خواطر الإمام الشعراوي .. لماذا تسمى الزوجة «جماعة»؟

 الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يقول الحق فى الآية 28 من سورة القصص: «قالَ ذَلِكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ». أى: أنا بالخيار، أقضى ثمانية، أم عشرة «فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ»، وقد أخذ العلماء حُكْماً جديداً من هذه الآية، وهو أن المطلوب عند عقد الزواج تسمية المهر، ولا يشترط قبضه عند العقد، فلَك أنْ تُؤجله كله وتجعله مُؤخّراً، أو تُؤجل بعضه، وتدفع بعضه.


والمهر ثمن بُضْع المرأة، بحيث إذا ماتت ذهب إلى تركتها، وإذا مات الزوج يُؤخَذ من تركته، بدليل أن شعيباً عليه السلام استأجر موسى ثمانى أو عشر سنين، وجعلها مهراً لابنته.


ونلحظ أن السياق هنا لم يذكر شيئاً عن الطعام، مع أن موسى عليه السلام كان جائعاً ودعا ربه: «رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ». لكن يروى أهل السير أن شعيباً عليه السلام قدّم لموسى طعاماً، وطلب منه أن يأكل، فقال: أستغفر الله، يعنى: أنْ آكل من طعام. كأنه مقابل ما سقى للبنتين الغنم؛ لذلك قال: إنَّا أهل بيت لا نبيع عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، فقال شعيب: كُلْ، فإنَّا أهل بيت نطعم الطعام ونقرى الضيف، قال: الآن نأكل.


ثم يقول الحق سبحانه: « فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّى آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ».


قوله تعالى: «فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل» أى: الذى اتفق عليه مع شعيب عليه السلام «وَسَارَ بِأَهْلِهِ» قلنا: إن الأهل تُطلق على الزوجة، وفى لغتنا العامية نقول: معى أهلى أو الجماعة ونقصد الزوجة؛ وذلك لأن الزوجة تقضى لزوجها من المصالح ما لا يقدر عليه إلا جماعة، بل وتزيد على الجماعة بشيء خاص لا يؤديه عنها غيرها، وهو مسألة المعاشرة؛ لذلك حَلَّتْ محلَّ جماعة.


ومعنى «آنَسَ» يعنى: أبصر ورأى أو أحسَّ بشيء من الأُنْس،»قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا» انتظروا «إنى آنَسْتُ نَاراً» يخبرها بوجود النار، وهذا يعنى أنها لم تَرَها كما رآها هو.


وهذا دليل على أنها ليست ناراً مادية يُوقِدها بشر، وإلا لاستوى أهله معه فى رؤيتها، فهذا إذن أمر خاص به «لعلى آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَر» يعنى: رجاءَ أنْ أجد مَنْ يخبرنا عن الطريق، ويهدينا إلى أين نتوجه «أَوْجَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ« الجذوة: قطعة من نار متوهجة ليس لها لَهَب، ومعنى تصطلون أى: تستدفئون بها، وفى موضع آخر قال: «بِشِهَابٍ قَبَسٍ...» «النمل: 7» يعنى: شعلة لها لسان ولهب، فمأربهم - إذن - على هذه الحال أمران: مَنْ يخبرهم بالطريق حيث تاهَتْ بهم الخُطَى فى مكان لا يعرفونه، ثم جذوة نار يستدفئون بها من البرد.


وفى موضع آخر لهذه القصة لم يذكر قوله تعالى: «قَالَ لأَهْلِهِ» وهذا من المآخذ التى يأخذها السطحيون على أسلوب القرآن، لكن بتأمل الموقف نرى أنه أخذ صورة المحاورة بين موسى وأهله.


فزوجة وزوجها ضَمَّهما الظلام فى مكان موحش، لا يعرفون به شيئاً، ولا يهتدون إلى طريق، والجو شديد البرودة، فمن الطبيعى حين يقول لها: إنى رأيت ناراً سأذهب لأقتبس منها أن تقول له: كيف تتركنى وحدى فى هذا المكان؟ فربما تضلّ أنت أو أضلّ أنا، فيقول لها «امكثوا...» إذن: لابد أن هذه العبارة تكررتْ على صيغتين كما حكاها القرآن الكريم.


كذلك فى: «سَآتِيكُمْ...» «النمل: 7» وفى مرة أخرى «لعلى آتِيكُمْ...» «القصص: 29» قالوا: لأنه لما رأى النار قال: «سَآتِيكُمْ....» «النمل: 7» على وجه اليقين، لكن لما راجع نفسه، فربما طفئت قبل أن يصل إليها استدراك، فقال «لعلى آتِيكُمْ..» على سبيل رجاء غير المتيقن.