يوميات الاخبار

تسمحيلى بالرقصة دى!!

سمير الجمل
سمير الجمل

يكتبها اليوم :سمير الجمل

«النيش» الذى تجده فى بيوتنا ولا نقترب منه كأنه من المحرمات لكنه تقليعة تكلف الكثير ولا فائدة منها إلا أقل القليل

فى الملهى الليلى يجلس الأصدقاء يأكلون ويشربون ويدخنون ويضحكون.. فاذا انتهت السيدة الراقصة الشرقية من نمرتها ودارت حول نفسها عدة دورات وتطايرت أطراف بدلتها وانحنت ترد التحية للجمهور.. ثم انصرفت إلى حال سبيلها.. وتغيرت الموسيقى لتصبح ناعمة رومانسية.. وقف الصديق الجنتل مان.. يمد يده إلى زوجة صديقه يستأذنها أن ترقص معه.. بينما الزوج فى المقابل.. يتجه بطلب مماثل إلى زوجة صاحبه.. يحدث هذا فى قمة التحضر والرقى.. وقد كانت القاعدة أن الرجل «الدبشة» هو الذى لا يعرف كيف يرقص.. ويصفونه بأنه «بلدى» ولنا فى فيلم «اشاعة حب» وقفة مع «حسين» الذى لا يعرف شغل السهر والكباريهات على عكس «لوسى» الشاب الفرفور الذى يصفونه بالمودرن فهو يجيد كل أنواع الرقص الرومبا والزومبا والصلصة والمكرونة وما يستجد من رقصات وهو كلما رأى سيدة انحنى لها كأنه اليابانى ابن كوتوموتو.. ولد شيك لكنه «لوسى» الذى تنتمى خالته أو تانته.. إلى عائلة «سلطح» والفيلم مأخوذ عن مسرحية «حديث المدينة» وصاغ السيناريو محمد أبويوسف وعلى الزرقانى واخرجه أمير الكوميديا فطين عبدالوهاب.

الكوميديا هنا هى مجرد غطاء لفيلم يكشف لنا عن نوعيتين من الناس.. الأولى هى «القشرة» التى تمسك بالظواهر والمظاهر مهما كانت درجة خرابها الداخلى.. فى مقابل الناس الأصل الذين يأخذون الحياة على محمل الجد وهم ظرفاء فى غاية اللطف.. يعملون على طبيعتهم بلا تصنع أو رياء.. وهم السواد الأعظم من المصريين.

تاريخ الفيلم يعود إلى عام ١٩٦٠.. أى بعد ٨ سنوات من ثورة يوليو ١٩٥٢ التى وضعت العمل شعارا لكى تتقدم البلاد.. وكانت نهضة الصناعة والزراعة موازية لنهضة المسرح والسينما والأغنية والرياضة.. لأن الصحوة لا تتجزأ وحسين الدوغرى الجاد «عمر الشريف» «لبخة» وليس له فى الحركات وعمه النشاشجى «يوسف وهبى» يحاول أن يقول لزوجته القشرة: انظرى إلى أعماق الانسان وهو الدرس الذى أراد أن يوصله إلى سميحة «سعاد حسنى» ابنته.. لان «لوسى» الولد «الخرع» لا يمكن أن يصنع بيتا ويفيد مجتمعه.. لانه خبير فى الرقص وأمور الموضة والهمبكة التى يطلقون عليها «الإتيكيت».. وينسى هؤلاء أن أهلنا من الصعايدة والفلاحين.. هم الأصل والفصل فلا يمكن لراكب حماره أن يمر على الجماعة التى تجلس على المصطبة وفيهم الكبير.. والواجب يحتم عليه أن ينزل من فوق ركوبته ويسلم.. ثم إذا عبرهم وتجاوزهم عاد إلى حماره.. ولا يمكن لرجل حتى وان بلغ الخمسين أن يجلس ويضع الساق على الساق أمام والده أو من هو أكبر سنا منه.

الآن يضع بطن حذائه فى وجهك بلا حياء.. بكل بساطة فإذا حاولت أن تلفت نظره يكون جوابه:

− الكلام ده انتهى وخلص مثل الترماى أبو سنجة.. ووابور الجاز!!

والأجهزة والآلات تتطور ولكن المبادئ والاخلاقيات ثابتة.. وهى فى كل الديانات السماوية واحدة تقريبا لانها جاءت من نفس المصدر أو الناموس حتى فى الديانات الوضعية مثل البوذية.. ستجد ان الاخلاق كما هى.. وهو ما يتم تعريفه بالانسانيات وما جاءت به علوم الاجتماع.. لان النفس البشرية.. كلها تنتمى مهما اختلفت إلى آدم وحواء.. تحب وتكره وتخاف وتشعر وتحس وتتألم وتفرح.

والانسان إذا كان له مشروعه الخاص فى حياته وطموحه المهنى.. ادار وجهه واهتمامه للزخارف والكماليات والزوائد وتجاوزها.. والعلبة الفارغة تحدث صوتا وضجيحا بعكس العلبة المليانة.

شغل سيما

لان السينما بدأت فى اوروبا وتحديدا من فرنسا.. سيطرت ثقافتها على محتوى الافلام.. ولان مصرنا كانت حاضنة لجنسيات عديدة وشارك الايطالى والفرنسى والتركى واليهودى.. فى صناعة الافلام الأولى.. ولما دخلت أمريكا على الخط وسيطرت اضافت ثقافة الكاوبوى والمافيا والتحضر الاجوف الذى سخرت منه بعض الأفلام.

وعشنا وشفنا البار من معالم أغلب البيوت فى افلام الأبيض والأسود.. وهو ما يعادل «النيش» الذى تجده فى بيوتنا ولا نقترب منه كأنه من المحرمات لكنه تقليعة تكلف الكثير ولا فائدة منها إلا أقل القليل لان ما يحفظه مولانا «النيش» لا يخرج إلا فى مناسبات معينة.. ولفئة خاصة من الضيوف.. وقد لا نقترب منه نهائيا.

اشرب يا سيدى

− لازم أشرب عشان أنسى!!

عبارة خالدة.. فى الشريط السينمائى.. الغنى يتجه إلى البار.. والفقير إلى الخمارة «يقربع» منقوع البراطيش.. وهو غالبا لا ينسى.. تماما مثل الذى جلس يتفرج على زوجته تراقص صاحبه وقد تشابكت الأيدى.. واقتربت الانفاس من بعضها.. لكنه التحضر الذى لم ينعكس علينا كمجتمع إلا بالهجص والمسخرة.. والأصدقاء يجلسون ويأكلون ويشربون ويضحكون.. فلا يعقل أن المرأة التى تشكو من أن هذا الجلف قد نظر إليها نظرة مش ولابد.. أو تحرش بها لفظيا.. تتسامح مع رجل غريب فى شبه حضن وقد تسمع منه فى تلك اللحظات المتحضرة ما لا تسمعه من زوجها المتحضر أيضا.

تماما عندما ارتبطت السيجارة.. عند الأنثى بانها مودرن.. وعلى نفس الخط بالمرأة المتحررة المنفلتة.. فهل رأيت واحدة من اياهم فى كباريه من اياهم لا تدخن ولا تشرب؟.. انها تقريبا نفس نظرية اللص.. الذى يسرق ثم إذا عبر أمام أحد المساجد وضع ما فيه النصيب فى صندوق التبرعات والتماس الاعذار ضرورة انسانية لان الله سبحانه وتعالى اعلم بعباده.. وظروفهم وحسابهم عند ربهم.. وليس عندنا.. لكن الأشياء تدل على نفسها.

حضارة الغرب لم تتقدم وتنهض بالرقص وتدخين المرأة والمايوه وفساتين السهرة.. لكنها تقدمت بالشغل والعلم بعيدا عن الفهلوة والأونطة..

وانظر إلى افراحنا على سبيل المثال تتحول إلى كوارث لان مواسير «الفرح» عندنا على ما يبدو قريبة جدا من مواسير «الهطل».. وقد تدخل على بعضها البعض.. يطلقون النار.. ويموت العريس والمأذون والمعازيم والمطرب ما يزال مستمرا..

وقد تنقلب السيارة المزينة بالورود والبالونات.. على أثر التخميس.. بمن فيها..

وقد تشتعل الموتوسيكلات وهى تمارس الجمباز.. والشقلبة.. وبخلاف تعطيلها لعربات الاسعاف.. ولمصالح الناس.. الذين يحملون احد الموتى يهرولون به إلى مثواه الأخير. ولكل امرئ منهم شأن يغنيه فهل كان ارتداء المينى جيب عنوانا للرقى والتحضر على حساب الانواع الأخرى من الملابس؟ ابدا والله.. وأنا هنا لا مشكلة عندى ان يلبس كل انسان ما يريد وهذا شأنه ولا يمكن منعه.. إلا اذا تحول ملبسه إلى فعل فاضح لأن الحرية لها حدودها.. لكن فى المقابل لا تسخر من غيرك.. فلست ملاكا حتى تحسبنى من الشياطين أو العكس..

تغير حسين فى مظهره.. لكنه احتفظ بجديته ورجولته.. مقابل سى لوسى ننوس عين خالته..

وانتصر الجوهر على المظهر.. تلك هى أزمة الغالبية يحل لنفسه ما يحرمه على غيره.. ولو حاسبنا أنفسنا قبل أن نلوم غيرنا.. لوصلنا إلى نقطة اتفاق عظيمة تبلغ ذروتها بالقول الإلهى العظيم «لكم دينكم ولى دين».
ويا سيدتى اسمحيله بالرقصة دى.. هذه حياتك لكن ماذا بعد الرقص والموضة التى تبلغ حد التقاليع الفارغة وانت أيها الجاف احذر ان تنكسر من تشددك الفارغ.. وخير الأمور الوسط والاختيار لك.. بين حسين ولوسى.. والكلمة الفاصلة لسميحة وما ادراك ما سميحة!!