثمار مستندات ورقية تفيد بقيمة الشهادة وتاريخ شرائها وتاريخ انتهائها وسعر الفائدة عليها؛ ظاهرة جديدة انتشرت مؤخرًا بشكل قسري، وصارت العلاقة بين المودعين والبنوك علاقة إذعان غير قانونية من جانب المواطن المسكين نحو البنك صاحب اليد العليا، والحق الحصرى فى الاحتفاظ بالمستندات، هذه السُنّة ابتدعها البنك الأهلى بحجة الميكنة ثم حذت حذوه باقى البنوك،ويأتيك الرد «المميكن»  البارد على لسان موظفى البنك: لا تقلق كله موجود على السيستم عندنا! هذا على الرغم من أن العلاقة فى الأصل تشاركية تعاقدية، فالمواطن يودع أمواله فى المصرف لكى يقوم الأخير بتشغيلها واستثمارها  لصالح المواطن مقابل نسبة عائد أقل بكثير من العائد الحقيقى الذى يجنيه البنك، مقارنة بعوائد شركات توظيف الأموال على سبيل المثال، لكن ميزة الاستثمار فى البنوك على ضآلة عائده هى إشراف الدولة على معاملات البنوك ومن ثم فإنها تعتبر الضامن لأموال هؤلاء البسطاء ،ومادامت العلاقة تعاقدية فإن من حق كل طرف من أطراف العلاقة الاحتفاظ بنسخة من مستندات إيداعه لهذه الأموال فى البنك مهما تضاءلت قيمتها.

فى بداية التحول كان البنك يستعيض عن الشهادة الورقية برسالة هزيلة على الهواتف المحمولة، تفيد بشراء شهادة ونوعها وقيمتها، ومع أن هذه الرسالة ليست بديلاً على الإطلاق عن المستند الورقي، نظراً لكثرة احتمال تلف الهواتف وضياع بياناتها أو ضياعها وفقدانها هى ذاتها، إلا أن هذه الرسائل الهزيلة توقفت بدورها ولو أراد عميل البنك معرفة إجمالى أمواله المودعة فعليه تقديم طلب(!) ودفع رسوم(!) لاتقل عن مائة جنيه لكى يتم استخراج بيان مطبوع بإيداعاته، مع الأخذ فى الاعتبار أنه ليس كل المواطنين يتعاملون بالوسائل الإلكترونية الحديثة ويستطيعون الدخول على حساباتهم فى المواقع الإلكترونية للبنوك، كما أن بعض البنوك مازالت متعثرة فى موضوع الميكنة وإتاحة صفحات للعملاء للدخول على حساباتهم ومثال ذلك بنك مصر.

يدهشنى هذا التعالى الشديد فى التعامل مع عملاء البنوك، وتدهشنى أكثر تلك الثقة الزائدة بالنفس التى تتمتع بها البنوك، ما ضمانة عدم وقوع أى خطأ بشرى من الموظف المختص، وقد صادفت بنفسى الكثير منها، وما ضمانة عدم حدوث خطأ إلكترونى مهما كانت دقة أنظمة حماية «الميكنة»؟ وقد تعرضت أنظمة كبريات الشركات بل والدول المتقدمة لمثل هذه الحوادث، وقبل هذا أين حق العميل فى الاحتفاظ بمستندات تثبت إيداعه لهذه الأموال، وملكيته للشهادات؟ ألا يشبه هذا احتفاظه بمستند بيع أو شراء شقة أو قطعة أرض؟ ولو توفاه الله أليس من حق ذويه معرفة تركته بدل من «الدوخة» بين البنوك بعد موافقة البنك المركزي؟ .

لا ميكنة، ولا شمول مالي، ولا أى من هذه المصطلحات البراقة الفخمة تسوغ حرمان مواطن من حيازة مستندات تثبت رأس ماله النقدى المودع فى البنوك واستئثار تلك البنوك بمعلوماته الخاصة.

فى ذات السياق خرجت علينا  الصحف بتحذيرات للمواطنين بإغلاق حساباتهم الراكدة المودعة فى البنوك بعد مهلة محددة قصيرة  ومفاجئة دون الأخذ فى الاعتبار احتمال عدم قدرة العميل فى هذه المهلة القصيرة التوجه للبنك لتنشيط حسابه لأسباب مختلفة كالمرض أو السفر للخارج، الأدهى فى مسألة الحسابات الراكدة أن هذا التحذير يأتى متأخرًا وهو نوع من استدراج العملاء ودفعهم دفعا للتخلى عن أموالهم أو خسارة بعض منها نتيجة فرض غرامة ركود وهو ما حدث معى شخصيًا  فى بنك سى آى بى ليجد العميل نفسه وقد غادر البنك بعد سنوات من إيداع أمواله أو شرائه شهادة استثمار خاسرًا ثلث ماله على الأقل بدلاً من الفوز ببعض فتات العوائد، أخطاء موظفى البنوك يتحملها العملاء للأسف دون اعتذار أو تعويض وبمنتهى البرود، مع أن المتابعة الدورية كل ستة أشهر كانت كفيلة بحفظ حقوق العملاء وسمعة البنوك، كل ما أخشاه أن تلقى أموال المودعين نفس مصير أموال المعاشات.