أعداء الأمس أصدقاء اليوم.. هل تصبح أفغانستان ثقبًا أسودا داخل آسيا ؟

سيطرة حركة طالبان على أفغانستان
سيطرة حركة طالبان على أفغانستان

شككت قوى دولية من قدرة القوات المعارضة لطالبان التي استولت على 3 مناطق قريبة من بنجشير شمالي أفغانستان، على إحراز تقدم ملموس دون الحصول على دعم كافٍ من الخارج، لاسيما بعد الانسحاب التام للقوات الأمريكية جزئياً نهاية الشهر الجاري.

 

ووفقاً لدراسة بعنوان "النفوذ الإيراني في أفغانستان.. الآثار المترتبة على انسحاب الولايات المتحدة" الصادرة عن معهد أبحاث «راند» الدولي، فإن الانسحاب الأمريكي كان مقررا له في 2016، غير أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، خفض نهاية العام الماضي القوات إلى 2500 جندي.

 

وأعاد سقوط الدولة الآسيوية في أيدي حركة طالبان، إلى الواجهة صراع المصالح بين الدول الكبري، وسلطت الدراسة الضوء علي تشابك المصالح، إذ أكدت أن المصالح الأمريكية تتسق مع المصالح الإيرانية والروسية بالإضافة إلي الصين داخل أفغانستان.

 

اللافت في الأمر أن الانتقادات التي تعرض لها الرئيس الأمريكي جو بايدن جراء قرار الانسحاب، اعتبرها كثيرون «متسرعة»، خاصة وأن أهداف الجهات الفاعلة الإقليمية تتماشى مع الهدف النهائي للولايات المتحدة الأمريكية، ويبقي الرهان على قدرة أفغانستان على بناء اقتصاد أكثر استقلالا للحفاظ علي استقرارها السياسي.

 

وتشير الدراسة، إلى صعوبة تحقيق الدولة الحبيسة الاستقلال الاقتصادي، ودللت على ذلك بمقتل "محمد نجيب الله" الحاكم الأفغاني-1992- بعد قرار موسكو بوقف الدعم المالي لحكومته نتيجة تداعيات تفكك الاتحاد السوفيتي.


وفي قراءة لما تشهده التطورات الراهنة يقول دكتور بشير عبدالفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن سقوط كابول بهذه الطريقة يشوبه التعمد من جانب الإدارة الأمريكية، لإحداث الفوضى الراهنة، خاصة وأن القوات الأفغانية خضعت لتدريبات وتلقت أموالا تضع علامات استفهام كثيرة حول النتائج، واصفاً جعل أفغانستان بؤرة للفوضى وملاذاً للجماعات الإرهابية والتكفيرية بالاستفزاز الاستراتيجي لكل من روسيا والصين، ما ينذر بصراع مكشوف بين الدول الثلاث. 

 

وفيما يتعلق بما أثير حول التنسيق بين واشنطن وطالبان قبيل انسحاب القوات الأمريكية، فإن الرسائل الدبلوماسية التي أرسلتها الصين وروسيا تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الحركة الأفغانية أبلغت موسكو وبكين بالقرار الأمريكي، يعزز هذا الاستنتاج ما ذكره بشير :« توافر المعلومات عن ذلك الانسحاب المدبر، الذي قابلته موسكو وبكين بالتنسيق مع طالبان، ووضع تصور كامل لدعم الجماعة»، مدللاً علي ذلك باحتفاظهم بالتمثيل الدبلوماسي، ما يؤهلهم سريعاً للاعتراف بطالبان.

 

روسيا.. «3 ضد 3 »

 

رسمت الرسائل الدبلوماسية منذ سقوط كابول في أيدي طالبان سيناريوهات الصراع المستقبلية علي الأرض الأفغانية بين القوي الدولية، ووضح جلياً وجود تفاهمات بين طالبان وموسكو إلى جانب ضبط النفس التي التزمت به موسكو في تعليقها على الأحداث، وصل الأمر حد الإبقاء على كافة عناصرها داخل السفارة، وإطلاق تصريحات ايجابية عن نهج الحركة الجديد.

 

يتضح للمراقب للشأن الأفغاني أن المصالح الأمريكية تقتضي التنازل عن الأراضي الأفغانية ونقلها من الملعب الأمريكي إلى الملعب الروسي، في خطوة تستهدف تحييد الأخيرة في حرب واشنطن الاقتصادية ضد العملاق الصيني، خاصة أنه من الصعب واشنطن الحرب علي جبهتين. 

 

وتنتهج واشنطن في سبيل تحقيق أهدافها سواء داخل الشأن الأفغاني أو استمرارها قطب أوحد في العالم استراتيجية «٣ ضد ٣» بمعنى دخول القوي الدولية الثلاث -أمريكا والصين وروسيا - في مواجهات مع بعضها البعض، بدلاً من التقارب الروسي الصيني الذي يهدد تسيد أمريكا للعالم.

 

وتشير الدراسة، إلى أن روسيا والولايات المتحدة شأنهم شأن كثير من الدول المتناحرة تربطهم علاقات إجبارية فرضتها العولمة واتساع النفوذ السياسي لكل من البلدين، إذ تعتمد الأوساط التجارية القوية في روسيا بشكل كبير علي التمويل والتقنية الغربية، ما يمنح الولايات المتحدة النفوذ الكاف للحد من التقارب الروسي - الصيني - الإيراني، والاستفراد ببعض منهم أو تحييد البعض الآخر.

 

الصين.. «حصاد الكنز النظيف»

 

وتواصل الدراسة تسليط الضوء علي الدور الصيني في أفغانستان، قائلة «رفع طالبان يدها عن مسلمي الصين المتمركزين داخل المدن الصينية المتاخمة للحدود الأفغانية التي تمتد لنحو ٩٠ كم، يمكن أن يصل بالبلدين نحو علاقات أكثر براغماتية تحمي مصالح كل منهما».

 

وتضيف أن الصين بتعاطيها الاقتصادي لاتؤيد تعطيل مصالحها المتعلقة باستخراج النحاس من منجم «أيناك» بعد أن ضخت استثمارات بقيمة 3.5 مليار دولار، واستغلال «الكنز النظيف» للثروة المعدنية الأفغانية، التي تقدر قيمتها بما لا يقل عن تريليون دولار. 

 

وتتوقع الدراسة أن تصبح الدولة الأفغانية الحبيسة محور أسيا خلال عقدين، في ظل تنامي الطلب العالمي على الطاقة النظيفة.

 

«بكين عادة لا يرجح الدخول في نزاعات دون جدوي اقتصادية، ورغم التواجد الروسي الأزلي في أسيا الوسطي، إلا أن حجم التبادل التجاري بين أسيا الوسطي والصين ارتفع  إلي 27 مليار دولار خلال 8 سنوات ( 2002-2010)، في حين بلغ مع روسيا 15 مليار دولار» بحسب الدراسة.

 

إيران.. «علاقات حصرية مع شيعة أفغانستان»

 

تطرق الدكتور بشير عبدالفتاح، للشأن الإيراني داخل أفغانستان، مؤكداً أن الوضع في داخل الدولة الحبيسة ليس له علاقة بإيران، وأن كافة الدول تحاول تعظيم مكاسبها، لافتاً إلي أن الدولة الأفغانية غنية بالمعادن النفيسة.

 

تباينت آراء بشير مع ما جاء في الدراسة، التي أكدت أن منع طالبان من السيطرة علي البلاد وجعلها ملاذا آمنا لتنظيم القاعدة، هدف مشترك لواشنطن وطهران، وأن انسحاب الأولى خفف من حدة مخاوف إيران من التعامل مع القوات الدولية علي حدودها، لاسيما في ظل الشكوك التي تساور إيران حول  التجسس على مشروعها النووي.

 

وتركز الدراسة على الدعم اللوجستي الذي قدمته إيران خلال فترات سابقة لمجموعة الطاجيك والهزارة  -جماعات شيعية- مؤكدة أنه يمكن استخدامه  لمواجهة التصاعد الطالباني السني السريع. 

 

وذكرت الدراسة :«التوصل إلي حل سلمي للأزمة النووية الإيرانية واستمرار تعزيز البراغماتية النسبية في حكومة طهران يمكن أن يؤدي إلي توسعة التعاون بين كل من البلدين داخل أفغانستان في قضايا تخص الحد من انتشار المخدرات التي تعد المصدر الرئيسي للدخل في أفغانستان، وكذلك قضايا المياه التي تعاني منها المحافظات الإيرانية مؤخراً، لاسيما حال سعي أفغانستان إلي زيادة الرقعة الزراعية».

 

في المقابل يؤكد بشير أن الوضع الإيراني مختلف، إذ ترفض الدخول في اتفاق جديد أكثر شمولاً وأكثر قيوداً، رغم ضغط الدول العربية وإسرائيل علي أمريكا لتضمين الاتفاق النووي شروط تتمثل في: تفكيك برامج الصواريخ الباليستية، إشراك دول عربية في المفاوضات، تمديد فترة القيود علي إيران لانتاج المواد الانشطارية، بالإضافة إلى وقف الدعم السياسي والعسكري لأفرعها بالمنطقة العربية.