كتبت: غادة جاد
ولدت الكاتبة السويدية الأمريكية هيلين لندستروم إروين فى هيلسنجبورج، وهى مدينة صغيرة على الساحل الغربى لجنوب السويد. ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة وهى فى العشرينيات، ولا تزال تعيش إلى الآن فى نيويورك مع زوجها وكلبيهما. كتبت هيلين روايتين تاريخيتين، هما
: رحلة جيمس (2014)، وتتحدث عن قضية العبيد فى أمريكا إبان القرن التاسع عشر، القضية التى انقسمت بشأنها الأمة انقسامًا شديدًا، حيث نجد الشاب جيمس ابن النخاس يتحول إلى مناهض للعبودية ويصير سائقا للقطارات، ويقع فى غرام كاثرين، وهى مناهضة للعبودية كذلك. ويستهل الحبيبان حياتهما معًا فى رحلة نضال لمساندة الفارين من العبودية.
أما رواية اللبن الرائ فى صوف الغنم، التى صدرت للكاتبة مؤخرا، فتسلط الضوء على كفاح نساء السويد فى أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين، من أجل حقوقهن الاجتماعية والسياسية. فنرى أنيت المرأة الوحيدة بغير عائل أو معين، تكافح فى الحياة من أجل تربية أولادها الكثر. وقد عانت أشد المعاناة لإعالتهم، وظلت تتجرع حرمانها من أبسط حقوقها ومن بينها الحق فى تنظيم النسل. ونجد هانا التى تغلق مقهاها ليلا لتفتح أبوابه للناشطات الاجتماعيات لتجعل لهن سبيلا لمناقشة قضاياهن بمنأى عن الأزواج المتسلطين. وألهمت تجربة الرائدة النسوية إيميلى راثو هؤلاء الناشطات وتوحدت كلمتهن فى أنحاء الأمة وبدأن كفاحهن الطويل من أجل نيل حق الاقتراع.
وللكاتبة أيضا عمل للأطفال بعنوان االمفتشة هيلجا هيدهوج تقابل الجيران الجدد. فضلا عن هذا تستمتع هيلين بهوايتها كطاهية وتشارك جمهورها وصفات على مدونتها.
هنا حوار خاص لـ اأخبار الأدب مع هيلين لندستروم إروين.
كانت هناك لحظة قررت فيها هيلين لندستروم أن تسطر رواية اجتماعية تاريخية عن المرأة السويدية وحقوقها. وهكذا كانت رواية اللبن الرائ فى صوف الغنم. متى كانت هذه اللحظة؟
كنت أريد الكتابة عن المرأة السويدية، لاسيما المرأة التى عاشت أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين، حين علمت ما كان من أمر جدتى الكبرى ومسيرة حياتها. كانت جدتى أمًا عزباء لأولاد كثر، ولم يكن هذا مقبولا اجتماعيا ومثيرا للجدل الشديد آنذاك. كونى امرأة، يمكننى أن أتخيل حجم المعاناة التى لابد قد مرت بها
: وبما أن اللبن الرائ فى صوف الغنم قائمة جزئيا على قصة حياة جدتي، فقد رويت قصتها بطريقة ظننت أنها ستختارها لو أتيحت لها الفرصة. لابد أن ثمة أوضاعًا تفوق نطاق سيطرتها، وأشياء تمنت بالضرورة أن تكون مختلفة، غير أنها عجزت بطبيعة الحال عن تغييرها نظرًا للتقاليد الاجتماعية السائدة آنذاك. وفى الوقت ذاته، حين راحت جدتى تكافح كونها امرأة عزباء، كانت السويديات يناضلن من أجل نيل حقوقهن، ومن أجل نيل حق التصويت، وتحقيق العدالة الناجزة، ومن ثم بُنيت حبكة االلبن الرائب فى صوف الغنمب على هذه الحركات أيضًا. لقد ألهمنى كثيرا ما فعلته جداتنا لأجلنا. وبفضل جهودهن لنيل حق الاقتراع، استطاعت نساء السويد التصويت والترشح للمناصب السياسية فى عصرنا الحالى. كذلك الفضل يرجع إليهن فى أننا صرنا قادرات على تقرير المصير فى الأمور الخاصة بأجسادنا والزواج والأسرة.
العالم العربى على دراية واسعة بالأدب الانجليزى والفرنسى والإسبانى، أو حتى الألمانى. لكن الأدب الاسكندنافى وثقافات هذه الدول غير مألوف لدينا مقارنة بالآداب المشار إليه. كيف ترين الأمر؟
ملحوظة مثيرة للاهتمام حقا. ربما يتغير الوضع بمرور الوقت. يعيش فى السويد الكثير من المهاجرين العرب الآن، ربما يدفع ذلك إلى إبداء مزيد من الاهتمام بالثقافة الاسكندنافية وتاريخها وآدابها.
أعلم أنكِ عدّاءة جيدة، وأن العدْو كان إحدى أدواتك فى التغلب على الحزن عقب وفاة أمك. هل يمكنك أن تخبرينا بالمزيد عن هذه التجربة؟ وكيف أحدثت تغييرا فى ذاتك؟
فقدان أمى تسبب لى فى ألم مبرح، ورغم أن كلتينا قد عاشت بمنأى عن الأخرى، فقد كنا قريبتين جدًا. عانت أمى المرض لفترة قصيرة،
وأكد لى الأطباء أنها ستصير على ما يرام وتعود إلى المنزل. حجزت تذاكر الطيران استعدادًا لوصولها إلى المنزل، لكنها كانت غادرت عالمنا على نحو مفاجئ بعد مجرد ساعة من حديثى معها، وقولى لها إنى فى الطريق للقائها. كانت لحظة قاسية جدًا خاصة أنى لم يتح لى الفرصة الأخيرة لوداعها. الموت، موت أمى، أصابنى بالحزن الشديد والاضطراب. صار العدْو سلواى الوحيدة، فأعاننى على استعادة هدوئي. ثم أصبح الآن الشئ الأثير لديّ. كان ذلك بمثابة الهدية الأخيرة من أمى، وما زلت أفكر فيها أثناء العدْو.
فى رحلة جيمس، كما الحال فى اللبن الرائ فى صوف الغنم، كان التاريخ مصدرًا كبيرًا للإلهام لديك. كيف تفسرين استلهامك للتاريخ؟
أنا مفتونة بالنماذج المتغيرة. الأشياء الصغيرة المتعلقة بالحياة اليومية فى عصر آخر هى غالبا التى تساعدنا على فهم ماهية تفكير البشر فى الماضى. الأشياء التى نعتبرها من المُسلّمات فى عصرنا الحالى، كانت ذات مرة معارك حامية الوطيس. ويكمن عشقى فى توضيح معايير الماضى من خلال اصطحاب القارئ فى رحلة عودة إلى الماضى وجعله يدخل إلى عقول شخصياتى.
أى عمل من أعمالك تعتبرينه الأقرب إليكِ؟
أحب أعمالى كلها، ولكن االلبن الرائب فى صوف الغنمب، لكونها تتحدث عن تاريخى وعن النساء من بنى جلدتي، أشعر بعمق الارتباط به أكثر.
يُقال أحيانا إن الأحداث الفريدة من نوعها، لاسيما فى طفولة المرء، تؤدى إلى إبداعات عظيمة فى حياته. تُرَى هل من شئ مميز فى طفولتك؟
نعم، أظن أن حقيقة كونى الابنة الوحيدة التى تمتعت بالكثير من الوقت لذاتها كانت ذات صلة بكونى قد أصبحت مؤلفة. لقد دأبتُ على قضاء ساعات سيرًا فى الجوار داخل الغابة، وغالبا ما اصطحبنى والداى أثناء بحثهما عن فطر عش الغراب. لطالما كنت أتخيل أشياءً، وأنسج قصصًا، وأتظاهر أنى شخص آخر يعيش فى مكان مثير. كنت أملك حرية أن أكون مُبدعة، وتمتعت بالوقت الكافى للتفكير.
هل ترين أن المشكلات الرئيسية التى تعانى منها النساء حول العالم تكاد تكون متشابهة؟
نعم أعتقد ذلك. وأظن أن الأمر قد يختلف من ثقافة إلى أخرى، ووفق الظروف المحيطة، لكن نساء العالم على وجه العموم ما زال أمامهن الكثير قبل أن ينلن كامل المساواة فى المجتمع.
هل تعتبرين نفسك نسوية؟ ولماذا؟
نعم، بكل تأكيد. أنا مؤمنة بأنه يجدر أن تحظى المرأة بالمساواة مع الرجل، وأن يكون لها ما له من حقوق. غير أننا لم نحقق ذلك بعد.
هل العالم يسير فى حقيقة الأمر على المسار الصحيح فيما يتعلق بحقوق المرأة ومفهوم المساواة بين الجنسين؟
أظن أننا فى سبيلنا إلى ذلك. وهنا فى الولايات المتحدة الأمريكية، قمنا لتونا بانتخاب أول نائبة لرئيس البلاد، ما يعد حجر زاوية عظيمًا بالنسبة لنا وللنساء فى كل مكان. ولكن رغم ذلك، لدينا المزيد من العمل يتعين علينا إنجازه. ما زالت هناك فروق فى الرواتب بين النساء والرجال نظير القيام بالعمل ذاته، هذا على سبيل المثال. فى كثير من دول العالم، ما زال أمام النساء قدر كبير جدا من النضال يتعين عليهن القيام به. أظن أنه من الأهمية بمكان أن نتواصل معا عبر الحدود الدولية وأن نناضل فى سبيل المساواة معًا أينما كنا.
إذا كنتِ تخططين لكتابة قصة جديدة، فماذا سيكون موضوعها؟
أكتب الآن رواية خيالية تاريخية تدور أحداثها فى السويد، بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، حول محاكمة المشعوذين فى الفترة السابقة على ما كان معروفا بمحاكمات الساحرات. كانت فترة مثيرة ومخيفة فى التاريخ. وهى المرة الأولى التى أدمج فيها الأدب القصصى التاريخى مع الخيال الصرف، ومن ثم فهى تجربة كتابة مثيرة.
المصدر : جريدة اخبارالادب