فرفيش كده | شر البلية

فرفيش كده
فرفيش كده

رامى حمدى

 

الثالثة بعد منتصف الليل، نسمة هواء تحرك الستائر، ومقاطع من موسيقى البيانو تنساب عبر سماعة أذنى ليصنعا معاً حالة من «رد الروح». وسؤال يلح فى عقلى. هل يمكن أن أكتب موضوعاً عن الاكتئاب فى صفحة فرفشة وضحك!


لا أدرى لماذا لا أستطيع الفصل بين الاكتئاب والضحك، كلما رأيت صورة بها ابتسامة مشرقة أفكر فى الوجه الآخر للعملة، هل يمكن أن يكون هذا الشخص مريضا نفسيا بشكل أو بآخر؟ ابتسامة الممثل الأمريكى الكوميدى روبين ويليامز لا تفارق خيالى كأيقونة للسعادة، توفى منتحراً فى عام 2014 بسبب اكتئاب حاد! أتذكر أن محبيه فى مصر أصابتهم صدمة عنيفة، صديق لى بكى وهو يحكى لوالدته، فمصمصت شفتيها على حالة ابنها البكرى، ثم بنظرة خبير قالت له: «الحاجات دى موجودة عند الكفار بس، طول ما هما بعيد عن ربنا ومشيهم بطال لازم يجيلهم الأمراض الوحشة»!


فى مصر والتى تصنف من الدول»اللى مشيها عِدِل»، يقول بعض الأطباء أن عدد المصابين بهذا المرض «الوِحِش» يقترب من 25 مليون شخص تقريباً، ربع الشعب أبو دم «جنان» وابن النكتة. لكن لا احصاءات للنوع، لأنه لو المصابة فتاة فهى بالتأكيد «معمول لها عمل على ظهر جمل»، ولو المصاب مراهق فالتشخيص الشعبى لمتلازمة عدم انتظام النوم والعزلة وفقد الشهية هو «بيحب» أو «ملموم على شلة صايعة». ولو كان مشهوراً أو مبدعاً فهو «بيتدلع وقوم كده نفرفشك».

ولو كان فى وظيفة مرموقة ودخل محترم فبالتأكيد «بيستهبل، ناقصه إيه علشان يحصل له كده؟». ولا مانع فى تلك الحالات من اللجوء للشيخ كفتة ـ مع احترامى لطعامة الكفتة- والذى يقوم بعمله الذى يشمل اعتبار المريض قطعة لحم تحتاج لتدخين بالبخور، وانتهاء بتعويذات «عودة الروح الحلوة».

أما عن زيارة الطبيب النفسى فهى رجس من عمل الشيطان، لأنهم متحرشين أو «بيوصفولنا بالمخدرات». وتلاحق من ينوى الزيارة الجملة الشهيرة: «هو انت مجنون؟ طب والله قعدتك تجنن ربنا يحميك».  


لماذا أصلا التناقض فى وصف الأشياء الجميلة بأنها «تجنن»؟ أهالى المتهمين خارج الأقسام يرفهون عن أنفسهم بإلقاء النكات. ومجانين الأفلام الصادقين يضحكون بلا انقطاع. علامة مثقلى القلوب هى دعمهم الدائم، أمان وبسمة وعطاء بلا حدود..

ولأننى شخصياً يعتصرنى اكتئاب أقاومه بالكتابة، فكل ما أطلبه قليل من التفكر. فكلما ضحكنا ابحثوا عن شر البلية، صدقوا ما نشعر به، ساعدونا لنكف عن التظاهر، تقبلوا واسمعوا وافهموا، فلربما تعود الابتسامة صادقة. وتعم الفرفشة العالم من حولنا من جديد.