قصة قصيرة

حكيم والبحر

زينب علي درويش
زينب علي درويش

 زينب علي درويش

إنه يسبح منذ طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يشعر بتعب ولا ارهاق.. احب البحر، ذاب حبا وعشقا. إنه لا يريد أن يخرج منه، من يستطيع أن يخرجه؟ قد جاء حارس الشاطئ وقال له: يا بنى البحر ليس بهذا الجمال إنه غدار؛

إن هدوءه مؤقت إذا أخذك فلن يعيدك حتى لو أردت العودة، يكفى أنه يسبح بي أينما اردت وطوال الوقت، هذا سحره الخفى لا تستسلم له.. أنا هنا حارس ولكنى اعيش على الأرض وليس فى البحر؛ أصغِ إلىَّ، عشت سنوات وسنوات شتاء وصيفا ليلا ونهارا، اعرفه أكثر منك؛ لن تأخذ منه شيئا حتى إذا شربت منه لن ترتوى بل ستمرض، رد عليه بكل ثقة: لا بل به خير كثير واسرار سأتعلمها وأعرفها  لن أتراجع.

شعر الحارس بخيبة أمل  فقرر أن يذهب ويحضر له عم حكيم كبير الصيادين. وفى صباح اليوم الثانى كان قد وصل عم حكيم وظل ينادى وينادى وبعد فترة ليست بطويلة سمعه وهو يقول: من ينادى؟ أنا عم حكيم لماذا لم تجب؟ كنت مع الأمواج نتسابق. الى متى ستظل هكذا يا بنى؟ إلى نهاية العمر. لا لا يا بنى البحر يأخذ ولا يعطى قد اضعت عمرى فى بناء سفينتى وعندما انتهيت كان انتهى ((عمرى)) اتمنى أن تنسى البحر قبل أن تنساك الحياة  فالبحر ليس سهلا على احد.. فردَّ بكل قوة على عم حكيم: إن كان القدر ألا ننجو من إحدى الامواج.. ‏فإن الأثر سيظل يذكرنا بما حدث معنا. ولماذا يا بنى تصارع الأمواج والعواصف؟ رد بصوت حزين: لن أملك سوى عمر واحد..  ثم قال: ماذا فعلت انت بعمرك؟

رد عم حكيم بصوت حزين: أنا أبحرت من بلد إلى بلد حتى  ضاع كثير من العمر، فقال له: أنا أرى أن اعماق البحار للأقوياء فقط  وأنا أصبحت مثل السفن اتحمل أمواج البحر.. لكنى لا استطيع الابتعاد عنه واكيد سأعرف طريقى مهما كانت قوة الامواج.

الامان الوحيد الذي ستشعر به  فى قلبك دائما وانت  في البحر، هو أنك فى رعاية الله في كل وقت. رد بكل هدوء: إن سفينتى ستمشى كما أشاء. ضحك عم حكيم  كثيرا: البحر للجميع ولكن النجاح ليس للجميع انت اخترت يا بنى طريقك ولكن لا تتركه يخدعك باتساعه وهدوئه وجماله إنه يحمل بداخله مفاجآته التى لا يتحملها إلا كل من كان مستعدا لها..  وأدار ظهره وأخذ نفسا عميقا وقال: لقد أخذه البحر، أتمنى أن يعود.